هل يمكن للقمة الأفريقية في الكونغو دفع الليبيين نحو المصالحة؟

هل يمكن للقمة الأفريقية في الكونغو دفع الليبيين نحو المصالحة؟

06 فبراير 2024
رحب البيان باتفاق عقد المؤتمر الجامع للمصالحة الليبية بمدينة سرت (المجلس الرئاسي الليبي)
+ الخط -

دعت القمة الأفريقية بشأن ليبيا المنعقدة في الكونغو، أمس الاثنين، الاتحادات الإقليمية ودول الجوار الليبي إلى "التقارب والتكامل من أجل تجنّب الازدواجية في معالجة الأزمة الليبية"، دون أن تعلن إجراءات محددة في ملف المصالحة الليبية الذي ترتكز عليه المبادرة الأفريقية، في الوقت الذي لم يلقَ فيه حدث انعقاد القمة أي أصداء من جانب الأطراف الليبية المستهدفة في الأساس بمقترح المصالحة.

وترأس القمة التي انعقدت في مدينة برازفيل الرئيس الكونغولي، دينيس ساسو نغيسو، بمشاركة رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، والمبعوث الأممي إلى ليبيا عبد الله باتيلي، ونائب الأمين العام لجامعة الدول العربية عبد الحسين عزيز، ورئيس جمهورية جزر القمر عثماني غزالي، ورئيس المفوضية العليا للاتحاد الأفريقي موسى فقي، ورئيس الوزراء الجزائري نذير العرباوي، ووزير الخارجية التونسي نبيل عمار، ووزير الخارجية التشادي محمد صالح النظيف، وممثلين عن أعضاء اللجنة الأفريقية رفيعة المستوى بشأن ليبيا.

ودعا البيان الختامي للقمة إلى "ضرورة التقارب والتكامل والتنسيق في الجهود المبذولة" بشأن ليبيا لــ"تجنب الازدواجية" ولـ"وضع آلية أكثر فاعلية" لمشاركة دول الجوار الليبي في اللجنة الأفريقية رفيعة المستوى.

وفيما رحب البيان باتفاق الأطراف الليبية على عقد المؤتمر الجامع للمصالحة الوطنية في مدينة سرت الليبية، نهاية إبريل/ نيسان المقبل، دعا الأطراف الخارجية إلى "التوقف عن التدخل في الشأن الليبي الداخلي".

وطغى على كلمة المنفي طابع العمومية واستعراض جهود المجلس الرئاسي في ملف المصالحة بين الليبيين، وأهمية المصالحة في اتخاذ "إجراءات بنّاءة لإقامة العدل والمساواة وتكافؤ الفرص أمام كل ليبي وليبية، وتمكين الليبيين من المشاركة السياسية عبر انتخابات برلمانية ورئاسية لا إقصاء فيها، وإشراك أصحاب المصالحة، وإرادة سياسية وقيادة مشتركة، وبناء الثقة والمساءلة والشفافية، فضلاً عن التوزيع والاستثمار العادل للموارد"، وأن كل ذلك "سيعزز من فرص إجراء الانتخابات الشاملة القبول بنتائجها".

ومنذ ما يزيد على عامين، ينسّق نغيسو مع المجلس الرئاسي الليبي بشأن ضرورة تفعيل مسار المصالحة الوطنية، حيث يطمح الاتحاد الأفريقي إلى أن تؤسس المصالحة الوطنية أرضية يمكن البناء عليها لعملية سياسية شاملة، من خلال تمثيل ليبي واسع يضم جميع الأطياف الاجتماعية والسياسية الفاعلة.

وفي يوليو/تموز الماضي، استضافت العاصمة الكونغولية اجتماعاً للجنة التحضيرية للمؤتمر الجامع للمصالحة في ليبيا، بمشاركة ليبية وإقليمية، قبل أن تنتقل أعمال اللجنة التحضيرية إلى الداخل الليبي لعقد عدة اجتماعات بإشراف المجلس الرئاسي ورعايته، وكان آخر اجتماع في مدينة سبها جنوبيّ البلاد منتصف ديسمبر/كانون الأول الماضي، حُدد خلاله يوم 24 إبريل/نيسان المقبل موعداً لانعقاد المؤتمر الجامع للمصالحة الوطنية بمدينة سرت، واجتماع آخر بمشاركة وزير الخارجية الكونغولي جان كلود جاكوسو، والمبعوث الأممي لدى ليبيا عبد الله باتيلي، في مدينة زوارة غربيّ البلاد، الاثنين الماضي.

ولم يصدر عن الأطراف الليبية، سواء السياسية أو القوى الاجتماعية والمدنية، أي تعليق على القمة وبيانها الختامي، بمن فيهم المجلس الرئاسي الذي اكتفى بنشر نص كلمة رئيسه محمد المنفي، وهو ما اعتبره الباحث في مركز الدراسات الأفريقية والدولية بالأكاديمية الليبية، حامد النوصيري، "فشلاً للقمة بسبب عدم فهم اللجنة الأفريقية تفاصيل الواقع الليبي البعيد جداً عن مرحلة المصالحة".

وفي وقت يصف النوصيري، خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، القمة بأنها "مناسبة من مناسبات الترف السياسي"، يشير إلى "انخفاض مستوى التمثيل في القمة (...) فباستثناء التمثيل الجزائري والتونسي العالي، أرسل البقية من دول الجوار الليبي ممثلين من مستوى دبلوماسي منخفض، ما يعكس عدم قناعتهم بنجاعة المبادرة".

ويرى النوصيري أن الدول الأعضاء في اللجنة رفيعة المستوى بشأن ليبيا "نفسها تحتاج المصالحة فيما بينها، فالخلاف الجزائري المصري أثّر في رؤيتهما للحل في ليبيا بسبب تعارض مصالحهما، والدول الأخرى كتشاد والسودان والنيجر تعيش أزمات لا تقلّ حدة عن أزمة ليبيا، بل ولها العشرات من فرق المرتزقة المسلحين في الداخل الليبي"، لافتاً إلى أن دعوة البيان الختامي للقمة لوضع آلية من أجل انخراط أكثر لدول الجوار الليبي "إقرار واضح بمضمون ما قلته، وبالتالي فالبيان أقرّ بالفشل".

ويلفت النوصيري إلى أن "الثقل الأفريقي السياسي والدبلوماسي لا وزن له في المعادلة الدولية، ولا يمكنه أن يشكل ضغطاً لفكّ اشتباك مصالح الدول المتدخلة في الشأن الليبي".

من جهته، أكد عضو المجلس الأعلى للمصالحة والعضو المشارك في جلسات التحضير للمؤتمر الجامع في سرت، أبو بكر النعيري، أهمية المصالحة وقدرة الطيف المجتمعي والمدني الليبي على إنجازها، لكنه يرى أن العرقلة مرتبطة بأهداف سياسية بالدرجة الأولى، ويقع مركزها في اختلاف مصالح الأطراف السياسية المختلفة.

وفيما يشير النعيري، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى وجود آليات مجتمعية تكفل جبر الضرر وإرجاع الحقوق التي تُعَدّ أساساً للمصالحة، يتساءل: "كيف يمكن إنصاف أهل ترهونة على سبيل المثال، خصوصاً أن المقابر الجماعية ماثلة أمام عيونهم، وحتى القضاء عاجز عن جلب المتهمين والمتورطين الموجودين في حماية طرف سياسي"، في إشارة إلى مليشيات حفتر التي اقترفت جريمة المقابر الجماعية في ترهونة، جنوب شرقيّ طرابلس، عامي 2019 و2020.

وتعليقاً على الرعاية الأفريقية لمؤتمر المصالحة الجامع المعتزم عقده في سرت، يتساءل النعيري عمّا إذا كان الاتحاد الأفريقي قادراً على التأثير في الأطراف الليبية لفتح الملف الجنائي المتخم بالجرائم لإنصاف المتضررين، "خصوصاً أن كل طرف لا يزال ممسكاً بسلاحه ويترقب الآخر".

وكان المكتب الإعلامي للمجلس الرئاسي قد أوضح، في بيان سبق انعقاد القمة الأفريقية، أنها "قمة مصغرة تسبق الترتيبات لعقد مؤتمر المصالحة الوطنية المرتقب في سرت منتصف إبريل/ نيسان المقبل".

المساهمون