اندلعت الحرب في أوروبا، ودخلت القوات العسكرية الروسية إلى أوكرانيا، في 24 من فبراير/شباط الماضي، وأصبح التفكير في السياسة الدفاعية بفعل التهديدات التي تتعرض لها القارة الأوروبية أكثر أهمية من أي وقت مضى، وبعد أن تسلل الضعف والوهن إلى صفوف الجيوش الأوروبية، وتراجعت ميزانيات الدفاع، وتركز الدعم على تمويل تنويع الاقتصاد والطاقة البديلة والتكنولوجيا الحديثة وصناعة المعرفة. فما الذي يتطلبه الأمر لتحسين الوضع الأمني للدفاع عن أوروبا؟
سيناريوهات الانحدار الأمني
أمام هذا الواقع، أبرزت صحيفة "نويه تسوريشه تسايتونغ" السويسرية، اليوم السبت، أنه مع الانحدار في مستوى القدرات العسكرية، ومفاجأة روسيا للغرب عسكرياً بعد مناوراتها السياسية، هناك مخاوف من أن يخسر حلف شمال الأطلسي دول البلطيق لمصلحة موسكو، في وقت يبدو فيه الغرب منهكاً استراتيجياً للغاية، بسبب التحديات العسكرية في منطقة المحيط الهادئ والهندي، والشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأوروبا.
وفي ضوء ما تقدم، أبرزت الصحيفة السويسرية عن ثلاثة خبراء عسكريين وجنرالات سابقين، هم القائد العام السابق للجيش الأميركي في أوروبا من 2014 حتى 2017 فريدريك بن هودغز، وجون آر الين من سلاح مشاة البحرية الأميركية، والقائد السابق للقوة الأمنية الدولية بقيادة الناتو في أفغانستان، ومدير معهد ستيت كرافت في لندن جوليان ليندلي فرانش، سيناريوهات محتملة لتوضيح الانحدار الأوروبي وقراءة الحالة الراهنة لهندسة الأمن الغربي.
وبحسب الثلاثة، فإن السيناريو الأول مأساوي يعيشه الأوروبيون بأسرهم، وقارتهم تتجه إلى الهاوية، والدفاع عنها أمر صعب.
أما السيناريو المستقبلي، فإن دورهم للدفاع عن أنفسهم يعتمد على الجهود الجماعية التي تكون فيها الشركات المؤسسية في المقدمة، وقبل كل شيء بين الناتو والاتحاد الأوروبي مع الأهداف المشتركة: المشاورات السياسية الفعالة، والتخطيط المنسق، والاستخدام الفعال للموارد، وتقليل الازدواجية وزيادة الفعالية من حيث التكلفة في تطوير القدرات العسكرية، بحسب الخبراء.
ووفقاً للخبراء العسكريين، يظل حلف الناتو "الأداة الجادة الوحيدة" عندما يتعلق الأمر بقدرة الردع الأوروبية في فسيفساء الحروب الهجينة والإلكترونية والحروب المفرطة.
وبحسبهم، فإنه على الرغم من أن الأغلبية تنظر إلى الناتو كحلف تقوده الولايات المتحدة، إلا أن الواقع هو أنه بالدرجة الأولى مؤسسة أوروبية، ولو كان الدفاع عن أوروبا مضموناً من قبل الأميركيين.
وانطلاقاً من هذه الرؤية، يقول الخبراء إنه "إذا ما تبنى المرء هذا المنظور، فإن النتيجة المستخلصة منه لا تبدو كمطلب صاغته الولايات المتحدة لعقود، بل نداء من جانب الأوروبيين لأنفسهم، لمواجهة التحديات الهائلة، ليس فقط مستقبلاً، بل على المدى القريب".
مفهوم استراتيجي جديد
إلى ذلك، وحتى يتمكن الناتو من التكيف، يجب - بحسب الخبراء - أن يتغير بشكل أسرع بكثير مما فعل حتى الآن، وللقيام بذلك يجب على الأوروبيين زيادة مساهمتهم بشكل كبير في التحالف عبر الأطلسي.
ووفقاً لذلك، لفت الخبراء الثلاثة إلى أن المفهوم الاستراتيجي الجديد الذي سيُعتمَد في قمة الناتو المقبلة في مدريد خلال شهر يونيو/حزيران، يجب أن تعكس الحاجة إلى مشاركة أفضل للأعباء عبر المحيط الأطلسي ومساهمة أكبر بكثير من الأوروبيين.
وفي ما يعني ذلك في الممارسة العملية، يعترف الخبراء بأن هناك حاجة إلى مفهوم جديد لعموم أوروبا، وأن يكون مناسباً لممارسة الضغط ظاهرياً، ليس فقط في مجالات السياسة والدبلوماسية والاقتصاد، ولكن أيضاً في المجالات العسكرية للقرن الحادي والعشرين في الأرض والبحر والجو، إلى الأمن السيبراني والمعلومات والمعرفة، على أن تستمر القوات المسلحة النووية في تشكيل "آخر معقل" لحلفاء الردع والدفاع.
ويضيف الخبراء بالقول: "لكن في الوقت نفسه، يجب أن ينتج المفهوم الجديد تحالفاً مدروساً بشكل أفضل وأكثر تعاوناً، وبأن تكون هذه القوة أيضاً قادرة على الجمع بين استخدام العمليات السيبرانية الهجومية مع قوات مسلحة تقليدية أقوى وأكثر قدرة على الحركة، وإتقان أشكال أخرى من استراتيجيات الدفاع والردع التقليدية"، ولكن المحدثة، جنباً إلى جنب مع هياكل قيادة أكثر إحكاماً.
ويخلص الخبراء إلى أنه يجب على الأوروبيين الإجابة عن السؤال الوحيد الذي كانوا يتجنبونه منذ نهاية الحرب الباردة، ليس ما مقدار الدفاع الذي يمكن أن تتحمله أوروبا، بل ما المطلوب للدفاع عن أوروبا، وأمام ذلك يترتب على أوروبا أن تتعلم "التفكير بشكل شامل"، أي على نطاق أوسع من الحرب التي أصبحت واقعاً في يومنا هذا.