أعلنت حركة النهضة التونسية في بيان، أمس الخميس، أنها "ستكون مرنة في البحث عن أفضل الصيغ لإدارة البرلمان وضبط أولوياته وتحسين أدائه، حتى يستأنف أدواره قريباً، ويسهم في إعداد البلاد لانتخابات مبكرة تعيد الأمانة للشعب صاحب السيادة، وحتى تظلّ الانتخابات النزيهة الأساس الوحيد للشرعية السياسية".
وأضاف البيان أن "حركتنا التي سبق أن تنازلت عن الحكم من أجل المصلحة الوطنية؛ مستعدة للتفاعل الإيجابي مجدداً من أجل استكمال المسار الديمقراطي، وهذا ما نقدر أنه من معاني الوطنية. وأينما تكُن مصلحة تونس تكُن النهضة".
وشكّل البيان تحولاً كبيراً في موقف الحركة من تطورات المشهد في تونس، وكان لافتاً التشديد في البيان على "مرونة الحركة في ما يتعلق بالبرلمان" والتذكير بـ"التخلي عن الحكم كما حصل في 2013 بعد الحوار الوطني"، وقال قيادي من الحركة لـ"العربي الجديد" إن النهضة تعني كل كلمة في البيان ومستعدة لكل التنازلات من أجل إنقاذ تونس وديمقراطيتها، وحول سؤال إن كان ذلك يعني أيضاً إمكانية استقالة الغنوشي من رئاسة البرلمان؛ رد القيادي بالإيجاب، مرجحاً أن ذلك مطروح أيضاً إذا كان سيقود لتفاهمات حقيقية تعيد سير المؤسسات الدستورية، ولكن هذا لم يطرح في مؤسسات الحركة بعد، وليس أمام الحركة ولا بقية مكونات المشهد خارطة واضحة البنود للمناقشة.
ويؤكد بيان النهضة أنها مستعدة لبحث كل الصيغ الممكنة، ولكن الخط الأحمر كما أوضحه البيان هو "المسار الديمقراطي واحترام الحريات وحقوق الإنسان كما نص عليها دستور ثورة 14"، وهي منجزات دفع من أجلها الشعب التونسي التضحيات والشهداء ولا يمكن التخلي عنها تحت أي ذريعة. وقد وفّرت الديمقراطية من الطرق السلمية ما هي قادرة من خلالها على إصلاح ذاتها".
وبقرار من مجلس الشورى في دورته الأخيرة، وبتكليف من رئيس الحركة؛ أُعلن عن تشكيل لجنة لإدارة الأزمة السياسية، برئاسة عضو المكتب التنفيذي محمد القوماني. وهي لجنة ذات تفويض حصري في الملف، والجهة الرسمية الوحيدة التي تلزم الحركة ولا تلزمها أية مواقف أو مبادرات أو تصريحات أخرى ذات صلة، مهما كانت. وهي لجنة مؤقتة، تنتهي بانتهاء مهمتها، تبحث عن حلول وتفاهمات تجنّب البلاد الأسوأ وتعيدها إلى الوضع المؤسساتي الطبيعي.
وستتكوّن هذه اللجنة من وجوه شابة في أغلبها، ومعروفة بانفتاحها على الساحة وعلاقاتها مع مختلف مكوناتها، ويبدو أنها ستمنح صلاحيات مهمة في التفاوض، فيما يتساءل متابعون عن ردود الفعل التي ستقابلها اللجنة من داخل النهضة نفسها، وسط خلافات لم تعد خافية على أحد.
ويشكل البيان منعطفاً مهماً في تعامل النهضة مع قرارات 25 يوليو/تموز، (لم تسمها انقلاباً) رغم أنه لم يكن مفاجئاً في العمق. وللتذكير فقد كان المستشار الخاص لحركة النهضة، سامي الطريقي، قد نقل عن رئيسها، راشد الغنوشي، قوله: "يجب أن تصبح إجراءات 25 يوليو/تموز فرصة للإصلاح ومرحلة من مراحل المسار الديمقراطي".
وقال الطريقي لـ"العربي الجديد" ليلة انعقاد مجلس الشورى يوم 4 أغسطس/آب الماضي، إن الغنوشي قال في افتتاح المجلس: "كان علينا عدم مواصلة دعم حكومة فشلت في إدارة الأزمة، والرئيس تحمّل مسؤوليته ولكن يجب استرجاع الوضع الطبيعي والعودة إلى المؤسسات الدستورية"، مشدداً على أنه "لا يجب أن نفوّت على الشعب التونسي الأمل في التغيير".
وقال الطريقي إن الغنوشي دعا "الجميع إلى الانخراط في جهد الدولة، وقال: "نطالب الرئيس بتشكيل حكومة سريعاً والنهضة غير معنية بها، ونحن مع عودة البرلمان مع الاتفاق على طرق جديدة للعمل"، وشدد الغنوشي على أنه "لن نسمح بانطفاء شمعة تونس، ولن نسمح لأحد بزرع الفتنة، وسوف نفتح حواراً مباشراً مع الرئيس".
ويؤكد البيان أغلب هذه النقاط المذكورة، وتبقى معرفة كيف ستتفاعل الساحة السياسية التونسية مع هذا الموقف، وخصوصاً كيف سينظر الرئيس سعيّد لهذا الموضوع، وهو الذي شدّد أمس الخميس على "ألّا عودة إلى الوراء مطلقاً".