استمع إلى الملخص
- التداعيات السياسية والانتخابية: تسعى الإدارة الأمريكية لاستغلال الحدث لتعزيز موقفها الانتخابي، خاصةً في الولايات المؤثرة. زيارة بلينكن لإسرائيل تهدف للحفاظ على الرصيد الانتخابي وتجنب تراجع حظوظ كامالا هاريس.
- الدبلوماسية الأمريكية والتحديات: رغم غياب السنوار، تبقى الإدارة غير متأكدة من نوايا إسرائيل وتعتمد على الدبلوماسية لوقف إطلاق النار. التحديات مستمرة في التعامل مع إسرائيل، حيث لم تحقق زيارات بلينكن تقدمًا ملموسًا.
لقي اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس يحيى السنوار أمس الخميس من الترحيب الأميركي ما ناله اغتيال الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله وأكثر، لارتباط اسم الزعيم الفلسطيني بعملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 غير المسبوقة، وبالتالي فإن إزاحته عن المسرح بدت بمثابة "انتكاسة فلسطينية" لدى الأوساط الإسرائيلية ومن يواليها.
وهذا ما يفسر الارتياح العارم الذي أبدته كافة تلك الأوساط تناغماً مع النشوة الإسرائيلية التي عبّر عنها رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في كلمته بعد العملية، ولو أنه كان هناك بعض العارفين والمتبصرين بتجارب التاريخ ولا سيما تاريخ القضية الفلسطينية، الذين سارعوا إلى التحذير من التسرع في الاعتقاد بأنّ مقتل قيادي "يعني نهاية تنظيمه"، على غرار العميد المتقاعد والباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن مارك كنسيان.
لم تكن إدارة جو بايدن أقل المرحبين بالحدث. الرئيس الأميركي أعرب عن ذلك من على طائرته وهو في طريقه إلى ألمانيا. نائبته كامالا هاريس تلت بياناً مماثلاً خلال جولتها الانتخابية في ولاية ويسكونسن، وكذلك بيان وزير الخارجية أنتوني بلينكن المرافق للرئيس. فاحتضان الحدث في هذا التوقيت مادة انتخابية وفي الوقت ذاته هو محاولة لضبط نتنياهو في فترة الأسبوعين ونصف المتبقية من الحملة الانتخابية، لئلا تجرفه النشوة فيقوم بالرد على إيران بصورة قد تؤدي إلى التأثير سلباً على حسابات هاريس الانتخابية، وبالتالي تقليص حظوظها في الفوز على غريمها الجمهوري دونالد ترامب في السباق الرئاسي.
ربما لهذا السبب يعتزم بلينكن إجراء زيارته الحادية عشرة إلى إسرائيل والمنطقة الأسبوع المقبل. فوضع هاريس على حاله، ولا يتحمّل أي تراجع في رصيدها الذي تخشى حملتها من ارتدادات مصرع السنوار ضدها في ولايات مثل ميشيغين التي يملك الصوت الفلسطيني والعربي حصة مؤثرة في ميزانها الانتخابي، ولا سيما أنّ شريحة من هذه الأصوات ما زالت حتى اللحظة عازمة على مقاطعة الانتخابات وحرمان هاريس من الحصول عليها.
"عقبة" السنوار وقد زالت
في تبريرها للترحيب تقول الإدارة الأميركية إنّ السنوار كان "العقبة" في طريق إرساء اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، علماً أنه ليس سرّاً في واشنطن أنّ نتنياهو هو الذي تولّى نسف التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار بإضافة شروط تعجيزية في كل مرة على مسودة المشروع. كما لم يكن سرّاً أنّ الإدارة أعربت أكثر من مرة، سواء بالتلميح أو بالتسريب الإعلامي، عن "غيظها" من تحايل نتنياهو المتكرر لعرقلة الوصول إلى أي صيغة من هذا القبيل. مدير وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه)، المفاوض وليام بيرنز، يعرف ذلك تماماً وأظهر أكثر من مرة إشارات التذمر من تلك العراقيل. مع ذلك حرص المسؤولون اليوم على إعفاء نتنياهو من الملامة وحصرها بالسنوار.
الآن غاب السنوار ومن المفترض، بحسب تعليل الإدارة، أن تكون العقبة قد زالت وبالتالي أن تكون الطريق قد انفتحت أمام وقف إطلاق النار. لكن الإدارة الأميركية لا تعرف "ما الذي تنوي إسرائيل عمله" بعد الاغتيال، وفق ما قاله، أمس الخميس، المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميلر. كل ما تقوى عليه الإدارة أنها "ستضاعف جهودها لاغتنام الفرصة"، مع تلميحها الخجول إلى أنّ "الوجهة بعد الآن ليست مواصلة الحرب".
لكن الأمر في ذلك متروك لنتنياهو. أما هي فتعوّل في ذلك على الدبلوماسية "للدفع في هذا الاتجاه"، علماً أنها جرّبت أسلوبها الدبلوماسي في زيارات الوزير بلينكن العشر السابقة التي لم تفضِ إلى شيء، لأنها كانت دبلوماسية بلا أسنان. حتى المساعدات الإنسانية لم تقو على تمريرها بصورة روتينية لأهالي غزة الذين ضربتهم المجاعة مراراً وتكراراً. في اليومين الأخيرين صحت على هذا الموضوع وزعمت أنها "حذرت إسرائيل بوقف تسليحها" إن لم تعمل على ضمان مرور المعونات. تحذير ليس هناك في واشنطن من يأخذ به جدّياً، وخصوصاً أنه جاء في اللحظة ذاتها التي كانت ترسل فيها صواريخ "ثاد" الأميركية المضادة للصواريخ الباليستية إلى إسرائيل.
الاختلاف في الإخراج
عدم الجدّية كان السمة الطاغية على تعامل إدارة بايدن مع إسرائيل طوال السنة الماضية من حربها على غزة وتوابعها. الرئيس بايدن ترك المبادرة عموماً بيد نتنياهو مكتفياً بإطلاق النعوت السيئة على هذا الأخير (كذاب ولعين...)، من دون تدفيعه أي ثمن على تجاوزاته وانتهاكاته وإحراجاته. على العكس، أفاض عليه بايدن بالدعم والتسليح مقابل "استماع إسرائيل" لواشنطن، والذي لا يخرج عملياً عن توزيع الأدوار، لكنها، أي إسرائيل، "تقرر ما تراه مناسباً لها"، كما قال نتنياهو بخصوص ردّ إسرائيل المرتقب على إيران.
ورغم ما تسرّب من معلومات في الأيام الأخيرة حول تراجع إسرائيل عن ضرب المنشآت النووية والنفطية في إيران نزولاً عند رغبة الرئيس الأميركي على الأقل قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية في الخامس من نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، إلا أنه ليس هناك من يراهن على وعود نتنياهو الذي لا يستبعد أن تدفع به نشوة اللحظة إلى "الدوبلة" على حروبه المفتوحة، والتي لا يخفي نواياه في توسيع وتعميق مداها، والتي واصلت الإدارة تبني ودعم حلقاتها التصعيدية الواحدة بعد الأخرى.. وكأن هناك توافقاً عليها مع الاختلاف في الإخراج لا غير.