هل تطلق روسيا موجة تعبئة جديدة؟

18 يناير 2023
يفضّل كثير من الشبان الروس التعاقد مع الجيش (الأناضول)
+ الخط -

وسط ترقب لإطلاق روسيا موجة جديدة من التعبئة العسكرية الجزئية لدعم الحرب على أوكرانيا، يتواصل الجدل والتوقعات بشأن ضرورة وحجم الموجة الثانية للتعبئة بعد نحو أربعة أشهر من الموجة الأولى، في ظل قراءات متفاوتة لحاجة الجيش الروسي لهذه التعبئة، وقدرة السلطات على ضم هؤلاء وتدريبهم.

وانتشرت أنباء عن أن الرئيس فلاديمير بوتين سيتوجه إلى إعلان موجة ثانية من التعبئة الجزئية أثناء إحياء الذكرى الثمانين لفك الحصار عن مدينة لنينغراد (سانت بطرسبورغ حالياً) اليوم الأربعاء، وهو ما لم يحصل، إذ اكتفى بوتين بالتشديد في كلمته على أن انتصار روسيا في أوكرانيا "حتمي" و"لا شك لدي في ذلك".

لم يصدر بوتين مرسوماً رئاسياً رسمياً بإنهاء التعبئة الجزئية

وازداد الحديث عن موجة ثانية من التعبئة بعد تصريحات أدلى بها عضو المجلس الرئاسي لإدارة مقاطعة زابوريجيا المعين من قبل روسيا فلاديمير روغوف يوم السبت الماضي، قال فيها إن "في بالميرا الشمال (سانت بطرسبورغ) حُدد مصير وطننا مرات عدة، وإلى حد ما سيتم تحديد مصيره، وبشكل أكثر دقة مصير العملية العسكرية الخاصة (الحرب على أوكرانيا)، وأي سيناريو سيتم تنفيذ العملية وفقه مستقبلاً". ولم يقدم روغوف تفاصيل أخرى في قناته على "تليغرام".

وتزامنت تصريحات روغوف مع تقرير نشرته صحيفة "ذا تايمز" نقلت فيه عن مصادر استخباراتية غربية قولها إن بوتين سوف يعلن قريباً عن موجة تعبئة جديدة لاستدعاء قرابة 500 ألف جندي احتياط.

ومعلوم أن بوتين أعلن عن تعبئة جزئية في 21 سبتمبر/ أيلول الماضي، تم الإعلان عن اكتمالها في 31 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، ولكن من دون مرسوم رئاسي رسمي بإنهاء التعبئة. وحسب بوتين فقد بلغ عدد الجنود الاحتياط الذين سيقوا إلى الخدمة 318 ألف جندي.

مؤشرات تدعم إعلان تعبئة جديدة

وكشف عضو البرلمان المحلي في منطقة بيسكوف الروسية، أرتور غيدوك، منذ أيام، عن تلقيه رسالة رد من ديوان الرئاسة الروسية، حول طلبه إصدار مرسوم رئاسي بإنهاء التعبئة. وقال إن ديوان الرئاسة أشار إلى أنه "في نهاية أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي انتهى توجيه إخطارات وسوق المعبئين من قوات الاحتياط، وتواصل المفوضيات العسكرية (مراكز التجنيد) تجنيد عناصر كجنود متعاقدين أو متطوعين".

ونشرت إميليا سلابونوفا، عضو البرلمان المحلي عن حزب "يابلوكو" في منطقة كيريليا (شمال غرب روسيا)، رد إدارة الرئاسة والتي جاء فيها إن بوتين لن يوقع مرسوماً بشأن انتهاء التعبئة لأنه "ليس هناك أساس قانوني لذلك".

ويتضح من إجابة ديوان الرئاسة أن التعبئة مستمرة ولم تتوقف، ولكن بأشكال مختلفة، إذ يفضّل كثير من الشبان الروس التطوع أو التعاقد مع الجيش نظراً للميزات مقارنة بالتجنيد الإجباري.

وفي لقاء مع موقع "نافالني لايف" على "يوتيوب"، أشار المحلل العسكري الروسي مايكل ناكي إلى أن وزارة الدفاع بدأت عملياً التحضير لموجة جديدة من التعبئة وتلافي الأخطاء السابقة عبر تجديد بيانات الجنود الاحتياط في مراكز التجنيد. وذكر أن المفوضية العسكرية في يكاتيرينبورغ (شرقي روسيا)، على سبيل المثال، جهزت أماكن لمبيت المجندين الاحتياط، وزادت كمية الإعلانات الطرقية للتطوع في الجيش.

وأوضح ناكي أنه لا يوجد مرسوم لإنهاء التعبئة، وبناء عليه لم يتم إنهاء عقود المتطوعين والمتعاقدين في الشهرين الأخيرين. ورجح أن يعلن الكرملين موجة تعبئة جديدة في الأيام المقبلة نظراً لتوقعات بإطلاق حملة برية جديدة على أوكرانيا في نهاية فبراير/ شباط أو مارس/ آذار المقبلين.

وحذرت تقارير أوكرانية وغربية في الشهور الأخيرة من أن روسيا تحضر لهجوم جديد على أوكرانيا من جهة بيلاروسيا، وربما بمشاركة من الجيش البيلاروسي، الذي أطلق يوم الإثنين الماضي مناورات جوية مع وحدات من الجيش الروسي تستمر حتى نهاية الشهر الحالي.

وربط خبراء بين إعلان وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو زيادة عدد القوات المسلحة إلى 1.5 مليون عسكري، بموجة تعبئة جديدة. ولفتوا إلى أن بوتين أمر في أغسطس/ آب الماضي برفع عدد القوات المسلحة بنحو 300 ألف إلى 1.15 مليون عسكري، وبعدها بشهر تم الإعلان عن إطلاق موجة التعبئة الجزئية الأولى.

استمرار التعبئة بشكل مبطن

وفي مقابل الآراء المرجحة لإعلان موجة تعبئة جديدة، رأى فريق واسع من الخبراء أن الكرملين غير معني بالإعلان عن تعبئة جديدة خشية تكرار الاحتجاجات التي رافقت الحملة الأولى خريف العام الماضي، وأنه يفضّل الاستمرار في جذب مزيد من المتعاقدين، ويراهن على زيادة عدد الجنود الذين يؤدون الخدمة الإلزامية مع رفع سن التكليف حتى 30 عاماً، إضافة إلى إقناع عدد من المكلفين بتوقيع عقود خدمة في الجيش. ومعلوم أن الجيش الروسي يستدعي مرتين سنوياً الجنود المكلفين للخدمة في الربيع والخريف، وفي كل مرة يتم سوق ما بين 120 و130 ألف عسكري للخدمة.

وتراهن القيادة العسكرية الروسية على أن توقيع المكلفين عقوداً للخدمة في الجيش يسهّل عملية إرسالهم بعد فترة تدريب صغيرة إلى ساحة الحرب في أوكرانيا. ومعلوم أن هناك قاعدة غير مكتوبة في وزارة الدفاع الروسية، يتم الالتزام بها قدر الإمكان، وهي عدم جواز إرسال الجنود في الخدمة الإلزامية إلى الخارج أو الزج بهم في الحرب. وعلى الرغم من أنه تم تجاوز هذه القاعدة إلا أن الواضح أن التجاوزات كانت محدودة وغير منهجية خوفاً من غضب أهالي المجندين.

رأى فريق واسع من الخبراء أن الكرملين يفضّل الاستمرار في جذب مزيد من المتعاقدين

ويذهب فريق آخر من الخبراء إلى أن الجيش الروسي غير قادر أساساً على استدعاء مزيد من قوات الاحتياط في الشهرين المقبلين. ويستشهدون بنقص الأسلحة والعتاد وحتى الملابس اللازمة للجنود، والتي ظهرت بشكل واضح خريف العام الماضي حين اضطر الأهالي إلى شراء أكياس النوم والملابس الدافئة لأولادهم قبل إرسالهم إلى التعبئة، وكذلك مقاطع الفيديو التي انتشرت، وتظهر فيها أسلحة فردية قديمة صدئة في أيدي المعبئين.

كما يعاني الجيش الروسي من نقص في مراكز التدريب وعدد المدربين العسكريين، ما اضطره إلى إرسال قسم من المعبئين العام الماضي إلى بيلاروسيا لتدريبهم على أيدي ضباط بيلاروس.

ومع إعلان روسيا أنها ماضية في الحرب على أوكرانيا حتى تحقيق أهدافها، والتشدد الواضح في شروط التسوية السياسية، يبدو أن موجات التعبئة ستتواصل في شكل معلن أو مبطن، ما يتسبب في موجات فرار الشباب إلى الخارج وهجرة الأدمغة والعمالة الماهرة، وتحويل الاقتصاد الروسي إلى اقتصاد حرب لتلبية احتياجات الأعداد المتزايدة من الجنود، والتعويض عن الأسلحة المدمرة، وتطوير أنواع جديدة من الأسلحة بأسرع وقت.

المساهمون