هل يشهد البرلمان العراقي المقبل حضوراً كبيراً للفصائل المسلحة؟

06 أكتوبر 2021
تمتلك الفصائل الأموال للقيام بدعايتها الانتخابية (أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -

يشترك سياسيون عراقيون بالاعتقاد بأنه لا يمكن التكهّن بنتائج الانتخابات البرلمانية المقررة يوم الأحد المقبل، على غرار ما كان يحصل في الانتخابات السابقة في السنوات الـ16 الماضية. لكنهم يؤكدون في الوقت ذاته أن تمثيل الفصائل المسلحة الحليفة لإيران سيزداد في البرلمان المقبل، بعد سماح مفوضية الانتخابات بمشاركة أجنحة سياسية لقوى مسلحة في الانتخابات، رغم أن قانون الانتخابات الحالي يمنع ذلك.
وتشترك جماعة "كتائب حزب الله" للمرة الأولى في هذه الانتخابات، عبر حركة "حقوق"، بقيادة القيادي في المليشيا حسين مؤنس. وتتنافس الحركة في دوائر انتخابية عدة داخل بغداد والبصرة وديالى وبابل، وهي المناطق نفسها التي تمتلك فيها حضوراً مسلّحاً لعناصرها. كذلك تشارك للمرة الأولى شخصيات وكتل مرتبطة بفصائل مماثلة، مثل مليشيا حركة "ثأر الله" التي ترشح عنها القيادي فيها، يوسف سناوي، و"النجباء" و"بابليون"، و"حشد الشبك". ويُلاحظ أن الجماعات المذكورة مدرجة على قوائم العقوبات لوزارة الخزانة الأميركية منذ سنوات، إلى جانب الجماعات الأخرى التي شاركت أساساً في الانتخابات الماضية ضمن تحالف "الفتح"، الذي نال 45 مقعداً في البرلمان الحالي، وأبرزها "بدر"، بزعامة هادي العامري و"عصائب أهل الحق"، بزعامة قيس الخزعلي، و"جند الإمام"، بزعامة أحمد الأسدي.


تُشارك جماعات مُدرجة على قوائم العقوبات الأميركية

ومن بين الأسباب التي دفعت القوى المدنية الرئيسية في العراق لقرار مقاطعة الانتخابات، وأبرزها الحزب الشيوعي العراقي، والتيار المدني، والبيت العراقي، وحركات أخرى معها، هو نفوذ الفصائل المسلحة والسلاح المنفلت، فضلاً عن استخدام المال السياسي. مع العلم أن القوى المدنية المُشكّلة حديثاً، تعاني من شحّ مالي، دفع بعضها لإطلاق حملات شعبية من أجل جمع التبرّعات بغية دفع رسوم تسجيلها في لجنة ترخيص الأحزاب منتصف العام الحالي.

ومن شأن هذه المعطيات أن تفضي إلى حصول عمليات تزوير، لكن المتحدثة باسم المفوضية جمانة غلاي، قلّلت في مؤتمر صحافي، عقدته الأسبوع الماضي، من أهمية الحديث عن فرص تزوير الانتخابات. واعتبرت أن "هناك مراقبة دولية تضفي الشفافية على العملية الانتخابية".

ويتوقع سياسيون ومراقبون للشأن الانتخابي أن تكون الأجنحة السياسية للفصائل المسلحة أكثر حضوراً في البرلمان المقبل. ويعود ذلك إلى أسباب عدة، منها سيطرتهم المسلحة على مناطق كثيرة يتنافسون فيها انتخابياً وكذلك مقاطعة القوى المدنية. كما يرجّح هؤلاء انخفاض المشاركة في الانتخابات على مستوى الشارع، ما سيصبّ في صالح الفصائل التي تمتلك جمهوراً ثابتاً، يمكنه تغليب كفتها في عدة دوائر انتخابية.

ويؤكد رئيس حركة "البيت الوطني" حسين الغرابي، أن البرلمان المقبل سيكون مختلفاً بوجود الكثير من ممثلي جماعات "قوى اللادولة". ويشير في حديثٍ مع "العربي الجديد" إلى أن خيارهم مقاطعة الانتخابات "جاء بسبب تفشي السلاح واستعماله حتى في الأغراض الانتخابية. بالتالي فإن الانتخابات المقبلة، ستسفر عن نتائج كارثية على مستوى التمثيل البرلماني، وقد نشهد صعودا غير مسبوق لقوى اللادولة".

ويضيف أن "البيت الوطني والحزب الشيوعي وبعض الشخصيات المدنية والاحتجاجية، لجأت إلى مقاطعة الانتخابات بسبب عدم توفر البيئة الآمنة لإجرائها، تحديداً مع انفلات السلاح وتعاظم أدوار قوى اللادولة التي تريد السيطرة على الأصوات وعلى صناديق الاقتراع والبرلمان. لذلك فإن احتمالية عودة الاحتجاجات بعد الانتخابات واردة، بسبب النتائج الخطيرة التي ستحصل عليها بعض القوى السياسية التي تمتلك أجنحة مسلحة".

في الجنوب والوسط العراقي صاحب الثقل السكاني الأكبر بالعراق ومركز التنافس الانتخابي الأهم بالبلاد، باتت خريطة القوى المتنافسة على الانتخابات يوم الأحد المقبل مُقسّمة إلى عدة أجزاء. أبرز تلك القوى، هي "قوى الدولة" التي تضمّ عمار الحكيم وحيدر العبادي وعدنان الزرفي، ومن المتوقع انضواؤهم في ما بعد تحت لواء التحالف مع "التيار الصدري" بزعامة مقتدى الصدر. في المقابل، يبرز المعسكر الأكثر قرباً من طهران الذي يضمّ تحالف "الفتح"، بقيادة هادي العامري وتنضوي تحت جناحه أغلب فصائل الجماعات المسلحة المشاركة في هذه الانتخابات، وأيضاً "دولة القانون"، بزعامة نوري المالكي.

نتائج الانتخابات التي من المفترض أن تُعلن لأول مرة بعد ساعات من إغلاق صناديق الاقتراع، حسبما تعهدت به المفوضية العليا للانتخابات، اعتبر تحالف "الفتح"، الجناح السياسي لـ"الحشد الشعبي"، أنها محسومة له. وقال القيادي في التحالف، طاهر الدراجي، تعليقاً على احتمال الحضور الواسع لممثلي الجماعات المسلحة في البرلمان المقبل في حديث مع "العربي الجديد"، إن "من حق أي جماعة عراقية، المشاركة في الانتخابات والدخول في العمل السياسي. بالتالي إن قادة وممثلي الفصائل المسلحة ليس محظوراً عليهم المشاركة في الانتخابات". وأكد أن "تحالف الفتح يسعى إلى نتائج أكثر مما حصل عليه في الانتخابات السابقة، من أجل تمثيل أكبر عدد من العراقيين وتشكيل الحكومة وفقاً لرؤية شعبية خالصة، وليس عبر رغبات شخصية أساسه التحدي وروح الانتقام".

في السياق، رجح القيادي في حركة "نازل آخذ حقي"، التي تشكلت عقب التظاهرات الشعبية في البلاد، عمار النعيمي، فرضية زيادة مقاعد القوى السياسية التي تمتلك مليشيات وفصائل مسلحة في البرلمان الجديد. وقال في حديثٍ مع "العربي الجديد" إن "الفصائل تسعى إلى نفوذ قوي في البرلمان من أجل السيطرة على القرارات الداخلية للبلاد، ورسم سياسات العراق الخارجية، وهي تطمح حالياً للحصول على أكثر من 40 مقعداً بمفردها".


البرلمان المقبل سيكون مختلفاً بوجود الكثير من ممثلي جماعات "قوى اللادولة"

واعتبر أن "كل هذه الطموحات قد تتحقق للفصائل في حال استمرت بعض القوى الجماهيرية والمدنية بخيار المقاطعة وعدم المشاركة في الانتخابات". وأشار إلى أن "طموحات الفصائل المسلحة لن تتحقق، حتى أن جماهير التيار الصدري تراجعت كثيراً بفعل الوعي الشعبي والانشقاقات الكثيرة داخل التيار"، متطرقاً إلى انتشار الخطاب الطائفي "الذي يتبناه التيار إضافة إلى بقية القوى السياسية المشتركة في الانتخابات، ويُستثنى من ذلك بعض القوى الوطنية وتحديداً التي انبثقت من الاحتجاجات الشعبية".

رئيس جبهة "الحوار الوطني"، صالح المطلك، الذي انسحب من الانتخابات المقبلة مبرراً ذلك بعدم وجود أي بوادر للتغيير بالوضع العراقي الراهن، قال إن "القوى التي تحكم حالياً ستواصل تصدر المشهد بلا تغيير، كونها تمتلك إمكانيات لا يمتلكها المستقلون"، في إشارة للقوى المدنية والأخرى المطالبة بالتغيير. وذكر في تصريحات صحافية أن "العراق يفتقد وجود بيئة انتخابية حقيقية تُمكّن المواطنين الذين يريدون البناء من الفوز في الانتخابات، التي ستعيد القوى التقليدية نفسها مرة ثانية لامتلاكها المال والسلاح وإمكانية التزوير، بينما المواطن لا يملك ثمن ملصقه الانتخابي".

واستذكرت النائبة السابقة، شروق العبايجي، نتائج انتخابات 2018، معتبرة أنها "كانت كارثية، ونتائجها أعلنت تحت تهديد السلاح، وحصلت الفصائل المسلحة على ما كانت تطمح إليه بعد حوادث تعطل اجهزة حساب الأصوات وحرق الصناديق في بغداد". ولفتت في حديثٍ مع "العربي الجديد"، إلى أن "قوى السلاح تمكنت خلال الفترة الماضية، من تأسيس كيانات سياسية تعتمد في أصوات المنتسبين إليها. وبالتالي فإن هناك حالات إكراه على انتخاب جهات محددة، وهذا ما قد يُؤدي إلى تكرار سيناريو فوز ذات الجهات التي فازت عام 2018".

من جهته، ذكر الخبير بالشأن الانتخابي العراقي، عضو منظمة "الرافدين" للرصد أحمد وكاع، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أنه كلما زاد عدد المشاركين في الانتخابات، قلّت فرص القوى والأحزاب التي توصف بأنها ذات الجمهور الثابت أو العقائدي الديني". وأضاف أنه "في حال توجه 12 مليون عراقي للاقتراع من أصل 25 يحق لهم التصويت، سيكون جمهور الحزب أو الجماعة المسلحة ذات المائة ألف صوت وأقلّ ضعيفاً جداً بالحصول على مقعد في أي دائرة، لكن في حال انخفضت نسبة المشاركة لمستوى أقل من 6 ملايين، كما حصل في الانتخابات الماضية، فإن هناك قوى ستستفيد من غياب الرأي العام العراقي لأن أصوات جمهورها سيكون حاضراً وسيتحول من أقلية إلى أكثرية". وتابع: "لذلك نعتبر أن قرار عدم المشاركة في الانتخابات لن يكون حلاً في الوضع العراقي، إذ إن الانتخابات ستكون ماضية وشرعية حتى مع وجود نسبة 30 في المائة كنسبة إقبال".