هل ما زال اليسار في الجزائر مؤهّلاً للحكم؟

19 يونيو 2024
لويزة حنون خلال مؤتمر صحافي، 3 مارس 2021 (رياض كرامدي/ فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- يشعر اليسار في الجزائر بالنشوة عند تقدم قوى اليسار في أميركا اللاتينية وغيرها، معتبراً ذلك دليلاً على شعبية وصدقية الفكر اليساري عالمياً.
- خلال السبعينيات، تميز اليسار الجزائري بدمجه في النظام الحاكم من خلال "المشاركة النقدية"، مساهماً في تنفيذ الخيارات الاشتراكية مع الحفاظ على هامش نقدي.
- رغم البيئة الاشتراكية المتأصلة في الجزائر، يواجه اليسار صعوبات في تحقيق النجاح الانتخابي وتنظيمياً، ولم يقم بالمراجعات الضرورية لتحديث فكره وإطاره التنظيمي.

ينتشي اليسار في الجزائر كلما تتقدّم قوى اليسار إلى الحكم في دول أميركا اللاتينية ومناطق أخرى. مصدر النشوة أن هذه التجارب تُسعف اليسار الجزائري، ليقدّم الحجج والدلائل السياسية على استمرار شعبية الفكر اليساري لدى شعوب العالم الحرّة، واستمرار صدقية النظرية اليسارية في الحكم وأهليّتها، وقدرتها على التأقلم مع المجتمعات الجديدة.

كان اليسار الجزائري، في السبعينيات، محظوظاً أكثر من غيره من المجموعات السياسية المحظورة والمطاردة في السجون والمنافي حينها، فقد اندمج بعقد سياسي في سلسلة النظام الحاكم، مساعداً له في التعبئة والدعاية في الإعلام، وتنظيم القوى الحيّة والطلبة في الجامعات والشباب والجماهير، تحت عنوان فكرةٍ سياسيةٍ طوّرها اليسار حينها تسمّى "المشاركة النقدية"، وتعني أن يسهم اليسار في تنفيذ الخيارات الاشتراكية التي تبنّتها الجزائر منذ الستينيات، لكن مع الاحتفاظ بهامش نقدي للسياسات. لم يكن كل اليسار على هذا النحو، فقد كانت هناك مجموعات يسارية، تروتسكية القناعات، لم تكن على وفاق مع الحكم في بعض القضايا المرتبطة بالديمقراطية والحرّيات العامة والقوانين المتصلة بالأسرة وحقوق المرأة، أبرز من يمثل ذلك "المنظمّة الاشتراكية للعمّال" التي ستتحوّل، بعد سقوط نظام الحزب الواحد عام 1988، إلى حزب العمّال، تقوده منذ ثلاثة عقود المرشحة للرئاسة لويزة حنون.

ربما يكون اليسار في الجزائر أكثر التيارات السياسية التي تتوفّر لها في كل الأوقات قاعدة ذهنية ومادية مساعدة على الحكم، فالفكرة الاشتراكية التي حكمت الجزائر في العقود الأولى بعد الاستقلال ساعدت على تعزيز تقاليد عيش ريعي لدى الجزائري، يستند إلى الخدمات التي تقدّمها الدولة. والدولة ما زالت اشتراكية في سلوكها الأعم (تبيع الكرواسون في الفنادق وتسيّر الحمامات المعدنية)، والإدارة غارقةٌ في قيود البيروقراطية الموروثة عن الأنظمة الاشتراكية. وما زالت أنماط عيش الجزائري تتحكّم فيها ذهنيات التموين الاشتراكي للسوق والخدمات حتّى. يُفترض أن يجعل هذا كله من الناخب الجزائري يساري الهوى واشتراكيّ المنشأ، ورافداً انتخابياً لليسار الذي يصادم الليبرالية، لكن هذا التيار السياسي بعيدٌ تماماً عن الاستفادة من ذلك، وغير قادر تنظيمياً على تحقيق المبتغى السياسي في كل الاستحقاقات الانتخابية في الجزائر. تمثيله النيابي ضعيف، على الرغم من أنه أكثر تركيزاً على القضايا العمّالية، وحضوره في الانتخابات الرئاسية أكثر من مرّة مشاركة أكثر منها منافسة.

لم يقدّم اليسار الجزائري المراجعات الضرورية والمطلوبة منه، بحيث لم تشهد ساحته نقاشاً في ذلك. بدا على الصعيد الفكري مستسلماً للأحداث والتطوّرات. وفي ظروف سياسية كالوضع الحالي مع خيارات الرئيس عبد المجيد تبون، يبدو هذا اليسار بصدد إعادة إنتاج فكرة السبعينيات "المشاركة النقدية"، كما أخفقت محاولاته في تطوير إطاره التنظيمي، وانسحب كثيرٌ من نخبه إلى الظل أو إلى ظلال السلطة. على الرغم من ذلك، ظلّ الحضور السياسي لليسار في الجزائر طاغياً ومفيداً في قضايا الحرّيات، وإيجابياً في الدفاع عن المسألة الديمقراطية إلى حين.

المساهمون