هل يؤثر قرار محكمة طرابلس في الاتفاقية الليبية التركية حول التنقيب عن النفط والغاز شرقيّ المتوسط؟
قضت محكمة استئناف طرابلس بإيقاف تنفيذ اتفاقية التنقيب عن النفط والغاز الموقعة بين حكومة الوحدة الوطنية والحكومة التركية "لحين الفصل في الدعوى" المرفوعة ضد الاتفاقية، في وقت لا يزال فيه الصراع الإقليمي حول مناطق التنقيب عن الغاز شرقيّ البحر المتوسط محتدماً، وليبيا أحد أطرافه.
ولم تعلن المحكمة حكمها رسمياً، إلا أن بلقاسم القمودي، المحامي في محكمة استئناف طرابلس، أكد صدور الحكم عن المحكمة أول من أمس الثلاثاء.
وكانت حكومة الوحدة الوطنية والحكومة التركية قد وقعتا في طرابلس، مطلع أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، عدة مذكرات تفاهم في أثناء زيارة وفد وزاري تركي، من بينها مذكرة تفاهم في مجال الاستثمار في الموارد الهيدروكربونية (النفط والغاز الطبيعي)، أثارت جدلاً آنذاك، وسط رفض إقليمي ودولي، لكونها تهدد مصالح عدد من الدول في حوض المتوسط، على غرار الرفض الذي شهده توقيع اتفاقية سابقة لترسيم الحدود البحرية بين الجانب التركي وحكومة الوفاق الليبية السابقة نهاية عام 2019.
وأوضح القمودي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الدعوى رفعها خمسة محامين ليبيين أمام المحكمة، فيما أجلت الأخيرة البت في الدعوى عدة مرات لترك مساحة للحكومة بالدفاع عن شرعية اتفاقها. وقال إن "الحكم الأخير يتعلق بإجراء في سير عملية النظر في الدعوى، وهو وقف التنفيذ"، نافياً أن يكون منطوق الحكم يعني "بطلان الاتفاقية".
وأشار المحامي ذاته إلى أن الركائز القانونية التي نظرت إليها المحكمة "قد تذهب باتجاه إبطال الاتفاقية في الجلسات المقبلة"، موضحاً أن من بين هذه الركائز "قرار للمؤتمر الوطني العام (البرلمان السابق) بمنع الحكومات الليبية المؤقتة من توقيع أي اتفاقات ترسيم الحدود أو استغلال الموارد الطبيعية الاستراتيجية"، وأيضاً البند العاشر من المادة السادسة في خريطة الطريق التي جاءت بحكومة الوحدة الوطنية للسلطة، والتي تمنعها من إبرام أي اتفاقات أو إصدار قرارات قد ترتب على الدولة التزامات أطول من مدة وجود الحكومة.
"القضية أوسع وأكبر من موقف قضائي محلي"
وفيما لم يصدر عن حكومة الوحدة الوطنية أو الجانب التركي أي موقف واضح حيال الحكم، إلا أن رئيس الحكومة، عبد الحميد الدبيبة، استقبل في مكتبه بطرابلس، في ذات يوم صدور الحكم، السفير التركي لدى ليبيا، كنعان يلماز، وأكد استمرار تعاون حكومته "مع دولة تركيا في المجالات الاقتصادية والسياسية والعسكرية".
ويأتي حكم محكمة استئناف طرابلس في وقت لا يزال فيه الصراع الإقليمي حول مناطق التنقيب عن الغاز شرقيّ البحر المتوسط محتدماً، وليبيا أحد أطرافه.
ومن هذا المنطلق، لا يتوقع الناشط السياسي الليبي أشرف النيهوم أن يكون لحكم المحكمة أثر كبير، معللاً رأيه بأن القضية "أوسع وأكبر من موقف قضائي محلي كحكم المحكمة الليبية".
وإثر توقيع تركيا وحكومة الوحدة الوطنية مذكرة التفاهم، صعّد الجانب اليوناني من موقفه الرافض للتعاون التركي مع طرابلس، إذ بدأت اليونان أعمال التنقيب في منطقة جنوب وجنوب غرب جزيرة كريت، ما دفع وزارة خارجية حكومة الوحدة الوطنية إلى التنديد بالخطوة، مؤكدة، في بيان لها مطلع ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أن الأعمال التي تقوم بها اليونان تقع "في منطقة الحدود البحرية الليبية اليونانية"، متهمة الأخيرة بالسعي لـ"استغلال الأزمة الليبية، وفرض الأمر الواقع عليها في تحديد الحدود البحرية المشتركة معها".
وتلا الموقف اليوناني إعلان مصري، في 11 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، عن بدء "تحديد" حدودها البحرية الغربية من جانب واحد، وسط رفض ليبي جاء هذه المرة موحداً، على غير العادة، إذ صدر عن مجلس النواب والحكومة المنبثقة منه، بالإضافة إلى حكومة الوحدة الوطنية.
وضمن حديثه لـ"العربي الجديد"، اعتبر النيهوم أن المواقف المصرية واليونانية "أحادية، هدفها الضغط بخصوص مناطق التنقيب عن الغاز، حفاظاً على مصالحهما"، مضيفاً: "هذه المواقف لن تكون حاسمة أو معترفاً بها في ظل استمرار النزاع".
ويربط النيهوم النزاع في شرق المتوسط باكتشاف الغاز فيها منذ عام 2010، موضحاً أنه "قبل هذا العام لم يكن هناك أي خلاف، باستثناء خلاف يوناني ليبي أساسه كيفية الاستثمار في الثروة السمكية في الحدود المائية بين البلدين".
وأصدر الجانب الليبي عام 2005 قراراً رسم بموجبه الحدود المائية الليبية، ويضم القرار الأجزاء التي تحاول اليونان التنقيب فيها جنوب جزيرة كريت.
وفي هذا الشأن، أشار النيهوم إلى أن القرار الليبي آنذاك "لم يلق اعتراضاً مصرياً أو يونانياً أو من جهة أي دولة في شرق المتوسط"، مضيفاً: "في يناير/ كانون الثاني 2019 أسست القاهرة منتدى غاز شرق المتوسط بمشاركة سبع دول، ليس من بينها تركيا ولا ليبيا، ويبدو أنها الخطوة التي دفعت تركيا إلى ربط تحالفات مع طرابلس لقطع الطريق أمام خصومها في شرق المتوسط للاستيلاء على مناطق الغاز، وأولها اتفاقها مع حكومة الوفاق، ثم مع حكومة الوحدة".
وتبعاً لذلك، لا يرى النيهوم أي أثر لحكم قضائي محلي على نزاع إقليمي وخلافات سياسية واقتصادية كبيرة، خصوصاً أن ليبيا "تُعَدّ الحلقة الأضعف في حالة الصراع الإقليمي"، وهو أمر "تستغله كل الأطراف لتحقيق مصالحها".
وفي معرض دفاعه عن موقف حكومة طرابلس، قال: "لنتصور أن ليبيا لم تتشارك مع طرف إقليمي له وزنه كتركيا، كيف سيكون مصير وحال مياهها الاقتصادية وثروتها البحرية؟ بكل تأكيد ستكون عرضة للاغتصاب والاقتسام".
دعوة إلى الاحتكام للقانون الدولي
من جهته، يلفت الأكاديمي والباحث في الشأن السياسي، أحمد العاقل، لـ"العربي الجديد"، إلى أن الفصل في مثل النزاع الإقليمي الحاصل في المنطقة لا يكون إلا بـ"الاحتكام للقانون الدولي"، لكنه يحذر من خطورة هذا الصراع وأثره على الداخل الليبي، ولا سيما في حالة التشظي والصراعات القائمة بين الأطراف المحلية، التي يرى أن كلاً منها "يرتهن في مصيره لدعم طرف من الأطراف الإقليمية".
وأضاف العاقل: "المشهد على مقربة من إنجاز وثيقة دستورية تقرب البلاد من محطة الانتخابات، وفي حال تصاعد النزاع الإقليمي سيتدخل كل طرف لدعم حليفه المحلي، فهل سنرى تنازلاً من جانب تركيا عن الحكومة في طرابلس التي تمثل قوة مذكرة التفاهم؟".
وتابع: "حكومة طرابلس، من جانبها، ترى أن استمرار بقائها رهين بالدعم التركي، وفي المقابل، ستتصاعد مواقف خصوم الحكومة ضدها، خصوصاً أن الوثيقة الدستورية أُنجزت في القاهرة، وهي الطرف الإقليمي النقيض في سياساته مع المواقف التركية".
ويتابع العاقل حديثه عن مخاوف تأثير الصراع الإقليمي في الداخل الليبي، بالقول: "يمكن أن يكون التأثير من الجانب الأوروبي أيضاً، فالحرب الروسية الأوكرانية لها أثر على موارد الغاز بالنسبة إلى أوروبا، وبالتالي يمكن أن تدعم دول أوروبية كبرى الموقف اليوناني مباشرةً، باعتبارها دولة في الاتحاد الأوروبي".
وفي ظل هذا التكهن بموقف أوروبي مختلف، يرجّح العاقل إمكانية أن يختلف الموقف الروسي في الملف الليبي، فتقترب موسكو أكثر من حكومة طرابلس، في إطار المناكفة مع أوروبا، معرباً عن مخاوفه من أن يكون أثر النزاع الإقليمي في مناطق التنقيب على الغاز "مباشراً، وذا تأثير سلبي في المشهد الليبي"، ما يكرس حالة الاختصام والفرقة الليبية.