ترامب والأمم المتحدة... أي سنين عجاف منتظرة؟

10 نوفمبر 2024
ترامب وغوتيريس في الأمم المتحدة، 23 سبتمبر 2019 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- شهدت فترة حكم دونالد ترامب توتراً مع الأمم المتحدة، حيث انسحب من اتفاقيات ومنظمات دولية وأوقف تمويل مؤسسات أممية، مما أثر سلباً على العلاقات.
- حاولت إدارة جو بايدن إصلاح العلاقات مع الأمم المتحدة بالعودة إلى بعض الاتفاقيات واستئناف التمويل، لكن التوترات استمرت في بعض القضايا مثل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
- من المتوقع استمرار التوترات في المستقبل مع إدارة ترامب الثانية، مما يثير القلق بشأن التمويل الأممي وزيادة التوترات الدولية، خاصة مع الصين.

كان الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، من أول مهنئي الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب بفوزه الثاني بسباق الرئاسة. وكان غوتيريس قد تولى رسمياً منصبه أميناً عاماً للأمم المتحدة عام 2017 مع تولي ترامب لمنصبه رئيساً للولايات المتحدة لأول مرة، حيث عرفت العلاقة بين ترامب والأمم المتحدة خلال تلك الفترة تحديات شديدة وهجوماً شرساً شنّه ترامب على العديد من مؤسسات الأمم المتحدة.

ويبدو أن الحظ السيئ يلاحق غوتيريس، فهو سينهي ولايته الثانية والأخيرة أميناً عاماً للأمم المتحدة بعد سنتين (نهاية 2026)، أي في منتصف الولاية الثانية لترامب. ولم تكن العلاقة بين أميركا والأمم المتحدة، خلال السنوات الأربع الماضية، أي في أثناء حكم الرئيس جو بايدن، جيدة، خصوصاً بعد حرب الإبادة على غزة، إلا أن العلاقة بين ترامب والأمم المتحدة في السنوات الأربع المقبلة، لا شك ستقضّ مضجع الكثيرين في المنظمة الأممية ورأس الهرم غوتيريس.

في مقابلة مع "العربي الجديد" في نيويورك حول العلاقة بين ترامب والأمم المتحدة قال ريتشارد غوان، مسؤول قضايا الأمم المتحدة في منظمة "مجموعة الأزمات الدولية"، وهي منظمة غير ربحية وغير حكومية: "يمكننا أن نفترض أنه سينسحب من العديد من اتفاقيات الأمم المتحدة والمنظمات التي قاطعها خلال فترة ولايته الأولى، كاتفاقية باريس للمناخ على سبيل المثال، ونتوقع أنه سيقاطع مجلس حقوق الإنسان وغيرهما".

توتر العلاقة بين ترامب والأمم المتحدة

كانت علاقة ترامب والأمم المتحدة خلال فترة حكمه الأولى متوترة جداً

كانت علاقة ترامب والأمم المتحدة خلال فترة حكمه الأولى متوترة جداً، إذ انسحب من اتفاقية باريس للمناخ، ومن الاتفاق النووي الإيراني، وتقدم في يوليو/تموز 2020 بطلب الانسحاب من منظمة الصحة العالمية، ولم ينضم آنذاك إلى مبادرة "كوفاكس" (المعنيّة باللقاحات للوقاية من كوفيد-19) برعاية منظمة الصحة العالمية. كذلك انسحب من منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم الثقافية "يونيسكو"، وأوقف تمويل صندوق الأمم المتحدة للسكان، وفرض عقوبات على أعضاء في المحكمة الجنائية الدولية، وانسحب من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، ولم ينضم إلى الاتفاقية العالمية بشأن الهجرة، ولم يدفع جميع مستحقات قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، وأوقف تمويل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، وغيرها.

هل أصلح بايدن ما أفسده ترامب؟

فيما كانت العلاقة بين ترامب والأمم المتحدة متوترة خلال ولايته، عاد بايدن، في المقابل، إلى بعض الاتفاقيات والمؤسسات الأممية التي انسحب منها ترامب، بما فيها اتفاقية باريس للمناخ، لكن المفاوضات حول العودة الأميركية إلى الاتفاق النووي الإيراني بقيت في مهب الريح. ولم تنسحب الولايات المتحدة من منظمة الصحة العالمية، كما أراد ترامب، حيث كان من المفترض أن يدخل طلب الانسحاب حيز التنفيذ بعد سنة من تقديم الطلب (يوليو 2021)، لكن إدارة بايدن تراجعت عن ذلك. وعادت الولايات المتحدة للانضمام إلى "يونيسكو" هذا العام فقط، بعدما كانت قد قدمت طلب الانسحاب تحت إدارة ترامب نهاية 2017 ودخل حيز التنفيذ بعدها بعام. واللافت للانتباه، وإن كان غير مستغرب، أن بايدن لم يعد إلى المنظمة مباشرة مع تسلمه الحكم، بل انتظرت إدارته أكثر من ثلاثة أعوام لتقديم طلب الانضمام مجدداً إلى "يونيسكو".

ولم تكن إدارة ترامب وحدها التي انسحبت من "يونيسكو" تحت ادعاءات مختلفة، من ضمنها "معاداة" إسرائيل، فقد انسحبت واشنطن من عضوية "يونيسكو" زمن إدارة رونالد ريغان في عام 1984، لأن سياسة المنظمة الدولية لم ترُقها، واستمرت المقاطعة لعشرين سنة قبل أن تعود للانضمام إلى المنظمة، خلال حقبة جورج بوش الابن في عام 2003. لكنها عادت وحاربتها وأوقفت التمويل عنها تحت إدارة الرئيس باراك أوباما، مع إسرائيل، في عام 2011 بعد تصويت المنظمة لصالح قبول فلسطين عضوة فيها. وعللت إدارة أوباما تلك الخطوة بأنها تأتي ضمن قانون سنته الولايات المتحدة في 1990 يشمل قطع الدعم عن أي منظمة أممية تمنح منظمة التحرير الفلسطينية مكانة أو عضوية لها الحقوق نفسها للدول.

وأعادت إدارة بايدن تمويلها لصندوق الأمم المتحدة للسكان الذي أوقف ترامب تمويله، كما فعلت كل إدارات الحزب الجمهوري منذ عهد ريغان، حيث يوقف الرؤساء الجمهوريون التمويل للمنظمة، تحت حجج دعمها للإجهاض حول العالم، وهو غير صحيح، فيما يعيد الديمقراطيون تمويلها. ومن اللافت للانتباه أنه على الرغم من عودة إدارة بايدن إلى مجلس حقوق الإنسان في 2021، بعد انسحاب ترامب منه بحجة "معاداة" إسرائيل، إلا أنها قررت في سبتمبر/أيلول الماضي عدم الترشح لدورة ثانية لعضوية المجلس لدورته السابعة والأربعين.

وأوقفت إدارة بايدن، بالإضافة إلى العديد من الدول الغربية، تمويلها لـ"أونروا" بعد ادعاءات إسرائيلية بأن هناك أكثر من 10 أشخاص، من أصل 30 ألف موظف فلسطيني يعملون في المنظمة الدولية، بينهم 13 ألفاً في غزة، شاركوا في "طوفان الأقصى". لكن تحقيقات للأمم المتحدة ولجنة أخرى مستقلة أصدرت تقريرها في إبريل/نيسان الماضي، لم تجد أدلة، أو لم تُزوَّدها السلطات الإسرائيلية بأدلّة تدعم ادعاءاتها. وأعادت أغلبية الدول تمويلها للمنظمة باستثناء إدارة بايدن.

إضافة إلى الغطاء الدبلوماسي والعسكري الذي تقدمه الإدارة الأميركية إلى الحكومة الإسرائيلية وحربها على قطاع غزة، فإنها لم تضغط على الجانب الإسرائيلي لإحداث تغيير جذري في سياسته، واستخدام المساعدات الإنسانية لتجويع الغزيين الذين يواجهون اليوم مجاعة يتوقع أن تنتشر في شمال القطاع، وقد تكون قد بدأت بالفعل بحسب تقرير دولي صدر الجمعة الماضي حول الموضوع. كذلك لم تضغط إدارة بايدن على الحكومة الإسرائيلية التي سنت قانوناً أخيراً يمنع عمليات "أونروا" في فلسطين.

فلسطين والأمم المتحدة والإدارة الأميركية الجديدة

من المتوقع أن تستمر إدارة ترامب في تقديم الدعم الأعمى الذي واظبت إدارة بايدن على تقديمه للحكومة الإسرائيلية والذي يتضمن المساعدات العسكرية والدبلوماسية، بل ستكثفه. وقال غوان، في هذا السياق: "يمكننا أن نفترض أن إسرائيل ستمضي قدماً في خططها لإنهاء عمليات أونروا في الضفة الغربية وغزة... هناك قلق من أن هذه الخطوة ما هي إلا مقدمة لخطوة تالية، وقد تكون ضماً جزئياً أو كلياً من قبل إسرائيل لأجزاء من الضفة الغربية. وإن حدث هذا، فأتوقع أن تدافع إدارة ترامب عن إسرائيل في الأمم المتحدة وحقها في ذلك". وأضاف: "قد تكون هناك عوامل أخرى، مثل الرغبة في بناء علاقات مع السعودية، التي قد تؤثر بعملية صنع القرار في إسرائيل".

التمويل يقلق الأمم المتحدة

على الرغم من أهمية انضمام أميركا إلى هذه المنظمة الأممية أو تلك، على صعد عدة، فإن واشنطن تخسر كذلك عندما تنسحب من تلك المنظمات من حيث النفوذ داخلها وبلورة سياساتها. لكن الهم الأكبر الذي يواجه المنظمة الأممية ويقلقها، بحسب غوان، هو التمويل. وقال: "أعتقد أن ما يقلق مسؤولي الأمم المتحدة حقاً، هو التمويل للعديد من مؤسسات الأمم المتحدة، لأنها ستحتاج إلى أن يزيد مانحون آخرون من مساهماتهم، بما في ذلك الصين وأوروبا، لمحاولة سد الفجوة المالية الكبيرة التي ستخلفها الولايات المتحدة".

ريتشارد غوان: أعتقد أن ما يقلق مسؤولي الأمم المتحدة هو التمويل للعديد من مؤسسات الأمم المتحدة

وحول ما إذا كانت الصين ستستغل فرصة الخلافات بين ترامب والأمم المتحدة لزيادة نفوذها داخل المنظمة الأممية، كما حدث خلال فترة ترامب الأولى عندما خفض التمويل وانسحب من العديد من المؤسسات داخلها، قال غوان: "أتوقع أن يحدث هذا هذه المرة كذلك، حيث حاولت الصين آنذاك تقديم نفسها باعتبارها قيادة جديدة للتعددية الدولية. ولكن، كما حدث آنذاك، أعتقد أن إدارة ترامب القادمة ستعطي الأولوية للحد من النفوذ الصيني في الأمم المتحدة، وهذا أمر يتفق عليها الحزبان (الجمهوري والديمقراطي). لذا، أتوقع أن تتزايد التوترات بين الصين والولايات المتحدة حول نظام الأمم المتحدة، على الرغم من أنها متوترة أصلاً".

وقد يأمل غوتيريس أن تقوم الدول الأوروبية بسد بعض الفجوات المالية التي قد يخلفها انسحاب إدارة ترامب من تمويل بعض المؤسسات الأممية، أسوة بما حدث خلال فترته الأولى. لكن الأوضاع على الساحة الدولية تغيرت كثيراً منذ ذلك الحين كذلك، حيث تركز الكثير منها على تمويل أوكرانيا ودعمها عسكرياً. ولفت غوان إلى "أن التركيز في أوروبا اليوم لا ينصبّ على حماية الأمم المتحدة وتمويل مؤسساتها، بل على حماية حلف شمال الأطلسي (ناتو). ولاحظنا أفواجاً من (القادة) الأوروبيين الذين رحبوا بشكل غير عادي بترامب في الساعات الـ48 الأولى لإعلان انتخابه. أتوقع أن يحاول الأوروبيون بذل جهدهم لدعم الأمم المتحدة والفجوات التي سيخلفها ترامب. ولكنني أتساءل عن حجم الموارد المالية والإرادة السياسية التي يستطيع الأوروبيون تخصيصها للدفاع عن الأمم المتحدة".

أوكرانيا وكوريا الشمالية وإيران

كان ترامب قد أعلن في أكثر من مناسبة عدم رغبته في استمرار الحرب في أوكرانيا. ومن المتوقع أن يزيد انتخابه من احتمال التوصل إلى اتفاقية لوقف إطلاق النار خلال العام القادم، ما قد يخفض من التوترات بين روسيا والولايات المتحدة في مجلس الأمن، الذي قد يصدّق، في حال التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، على ذلك من طريق قرار، أسوة بما حدث في ما يخص اتفاقية مينسك الثانية (وُقِّعَت في عام 2015).

وتبقى هناك ملفات إضافية تتعلق بكوريا الشمالية وإيران، لكن من غير الواضح ما إذا كانت سياسات ترامب ستختلف فيها عن السابق. وأشار غوان، في هذا السياق، إلى محاولات ترامب خلال فترة حكمه الأولى لتضييق الخناق والضغط على كوريا الشمالية من خلال زيادة عقوبات الأمم المتحدة من ناحية، وإقامة علاقات شخصية مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون من ناحية ثانية. ولاحظ غوان أن روسيا عملت على حماية كوريا الشمالية بشكل "متزايد في مجلس الأمن، ورأينا كذلك أن الكوريين الشماليين لم يقاتلوا الأوكرانيين". وأضاف: "أعتقد أن هذه في الواقع نقطة اشتعال حقيقية محتملة في آسيا، وإلى حد ما في الأمم المتحدة". ومن المتوقع أن تركز إدارة ترامب، كما في ولايتها السابقة، على إيران وتحاول إعادة فرض العقوبات عليها، ما يهدد بزيادة الفجوات بين الولايات المتحدة والصين وروسيا.

المساهمون