هل ينجح سعيّد في "محو" الأحزاب التونسية؟

25 اغسطس 2022
مشروع سعيّد يهدف إلى إنهاء الأحزاب (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

يتّجه الرئيس التونسي قيس سعيّد، إلى الانتخابات التشريعية في 17 ديسمبر/كانون الأول المقبل، وبينما يفرض نقاشاً جديداً حول القانون الانتخابي، بعد جدل الاستفتاء على الدستور في 25 يوليو/تموز الماضي، يقفز من مرحلة إلى أخرى مع فرض واقعه على الجميع في الداخل والخارج.

يتساءل المتابعون عن الجدوى من القانون الانتخابي، سواء وضعه سعيّد بمفرده، كما حصل في الدستور، أو تشاركياً كما يطالب البعض، في ظل دستور نفى أي سلطة لأي جهة، عدا سلطة الرئيس، بينما يرى كثيرون أنه سيقضي على أي جهة رقابية، مُطلِقاً بداية مرحلة "قتل الأحزاب".

ويمضي سعيّد في مشروعه كما عبّر عنه بكل وضوح حتى قبل أن يترشح للرئاسة عام 2019: "انتهى عصر الأحزاب".

وتطرح اليوم أسئلة واقعية كان يعتقد أنها من قبيل الرياضة الذهنية قبل فترة، هل يقود تحجيم الأحزاب وحرمانها دورها الأساسي إلى محوها؟ وفق الدستور التونسي الجديد، حتى لو شاركت الأحزاب في الانتخابات التشريعية المقبلة، وبالقانون الانتخابي الذي تريد، ودخلت برلماناً محدود الصلاحيات، يُطرَح سؤال جدي عن دورها في الواقع، بينما الرئيس هو الذي يعين الحكومة والمسؤولين في الدولة، وما الذي يستفيده الناخب من أحزاب لا تحكم؟ أليس هذا مقدمة لإقصائها وتفتيتها تلقائياً من المشهد كما بشّر سعيّد قبل الانتخابات؟

انتهى عهد الأحزاب

وبالعودة إلى تصريحات سعيّد قبل الانتخابات 2019، حيث أكد أنّ "الديمقراطية النيابية في الدول الغربية نفسها أفلست وانتهى عهدها". وأوضح قائلاً: "انتهى عهد الأحزاب. الشعب صار ينتظم بطريقة جديدة، انظروا ماذا يحدث في فرنسا بالسترات الصفراء وفي الجزائر والسودان. الأحزاب مآلها الاندثار، مرحلة وانتهت في التاريخ".

وأردف سعيّد، حينها، في حوار مع صحيفة "الشارع المغاربي"، قائلاً: "الأحزاب ماذا تعني؟ جاءت في وقت معين من تاريخ البشرية، بلغت أوجها في القرن الـ19 ثم في القرن الـ20 ثم صارت بعد الثورة التي وصلت على مستوى وسائل التواصل والتكنولوجيات الحديثة أحزاباً على هامش الدنيا في حالة احتضار. ربما يطول الاحتضار، لكن بالتأكيد بعد سنوات قليلة سينتهي دورها".

وفي الإجابة عن سؤال، هل سيكون إلغاء الأحزاب من بين إصلاحاتك السياسية؟ يجيب سعيّد: "لا لن ألغيها. التعددية ستبقى قائمة إلى أن تندثر وحدها".

اغتيال مضاعف

ورأى أستاذ القانون الدستوري ورئيس الجمعية العربية للعلوم السياسية والقانونية، شاكر الحوكي، في حديث لـ"العربي الجديد"، اليوم الخميس، أنّ "الأحزاب تعاني من اغتيال مضاعف، أولاً بحكم سوء إدارتها لتجربة الانتقال الديمقراطي، سواء بالنسبة إلى الأحزاب التي كانت في الحكم أو في المعارضة، أو حتى التي كانت بين بين، ومن ناحية أخرى قضية الأحزاب في العالم ككل تشهد تراجعاً".

وأضاف: "التجربة التونسية كما يراها باحثون ظهرت في خريف تجربة وإشعاع الأحزاب السياسية، التي كانت قوية في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي".

وأوضح أنه "كانت الأحزاب تعيش عصرها الذهبي، ولكنها اليوم بدأت تتراجع وتدخل في مغامرة جديدة من البحث عن الذات، ولعل بروز حزب كحزب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (الجمهورية إلى الأمام!)، وليد التجربة ولا يقارن بأحزاب فرنسية كبرى، يؤشر كمثال على هذا الواقع الجديد، وهو حزب هجين أخذ من اليمين ومن اليسار وادعى أنه حزب وسطي".

ولفت أستاذ القانون الدستوري ورئيس الجمعية العربية للعلوم السياسية والقانونية إلى أنّ "الأحزاب تعاني في العالم ككل، ومن سوء حظ التجربة التونسية أنها ظهرت في لحظة تراجع الأحزاب في العالم وتعيش أزمة وجودية تتعلق بشرعية الأحزاب". 

وأضاف الحوكي: "هناك مشكل هيكلي بالنسبة إلى الأحزاب وتكوينها، وظهور الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب جاء انعكاساً لحالة حزبية عاجزة ولحالة مرضية للأحزاب في الولايات الأميركية أيضاً".

وأوضح أنّ "ترامب كان يقول بوفاة الأحزاب، وما حصل لاحقاً أنّ الحزب الجمهوري احتضن أفكاره ودعّمه، والدور ذاته تقريباً حاولت بعض الأحزاب في تونس القيام به مثل حركة الشعب وتونس للأمام التي لعبت محاولة التفاف واحتضان لقيس سعيّد".

دستور تونسي الجديد

وتابع: "الأحزاب في تونس لم تقنع الشعب، ولم يكن لها إشعاع كافٍ لاستقطاب الجماهير. وانظر إلى وجوه المتظاهرين في حزبي النهضة والدستوري الحر، وهما أكبر حزبين في تونس، وسترى أن أغلبهم من الجيل القديم، من سن الخمسين فما فوق، أغلبهم يدينون بالولاء الروحي لأحزابهم. وبالتالي هذه الأحزاب لم تستقطب الشباب ولم تقدم قيادات جديدة".

وبيّن أنّ "الاغتيال الثالث للأحزاب مفتعل من قبل سعيّد، فقد كان واضحاً منذ البداية ويؤكد نهاية الأحزاب، وهو لا يؤمن بالوسائط، والدولة الشعبوية تؤمن بالتواصل المباشر بين الدولة والشعب دون الحاجة إلى نخب وأحزاب، وهذه فكرة قيس. ومن هنا يعتبر أنّ الأحزاب انتهت وهو لا يستثني أي حزب مهما كان، مؤيداً أو معارضاً له، هذا مشكل حركة الشعب مثلاً".

وأبرز أنّ "هذا الاغتيال إذن اشتغل عليه سعيّد وليس عفوياً، وهو يبحث عن حياة سياسية خالية من الأحزاب"، مبيناً أن "سعيّد سيفتعل كل الحيل في القانون الانتخابي، وسيترك بعض المرونة إذا اقتضى الأمر ذلك، وسيترك لهم المشاركة بشكل أو آخر، أي المزج بين الاقتراع على الأفراد وعلى القائمات، ولكن، حتى لو سمح بذلك لن يكون لديهم أي دور في رسم الحياة السياسية مستقبلاً".

من جهة ثانية، أشار إلى أن "البعض يرفض المقاطعة، ويرى أنه لا بد من المشاركة ثم التغيير، ولكن سعيّد يعد لقانون يجعل تحركات الأحزاب شبه معدومة، ولن يكون لها أي تأثير في تشكيل الحكومة، ويؤسس لحياة سياسية معدومة يمتلك فيها زمام الأمور وحده، ويمتلك فيها سلطة ترتيبية ويضع ما يشاء من قوانين وحكومات، وبالتالي لن يكون هناك أي دور للأحزاب، والسلطة العليا المطلقة لا يحاسبها أحد".

الأحزاب باقية

لكن الوزير الأسبق ورئيس المعهد العربي للديمقراطية، خالد شوكات، لا يعتقد أنّ الأحزاب في تونس، أو في غيرها يمكن أن تُمحى، موضحاً أنّ "التنظيمات السياسية ظهرت في أوج الأنظمة الفردية التسلطية، ورغم الحالة القمعية التي سادت لعقود قبل الثورة عام 2011، فإنّ الأحزاب قاومت واستمرت، معبّرة عن التعددية الفكرية والسياسية التي تميّز المجتمع ولا يمكن تجاوزها بأي حال".

وقال شوكات في حديث لـ"العربي الجديد": "واهم من يظن أنّ الظاهرة الحزبية في طريقها إلى الزوال، وأن نظام الرجل الواحد يملك أسباب الاستمرار والديمومة".

وأضاف شوكات أنّ "في المجتمعات الديمقراطية، تعتبر الأحزاب على تنوعها وسائل بيد الدولة لتأطير المواطنين وتوعيتهم وتعبئتهم، فضلاً عن مسؤوليتها -أي الاحزاب- في إنتاج الفكر الوطني، ودون ذلك يخلق الفراغ وتضعف التربية الوطنية، وقد تدفع البلاد نحو المجهول، واعتماد الرئيس مثلاً على المؤسسة العسكرية والأمنية دون الأحزاب السياسية هو مغامرة ستقود غالباً إلى أوخم العواقب".

وذكّر بأنّ "الأحزاب الديمقراطية التونسية عبّرت جميعها عن رفضها القاطع لدستور كتبه شخص واحد وفرضه بقوة الأجهزة الصلبة على البلاد"، معرباً عن اعتقاده أنّ "هذه الأحزاب ستستمر في مقاومتها السياسية ومقاطعتها لدستور يجعل من الرئيس سلطة فوق دستورية دون رقيب أو حسيب".

واستدرك قائلاً: "أما من سيقرر الانخراط في منظومة سياسية غير شرعية، فليتحمل مسؤوليته أمام الشعب والتاريخ، ومن يرد أن يلعب دور الكومبارس في الانتخابات البرلمانية، فله ذلك، وسيسجل في لائحة الانقلاب".

وعن دورها الممكن مستقبلاً، قال شوكات إن "الأحزاب الديمقراطية ستظل في قلب المشهد، باعتبارها جبهة سياسية لمعارضة الانقلاب، ولن تعترف بدستوره ولا بمؤسساته، وهي على يقين من فشل سعيّد في معالجة قضايا البلاد الحقيقية وعجزه عن معالجة أي منها، فضلاً عن إحراز أي تقدم على صعيد التنمية، بل سيعمقها كما يلاحظ الآن في نقص المحروقات والكثير من المواد الأساسية".

وأردف في هذا السياق: "لا أظن أنّ نظام سعيّد الذي تسرّبت إليه العديد من الأخطاء، وكذلك الدستور الذي شرّع له، قابل للعيش، لاعتبارات عدة، من بينها توحيده لجميع الأحزاب ذات المصداقية ضده، فضلاً عن المشاكل الأخرى التي ستظهر عندما سيحاول تنزيل قواعد دستوره إلى أرض الواقع".

ولفت إلى ضرورة أن "هذا حديث يجب أن لا يحجب واجب الأحزاب على نفسها في مراجعة أخطائها ومحاولة إعادة بناء نفسها على قاعدة هذه القراءة النقدية"، مرجحاً أن "جيلاً جديداً من الأحزاب سيظهر خلال السنوات المقبلة، وسيستفيد من دروس السنوات العشر الماضية وسيفتح آفاقاً جديدة للعمل السياسي".

ومن المقرر إجراء انتخابات مبكرة في 17 ديسمبر/كانون الأول المقبل ضمن إجراءات استثنائية بدأ سعيّد فرضها في 25 يوليو/تموز 2021، وشملت أيضاً إقالة الحكومة وتعيين أخرى وحل مجلس القضاء والبرلمان وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية وتمرير دستور جديد للبلاد في 25 يوليو الماضي.

المساهمون