تبدأ غداً الإثنين جولة مفصلية وحاسمة من جولات اللجنة الدستورية السورية، التي تواجه عدداً من التحديات التي من المرجح أن تؤدي إلى انهيارها في حال لم تحرز تقدماً يتعلق بالغاية التي تعقد من أجلها. ويتضمن جدول أعمال الجولة الخامسة نقاش فصل كامل من الدستور، يتضمن المبادئ السياسية والثقافية والاقتصادية، وهي مضامين تدخل في صلب عمل اللجنة، وستتم مناقشتها للمرة الأولى. يحدث ذلك بعد أن استنفد النظام ومن خلفه روسيا، كل فرص المماطلة من أجل إفراغ اللجنة من مضمونها، إذ تم تعطيل عمل الجولتين الأولى والثانية، وناقشت الجولة الثالثة الثوابت الوطنية التي يتفق عليها كل السوريين، فيما استكملت الجولة الرابعة نقاش وتحديد الثوابت الوطنية، لتأتي جولة الغد كاختبار لمدى قدرة هذه اللجنة على إنجاز مهامها قبل استحقاق انتخابات رئاسة الجمهورية التي أعلن عنها النظام بعد نحو أربعة أشهر، بمعزل عن الحل السياسي.
وتُطرح العديد من التساؤلات، في حال لم تتمكّن اللجنة من إنهاء أعمالها قبل الانتخابات؛ سواء لناحية استمرار عمل اللجنة في فترة ما بعد الانتخابات، أو لناحية الاعتراف الدولي بالأخيرة، أو لناحية إجراء انتخابات مبكرة بعد إنجاز اللجنة أعمالها. علماً أنّ إنجاز الانتخابات بمعزل عن اللجنة الدستورية، يفرغ الأخيرة عملياً من مضمونها ويكرس نظام بشار الأسد بعيداً عن قرارات الشرعية الدولية.
أما على مستوى التحديات التي تعصف باللجنة الدستورية من خارجها، فيبدو أن موسكو قد بدأت بالتحرك من خلال أدواتها في هيئة التفاوض، من أجل خلق إرباك يؤثر على عمل اللجنة. فقد جاءت رسالة بعض الشخصيات المحسوبة على روسيا من كل من منصتي موسكو والقاهرة إلى المبعوث الأممي غير بيدرسن ووزراء خارجية بعض الدول التي تسعى لإعادة هيكلة هيئة التفاوض، كتحدّ إضافي أمام كتلة المعارضة في اللجنة الدستورية. كما جاءت الاستجابة السعودية لهذه الرسالة بتوقيف عمل مكاتب هيئة التفاوض في المملكة، لتثبت انحياز الرياض لصالح طرف في المعارضة هو المقرب من موسكو، الأمر الذي يشي بأنّ عمل اللجنة الدستورية ومن خلفها هيئة التفاوض ذاهب إلى مزيد من التعقيد والإرباك الذي لن ينتج عنه سوى إضاعة المزيد من الوقت.
وبالإضافة إلى كل التحديات التي تقف أمام تحقيق تقدم في عمل اللجنة الدستورية، فإنّ فريق المعارضة في هذه اللجنة يتعرّض لضغط شعبي من قبل الشارع المعارض الذي يرى في عمل تلك اللجنة "مضيعة للوقت" ولن ينتج عنه أي تقدم على مستوى العملية السياسية، خصوصاً أنّ الفريق الأممي الذي يرعى اجتماعات اللجنة الدستورية، لم يتمكن إلى الآن من ممارسة الضغط الكافي على النظام، لإجباره على الالتزام بمضمون عمل هذه اللجنة، والكف عن إضاعة الوقت. الأمر الذي يجعل خيار الانسحاب من عمل اللجنة الدستورية ومن العملية السياسية برمتها مطروحاً أمام المعارضة.