هيئة تحرير الشام تروّج معركة تغيير الموازين شمالي سورية

10 أكتوبر 2024
مقاتلون لهيئة تحرير الشام بإدلب، نوفمبر 2022 (عمر حاج قدور/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- استعدادات المعارضة السورية: تزايدت التحركات العسكرية لفصائل المعارضة و"هيئة تحرير الشام" ضد قوات النظام في ريفي إدلب وحلب، وسط توترات إقليمية بعد الضربات الإسرائيلية على حزب الله والمجموعات الإيرانية، مع بقاء الوضع العسكري دون تغييرات كبيرة.

- التحديات والتحذيرات: تواجه المعارضة تحذيرات روسية من التحركات العسكرية، بينما تسعى تركيا لاستخدام التهديدات كوسيلة ضغط سياسي دون تصعيد، في حين تستعد قوات النظام لأي هجوم محتمل.

- التوازنات الإقليمية والدولية: تلعب التفاهمات بين موسكو وأنقرة دورًا في منع التصعيد، لكن التغيرات الإقليمية والدولية قد تعيد رسم خرائط السيطرة، مع استمرار الدعم الروسي والإيراني للنظام.

كثُر الحديث خلال الأيام القليلة الماضية، عن استعدادات تجريها فصائل المعارضة السورية و"هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) لشنّ عمل عسكري ضد قوات النظام السوري وحزب الله والمليشيات الإيرانية في ريفي إدلب وحلب، وتحريك الجبهات المتوقفة منذ مارس/آذار 2020. وترى هذه الأطراف أن الأرض ممهدة للتقدم مجدداً وتغيير خرائط السيطرة، لا سيما بعد العدوان الإسرائيلي على لبنان، بما في ذلك الضربات التي يتلقاها حزب الله، سواء في لبنان أو سورية، حيث تستهدف الغارات الإسرائيلية أيضاً المجموعات الإيرانية.

ولكن على أرض الواقع، وعلى غير المعتاد في ما يتعلق بالمعارك التي عادة ما تأخذ تحضيراتها طابع السرية، يروج المكتب الاعلامي لـ"هيئة تحرير الشام" ضمن غرف منصة التواصل الاجتماعي "واتساب" الخاصة بالناشطين الإعلاميين منذ نحو شهرين، لتحضيرات تقوم بها الهيئة لفتح معركة مع النظام، فيما لم تشهد مناطق التماس أي تغييرات تذكر، سواء لناحية استقدام تعزيزات عسكرية أو لناحية إعادة تموضع. وكل ما تمّ هو عدد من العمليات المحدودة التي نفذتها "الهيئة" تحت مسمى عمليات نوعية، غالباً ما كانت تأتي ردّاً على قصف لقوات النظام خارج خطوط التماس، بالإضافة إلى تنظيم "الهيئة" بعض المعسكرات التدريبية لتأهيل عناصرها أو دورات لمنتسبين جدد.

لم تشهد مناطق التماس أي تغييرات تذكر، سواء لناحية استقدام تعزيزات عسكرية أو لناحية إعادة تموضع

تحضير للمعركة منذ سنوات

وفي هذا الصدد، قال العقيد مصطفى البكور، وهو قيادي في فصائل المعارضة السورية في شمال غربي سورية، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "غرفة عمليات الفتح المبين (تضم فصائل معارضة وهيئة تحرير الشام)، ونحن جزء منها، تحضر منذ سنوات لمثل هذه المعركة وتنتظر الظروف المناسبة لبدئها"، معرباً عن اعتقاده بأن "الظروف الحالية مناسبة جداً لبدء المعركة". وحول إمكانية التدخل الروسي ضد الفصائل في حال شنّها المعركة، أكد البكور أنه "بالتأكيد تم وضع تدخل الروس والإيرانيين بالاعتبار"، معتبراً رغم ذلك "أن الانتظار أكثر، يجعل المعركة أصعب، لأن الطرف الآخر يحضر أيضاً لينقضّ على المناطق المحرّرة (مناطق المعارضة)، وفي المعركة لا بد من حصول خسائر". وتشير المعطيات إلى أن قوات النظام والمليشيات الموالية لها، تتحسّب لهذه المعركة، إذ نقلت صحيفة "الوطن" شبه الرسمية عما سمته "مصادر ميدانية" قولها، إن قوات النظام "على أتم الاستعداد للتعامل مع أي اعتداء أو هجوم قد تشنّه التنظيمات الإرهابية"، وفق تعبيرها. وأوضحت أن هذه القوات "عزّزت نقاط انتشارها على طول جبهات القتال، من ريف اللاذقية الشمالي وسهل الغاب غرب حماة، مروراً بريف إدلب الجنوبي والشرقي، وصولاً إلى ريف حلب الغربي، وذلك تحسباً لأي طارئ في محاور القتال".

ويحكم الشمال الغربي من سورية، حتى اللحظة، ما يُعرف باتفاق موسكو الذي أبرم بين الروس والأتراك في مارس 2020، لنزع فتيل صدام كان من شأنه خلط أوراق الأوضاع في الشمال الغربي من سورية. وقضمت قوات النظام ومليشيات إيرانية وحزب الله في الربع الأول من ذلك العام، وتحت غطاء ناري روسي، مناطق واسعة من أرياف إدلب وحلب، بعدما كانت انتزعت ريف حماة الشمالي أواخر عام 2019 من فصائل المعارضة السورية التي خسرت ريف حماة الشمالي، وريفي حلب الجنوبي والغربي، وجانباً كبيراً من ريفي إدلب الجنوبي والشرقي، بما فيه مدن كبيرة مثل معرة النعمان وسراقب وخان شيخون. واستغل الجانب التركي اتفاق موسكو لتعزيز وجوده العسكري في عموم محافظة إدلب، حيث نشر آلاف الجنود وأنشأ قواعد في المحافظة، وهو ما شكّل حائطاً دفاعياً على خطوط التماس بين فصائل المعارضة السورية وقوات النظام. ومن غير الواضح بعد موقف أنقرة من أي عمل عسكري ضد قوات النظام في شمال غربي سورية، في ظلّ تقارب مع النظام يبدو أنه يشهد تعثراً بسبب عدم التفاهم حول العديد من الملفات، فضلاً عن الأوضاع التي تشهدها المنطقة.

فراس رضوان أوغلود: تركيا لا تريد الحرب ولا تريد من الفصائل شنّ هجوم على قوات النظام

تحذيرات روسية لـ"هيئة تحرير الشام"

ورأى المحلل السياسي التركي فراس رضوان أوغلو، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "تركيا لا تريد الحرب ولا تريد من الفصائل شنّ هجوم على قوات النظام"، مضيفاً أن "الحديث عن عملية عسكرية يخدم تركيا لجهة الضغط السياسي والإعلامي على النظام ليتحرك بشكل إيجابي على صعيد التقارب مع أنقرة". ويعد الجانب الروسي حجر عثرة كبيرا أمام فصائل المعارضة السورية وهيئة تحرير الشام في حال حسم قرارها بشنّ عمل عسكري واسع النطاق ينسف كل التفاهمات حول الشمال الغربي من سورية، وخصوصاً تلك التي جاءت ضمن مسار أستانة، فضلاً عن التفاهمات الثنائية ما بين أنقرة وموسكو. ولم تنقطع في الآونة الأخيرة تحذيرات موسكو لـ"هيئة تحرير الشام" في الشمال الغربي من سورية، في رسالة واضحة أنها لن تقف متفرجة في حال قرّرت الهيئة الإخلال بموازين السيطرة الموجودة اليوم.

وزعم وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، يوم الجمعة الماضي، أن النظام الأوكراني يقوم بتدريب عناصر من "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) العاملة في منطقة إدلب، شمال غرب سورية، بالتنسيق مع الولايات المتحدة الأميركية. والثلاثاء الماضي، زعمت الاستخبارات الخارجية الروسية، أن استخبارات عدد من دول حلف شمال الأطلسي (ناتو) وأوكرانيا، تعمل في الوقت الراهن جنباً إلى جنب مع ما سمتها بـ"الجماعات الإرهابية"، في محافظة إدلب شمال غربي سورية. ورأى الباحث السياسي المواكب للمشهد الفصائلي في سورية، وائل علوان، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "ما أوقف المعارك والصراع العسكري هو التفاهمات السياسية وليس القدرات العسكرية للنظام أو فصائل المعارضة السورية"، مضيفاً أن "هذه التفاهمات موقعة بين موسكو وأنقرة منذ آذار 2020، والحاجة إليها لا تزال موجودة". وتابع: "ولكن المشهد السوري ربما يتغير، هناك دائماً احتمالات أن يتغير بسبب التغيرات في المشهدين الإقليمي والدولي". وقال: "إذا لم يحدث تبدل في التوازنات الإقليمية في المنطقة ككل، فلن يكون هناك أي تغيير في خرائط السيطرة في سورية".  

غازي دحمان: تقدير فصائل المعارضة ينطوي على خطأ فادح، فتوازن القوى لا يزال لمصلحة النظام

من جهته، أشار المحلل السياسي غازي دحمان، إلى أن توقيت مثل هذه المعركة غير مناسب لأسباب عدة، فضلاً عن عدم وضوح أهدافها. وأضاف في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه يسود اعتقاد لدى "هيئة تحرير الشام"، أن الأوضاع في الشمال السوري، أمام فرصة لتغيير التوازنات بعد سحب حزب الله للعديد من عناصره من سورية، وأن المليشيات الإيرانية التي حضرت لسدّ الفراغ غير مؤهلة قتالياً. أما السبب الثاني، برأيه، فهو الاعتقاد بأن النظام السوري سيكون منشغلاً على جبهة الجنوب (الجولان المحتل)، تحسباً لخرق اسرائيلي محتمل من الجولان باتجاه البقاع الغربي لقطع طرق إمداد حزب الله، والسبب الثالث هو توقع انصراف جزء من الأصول الاستراتيجية الروسية لمراقبة الأوضاع في جنوب سورية. ورأى دحمان أن هذا التقدير ينطوي على خطأ فادح، فتوازن القوى لا يزال لمصلحة النظام، كما أن الجانب التركي الذي يمثل قوة وازنة عبر ما يقدمه من غطاء جوي وضمانة، لن يكون فاعلاً، وربما ينتهز الفرصة للتخلص من بعض القوى المعارضة لخيار التطبيع مع النظام الذي بات أولوية استراتيجية لتركيا. 

المساهمون