هل تواطأ نظام الأسد مع خاطفي الطفل فواز قطيفان؟

13 فبراير 2022
مخاوف من استغلال النظام قضية الطفل قطيفان إعلامياً (تويتر)
+ الخط -

تشير تطورات قضية الطفل السوري فواز قطيفان، الذي أفرجت عنه عصابة الخطف في محافظة درعا جنوبيّ سورية يوم أمس، إلى تورط النظام السوري وأجهزته الأمنية في عملية الخطف، أو على الأقل تقاعسهم الكبير، فيما لا يزال العديد من الأشخاص مختطفين في المحافظة، بينهم الطفلة سلام الخلف، المختطفة منذ أكثر من عامين.

وكان اللافت أن وزارة الداخلية التابعة للنظام السوري سارعت إلى استثمار حادثة تحرير الطفل فواز قطيفان، حيث نشرت الصفحة الرسمية للوزارة صورة الطفل في حضن العميد ضرار دندل، قائد شرطة محافظة درعا، مدعية أنه تمّ "تحريره" وهو بحالة صحية جيدة، دون أن تشير إلى أن عملية تحريره لم تكن بجهودها، بل بعد دفع الفدية من جانب أهله.

وبثّت الوزارة بعد ساعات تسجيلاً للعميد دندل، حاول فيه الاستعراض وتبرير فشل قواته في تحرير الطفل بإطلاق ادعاءات غير صحيحة، من قبيل أن المنطقة التي جرت فيها عملية الخطف تقع تحت سيطرة "المسلحين"، رغم سيطرة قوات النظام على كامل المحافظة.

 ويلفت ناشطون إلى أن النظام حاول إظهار الاهتمام بقضية الطفل المخطوف ومحاولة استغلالها إعلامياً لمصلحته، دون بذل أي جهد حقيقي لإطلاق سراحه، برغم حديث عن فرض طوق أمني على المنطقة المفترضة لوجود الخاطفين فيها، الذي اتضح أنه مجرد طوق إعلامي، حيث كان الخاطفون يتنقلون بحرية بين عدة مناطق.

التنقل ببطاقات أمنية

 ويقول الناطق باسم تجمع أحرار حوران، أيمن أبو محمود، في حديث مع "العربي الجديد"، إن الخاطفين "تنقلوا بالطفل من منطقة إلى أخرى، بالرغم من الطوق الأمني المزعوم، حيث جرى الاختطاف في بلدة ابطع من قبل 4 أشخاص بينهم امرأة كانوا على دراجتين ناريتين، وكان الخاطفون يتنقلون بين المناطق، وتحديداً بين تسيل ونوى بفضل البطاقات الأمنية الممنوحة لهم من جانب النظام، التي تسهل تحركاتهم دون تدقيق أمني". 

وأضاف أبو محمود أن المناطق التي ادعى قائد الشرطة دندل أنها خاضعة للمسلحين تنتشر فيها 3 مراكز أمنية للنظام، إضافة إلى مقرات عسكرية.

 ويتساءل الناشطون عن كيفية دفع الفدية في مناطق سيطرة النظام برغم الضجة الإعلامية والاستنفار الأمني المفترض، دون أن تتمكن سلطات النظام من تحديد مكان الخاطفين. 

ويلفت الناشط أبو محمد الحوراني، في حديثه مع "العربي الجديد"، إلى الحضور المكثف لوسائل الإعلام التابعة للنظام في مدينة نوى لحظة الإفراج عن الطفل، علماً أنهم ينتشرون عادة في أنحاء المحافظة، وكانت الشكوك أن يُطلَق سراحه في إبطع، "ما يعني أنهم تلقوا توجيهات من أجهزة النظام الأمنية بالتوجه إلى نوى، أي أن تلك الأجهزة كانت على تواصل مع الخاطفين، وعلى الأرجح أنها تنسق معهم".

بدورها، أوردت وكالة "سانا" الرسمية رواية النظام عن عملية الخطف، ونقلت عن العميد دندل قوله للصحافيين إنه "بالمتابعة المستمرة وبالتنسيق مع إدارة الأمن الجنائي والإنتربول رُصد الرقم الدولي الذي تواصل عبره الخاطفون مع ذوي الطفل، وحُدِّد الأشخاص المرتبطون بالرقم، ومنذ أربعة أيام قمنا بمداهمة قرية الكتيبة قرب خربة غزالة بريف درعا، وأُلقي القبض على 4 أشخاص بينهم الشخص الأساسي الذي ارتبط رقمه برقم الخاطفين".

غير أن الناطق باسم تجمّع أحرار حوران أكد أن الشخص المقصود هو محمد ديب الزهري، وهو قيادي سابق في "الجيش الحر" وانضم إلى "اللواء الثامن"، ولو كان هذا صحيحاً، أن له علاقة بالخاطفين، لهربت عصابة الخطف من درعا حتى لا يشي بهم المعتقل، لكن من الواضح أنها عملية ملفقة بهدف الإيحاء بارتباط الخاطفين بالمعارضين للنظام، ولا علاقة للشخص المعتقل بعملية الخطف.

ويضيف دندل أن الخاطفين "قطعوا تواصلهم لمدة يوم كامل بعد إلقاء القبض على هذا الشخص تحسباً منهم لأي اعترافات منه، وبما أننا لم نصرح بما اعترف به عاودوا الاتصال بعائلة الطفل مرة ثانية، وتمّ الاتفاق على موعد لإطلاق سراحه وتسليم الفدية يوم الأربعاء، إلا أنهم لم يلتزموا، ثم تواصل الخاطفون مع عم الطفل يوم الجمعة وأعطوه موعداً جديداً على طريق درعا - دمشق، وطلبوا منه أن يتوجه والد الطفل، لا عمه، وأن يرسل إليهم صورة السيارة التي سيستقلها، وقمنا نحن بدورنا بتعميم صورة السيارة على عناصرنا التي انتشرت بطريقة مخفية في المنطقة، لكن الخاطفين أخلّوا بالموعد مرة ثانية".

وحسب دندل، عاود الخاطفون الاتصال أمس السبت ظهراً و"طلبوا أن يذهب الوالد إلى مدينة نوى وحددوا منطقة قرب صوامع الحبوب على الطريق باتجاه القنيطرة، التي تنتشر فيها مجموعات مسلحة، ومع وصول والد الطفل ووالدته إلى المنطقة والمبلغ المالي معهما، تركوا الطفل"، وزعم أن عناصر الشرطة لم يتدخلوا بهدف الحفاظ على حياة الطفل بعد تهديد الخاطفين بقتله.

والواقع أن محافظة درعا تعاني من فوضى أمنية كبيرة، بالرغم من سيطرة النظام على كامل المحافظة منذ عام 2018، وقيامه بتسويات شاملة أخيراً، يفترض أنه جمع خلالها ما بقي من سلاح بين الأفراد، ما يعني أن مَن بقي معه السلاح هم بالضرورة من الموالين للنظام.

40 حالة اختطاف في 2021

 ووثق تجمع أحرار حوران 40 حالة خطف في المحافظة خلال عام 2021 وحده.

وتعيد هذه التطورات التذكير بقضية الطفلة سلام الخلف المختطفة في المحافظة منذ عامين، والتي تغيب قضيتها عن اهتمام النظام ووسائل إعلامه، وسط معلومات متقاطعة بأن المسؤول الأول عن عمليات الخطف أشخاص كانوا مرتبطين بأجهزة النظام الأمنية ومليشياته، وقد شكلوا عصابات خطف بعد تسريح بعضهم وقطع رواتبهم.

وكانت الطفلة سلام التي تتحدر من بلدة الطيبة بريف درعا الشرقي وتبلغ من العمر 8 سنوات، قد تعرضت للخطف في مارس آذار 2020 في أثناء عودتها من المدرسة إلى منزلها، حيث اعترضها مجهولون يستقلون سيارة واقتيدَت إلى جهة غير معلومة وانقطعت أخبارها منذ ذلك الوقت، فيما عثر على ملابسها وحقيبتها المدرسية في إحدى المزارع المجاورة لبلدة الطيبة بريف درعا الشرقي، بعد مرور شهر على اختفائها.

 ويخشى الأهالي في درعا، وعموم البلاد، أن تشجع عملية اختطاف الطفل فواز قطيفان بعد دفع ذويه الفدية المالية على تصاعد عمليات الخطف بهدف تحصيل الأموال بعد التقاعس الذي أظهرته سلطات النظام في ملاحقة الخاطفين في ظل الفوضى والانفلات الأمني في مجمل أنحاء البلاد، فيما تشير توثيقات حقوقية إلى أن النظام لا يزال يعتقل نحو 3600 طفل سوري في سجونه، دون معلومات عن مصيرهم.