أثارت تصريحات أميركية بشأن دور ممكن لتونس في الملف الفلسطيني تساؤلات حول هذا الدور، ومخاوف من الضغط عليها بهذا الخصوص.
وكانت المتحدثة باسم البيت الأبيض جين ساكي قالت، مساء الخميس، إن "مصر وتونس ودولاً أخرى في المنطقة يمكنها أن تلعب دوراً في المدى القريب لتهدئة الصراع الدائر بين الإسرائيليين والفلسطينيين".
ونقلت "رويترز" عن ساكي قولها "المهمة على المدى القصير هي أن تلعب مصر وتونس وغيرهما من اللاعبين الإقليميين المهمين دورهم في إيصال الأسباب لخفض التصعيد إلى قيادة حماس وأي الفوائد ستأتي من ذلك".
وأكدت وزارة الخارجية المصرية، أمس الجمعة على صفحتها في "فيسبوك"، أن الوزير سامح شكري تلقى اتصالاً من نظيره التونسي عثمان الجرندي، بحثا خلاله جهود إنهاء الهجوم الإسرائيلي والمواجهة في الأراضي الفلسطينية.
ونسَّق الوزيران في ما يخص الاستعداد لجلسة مجلس الأمن المفترض عقدها غداً الأحد لبحث المخارج الممكنة من حالة التأزم الحالية، عبر وقف لإطلاق النار يحقن دماء الضحايا الذين يروحون نتيجة العمليات العسكرية والهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة.
وكان الرئيس التونسي قيس سعيد تحدث إلى الرئيس الفلسطيني محمود عباس وإلى رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية. وبدوره، تحدث رئيس مجلس النواب التونسي راشد الغنوشي إلى هنية وخالد مشعل.
وعلق النائب التونسي عبد اللطيف العلوي على صفحته في فيسبوك قائلاً إن"تواتر التصريحات الأميركية بأن تونس ومصر من بين البلدان القادرة على الدفع نحو التهدئة في فلسطين لا تريح أبدا، وهي مخيفة ومريبة، خصوصا إذا كنّا نعرف مفهوم التهدئة لدى الأمريكان الذي يعني فرض شروط الاستسلام على المقاومة، وعندما نعرف الدور القذر الذي تقوم به مصر السّيسي دائما في كلّ مواجهة مع غزّة وفي خنق المقاومة".
وأوضح العلوي "نتذكّر أنّ الرّئيس سعيد اتّصل بهنيّة بعد اتصاله بنائبة الرئيس بايدن كامالا هاريس مباشرة، بشكل مفاجئ وغير متوقّع من جلّ التّونسيّين…".
وكان البيت الأبيض نشر، عبر موقعه الرسمي في اليوم ذاته، تفاصيل المكالمة الهاتفية، مبرزاً أن محادثة كامالا هاريس مع الرئيس قيس سعيد تضمّنت التزام الولايات المتحدة القوي بمساندة تونس، ودعمها في المناقشات مع صندوق النقد الدولي واستمرار التعاون الأمني.
الرئاسة التونسية ردت مساء أمس الجمعة، في بيان قوي، على هذه المخاوف، وأكدت أن “تونس تبقى دوماً منتصرة للشعب الفلسطيني ولحقوقه التي لن تسقط بالتقادم، ولا يمكن أن تكون موضوع مساومة أو تنازل".
وأضافت أن "تونس تبذل قصارى الجهد من أجل تحميل المجلس مسؤوليته في حفظ السلم والأمن الدوليين، للتدخل الناجع والسريع واتخاذ موقف واضح لا لبس فيه، يدعو إلى الوقف الفوري للعدوان الصارخ على الشعب الفلسطيني ويضع حداً للتصعيد ولسقوط المزيد من الضحايا المدنيين".
وأضافت "وتم، في هذا الشأن، بدعوة من تونس وبالتنسيق مع الجانب الفلسطيني ورئاسة مجلس الأمن وعدد من الدول الأعضاء، عقد جلستين طارئتين للمجلس، والدعوة إلى جلسة ثالثة علنية وتقوم بتحركات واسعة واتصالات مكثفة على أعلى مستوى مع باقي الدول الأعضاء في المجلس، ومع دول شقيقة وصديقة أخرى مؤثّرة، من أجل تحرك دولي واسع".
وتعليقاً على هذه المخاوف، أكد الأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "دور تونس، حكومة ورئاسة وشعباً وبرلماناً، هو إسناد القضية الفلسطينية من منطلق الانتماء للأمة العربية والانتصار للحق الفلسطيني".
وأوضح الشابي أن "تونس عضو في مجلس الأمن الدولي، وهي بصدد التحرك والمفروض أن تتحرك أكثر من أجل حث الدول العربية والإسلامية، والدول المساندة للقضية الفلسطينية، على تحرك دبلوماسي قوي ودون التقيد بالحدود التي تفرضها السياسة الأميركية".
وبين أن "دور تونس ليس الوساطة والتهدئة، ولكن الوصول إلى وقف للنار يكون مشرفاً، وليس مجرد القبول بشروط أميركية، ودور تونس الوصول إلى لائحة صريحة في مجلس الأمن للخروج أمام العالم والإدارة الأميركية، والفرنسية التي منعت مظاهرة مساندة للقضية الفلسطينية، بموقف واضح، وبالتالي، على تونس طرح مواقف صريحة والتنسيق مع بقية الدول للخروج بموقف مصيري، خاصة أن الشعب الفلسطيني يخوض معركة مصيرية لا يمكن الاكتفاء فيها بأنصاف الحلول".
وأضاف أنه "يجب وضع كل الخلافات الداخلية في تونس والتوحد كوطن للقيام بالواجب تجاه فلسطين"، مشيراً إلى أن "التصريح الأميركي بخصوص تونس ومصر بأنهما قادرتان على لعب دور جاء لأنها لا تقيم علاقات مع (حماس) والمقاومة، وتونس الجديدة لها قنوات اتصال ويمكن أن تلعب دوراً في تمرير الرسائل دون الضغط على القيادة الفلسطينية ولا على المقاومة، ولكن يمكن أن تكون همزة اتصال بين المقاومة والعالم، ولكن إلى جانب المقاومة وليس العكس".
من جهته، أكد المحلل السياسي ماجد البرهومي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "الإدارة الأميركية الجديدة ليس لها الخبرة الكافية بمنطقة الشرق الأوسط والملف الفلسطيني، وبيّن أن الضغوط الأميركية على مصر وتونس مفهومة، ولكن لا سلطة لأي بلد على حماس رغم اقتراب بعض الأنظمة منها معنويا".
وأضاف أن "تونس ومصر يمكن أن تلعبا دور الوسيط، ولكن لا تأثير لهما على حماس كما يعتقد البعض"، مبيناً أن "مصر دولة جارة، وقد لعبت سابقاً دور الوساطة بين فتح وحماس في مفاوضات السلام، وتم الوصول إلى عدة اتفاقات، ولها التجربة والخبرة في هذا الملف".
وأكد أن "الاعتماد الأميركي على تونس يعود إلى الدور الذي قد تلعبه حركة النهضة بحكم قربها من حماس، إذ إن علاقات الغنوشي القوية ووزنه المعتبر في المنطقة يمكن أن يكون لها تأثير معنوي، كما أن الرئيس قيس سعيد لا مشكل لديه في لعب دور وكسر البرتوكولات القديمة والتواصل مع حماس، خلافاً للرؤساء السابقين الذين كانوا فقط يتواصلون مع السلطة الفلسطينية الرسمية، وبالتالي، هذا ما جعل الإدارة الأميركية تتحدث عن دور لتونس ومصر".
وأكد أن "بروز تونس يعود لعضويتها في مجلس الأمن الدولي وترؤسها القمة العربية، أضف إلى ذلك قدرة حركة النهضة على التأثير، وهو ما يدفع الإدارة الأميركية للحديث عن دور لتونس في الملف الفلسطيني".