يتجه السودان، إلى إعادة النظر في قانون مقاطعة إسرائيل لتمرير صفقة التطبيع، وذلك بعد اقترابه من تبادل السفارات مع تل أبيب، حسب تسريبات رشحت من زيارة وزير الاستخبارات الإسرائيلي، ايلي كوهين، للخرطوم أمس الإثنين.
وبدأت خطوة دراسة القانون من جديد، داخل وزارة العدل، التي يدور فيها نقاش حول خيارين، الأول هو إجراء تعديلات على التشريع، والثاني إلغاؤه بالكامل، والرأي الأرجح، حتى الآن، إلغاء القانون كلياً، على أن تترك المواقف الدبلوماسية بالتطبيع أو المقاطعة لتقديرات الدول السياسية، دون تقييدها بنصوص قانونية، على أن يودع مشروع الإلغاء في دورة الانعقاد الأولى للمجلس التشريعي، المنتظر تكوينه خلال الأيام المقبلة، من تحالف الحرية والتغيير وحركات الكفاح المسلح وآخرين يرشحهم المكون العسكري.
وسبق أن هددت أحزاب سياسية مناوئة للتطبيع، مثل حزب الأمة القومي، بتحريك إجراءات قانونية ضد كل الشخصيات السياسية التي تواصلت مع إسرائيل، بمن فيهم رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان الذي دشن لعملية التطبيع بلقاء جمعه برئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو العام الماضي، بينما طالب محامون، من مكتب الاعتصام للمحاماة والاستشارات القانونية، من النيابة العامة تقييد دعوى قضائية ضد البرهان ورفع الحصانة عنه تمهيداً لمحاكمته.
وصدر قانون مقاطعة إسرائيل في العام 1958 أثناء حكم رئيس الوزراء، عبد الله خليل الموالي لحزب الأمة القومي، وذلك في ظل تنامي تيار القومية العربية والدعم العربي للقضية الفلسطينية، وقبل أن تبرز إلى الساحة دعوات المصالحة والاعتراف.
ويتكون القانون من 7 مواد أساسية تحظر جميعها كافة أشكال التواصل مع إسرائيل، بما يشمل عقد، بالذات أو بالوساطة، اتفاق من أي نوع مع هيئات أو أشخاص مقيمين في إسرائيل، أو مع هيئات أوأشخاص يعلم أنهم ينتمون بجنسيتهم إلى إسرائيل أو يعملون لحسابها.
كما يحظر القانون التعامل مع الشركات والمنشآت الوطنية والأجنبية، التي لها مصالح أو فروع أو توكيلات عامة في إسرائيل، ومنع دخول البضائع والسلع والمنتجات الإسرائيلية وما في حكمها من السلع والمنتجات التي يعاد شحنها من إسرائيل أو التي تصدر من دولة أخرى لصالح إسرائيل، وبالمقابل، منع القانون تصدير السلع والمنتجات السودانية إلى إسرائيل والبضائع التي تدخل أراضي السودان أو تمر عبرها.
وحدد القانون عقوبات لمن يخالف تلك المحاذير بالسجن لمدة تصل إلى 10 سنوات أو بالغرامة التي تحددها المحكمة، أو بالعقوبتين معاً، إضافة لمصادرة الأشياء المضبوطة.
ومضى السودان في خطوات التطبيع مع إسرائيل بلقاء البرهان نتنياهو، والذي أعقبته اتصالات سرية وأخرى علنية أهمها بدولة الإمارات، في سبتمبر/أيلول الماضي، قبل صدور إعلان سياسي مشترك أشرف عليه الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، قبل أن توقع الخرطوم في السادس من الشهر الجاري على اتفاق إبراهام.
وتتشارك قوى سياسية حاكمة وأخرى معارضة، الاعتراض على التطبيع الذي تراه مساساً بالثوابت الوطنية والمواقف السودانية المشهودة والمساندة للقضايا العربية.
ويرى محمد وداعة، رئيس حزب البعث السوداني، أحد الأحزاب التي جمدت نشاطها في تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير، أن المجلس التشريعي الجديد يمكنه عدم المصادقة على إلغاء قانون مقاطعة إسرائيل إذا تم تكوين المجلس من قوى حقيقية وليس من أعضاء مجرد تابعين للتوجهات الحكومية الحالية، مقترحاً إحالة فكرة إلغاء القانون للاستفتاء الشعبي، مؤكداً ثقته في الشعب السوداني في رفض التطبيع جملة وتفصيلاً، خاصة وان هناك العديد من القوى السياسية والاجتماعية البعيدة عن المنظومة الحاكمة.
وأشار وداعة لـ"العربي الجديد" إلى أن الحكومة الحالية تتحرك في ملف العلاقة مع دولة الكيان الصهيوني، دون أي اكتراث لوجود القانون ومخالفة صريحة لقرار صدر في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بعدم الخوض في التطبيع وتركه للحكومة المنتخبة، لكن كل المؤسسات لم تلتزم بذلك، بما في ذلك وزارة العدل، حيث ذهب الوزير نصر الدين عبد الباري للسفارة الأميركية قبل أسابيع، للتوقيع على ما يعرف بـ"إتفاق ابراهام"، مبيناً أنه لا يُعرف حتى الآن الجهة التي فوضت الوزير للتوقيع.
وأضاف، أن زيارة وزير الاستخبارات الإسرائيلي إيلي كوهين، ومناقشته ملفات أمنية واقتصادية يؤكد على حقيقة واحدة، هى أن الحكومة تخترق قانون مقاطعة إسرائيل بواسطة مسؤوليها الذين طالب بمحاكمتهم، ويؤكد على وجود علاقات أمنية تتجاوز العلاقات الدبلوماسية، واتهم وداعة الحكومة بالاستجابة للإملاءات والوعود الإماراتية وهو ما ورط السودان في تلك الخطوات دون أن يجني سوى السراب.