هل تتراجع الأنظمة السلطوية تحت ضغط الشارع؟

16 ديسمبر 2022
الاحتجاجات في إيران تتواصل رغم قمع السلطات (فرانس برس)
+ الخط -

يبدو أن الصينيين دفعوا حكومتهم إلى تغيير سياستها في مكافحة كوفيد-19، فيما يستمر الإيرانيون في تحدي سلطات بلدهم رغم القمع الشديد. لكن هل الأنظمة السلطوية تتراجع فعلاً، ولو قليلاً، تحت ضغط الشارع؟

يتابع الخبراء والمسؤولون الغربيون بحذر شديد هذه المستجدات الحاصلة في بلدان تعتمد أشد الأنظمة في العالم، من دون أن يقللوا من أهميتها. وتوضح آزاده كيان، عالمة الاجتماع الفرنسية الإيرانية والاستاذة في جامعة باري-سيتيه في باريس: "الضعف أصاب النظام في إيران، ونلحظ ذلك في طريقة تصرفه"، ذاكرة القمع المتصاعد مع عمليات إعدام لإسكات الشعب.

وتؤكد أن "تراجع النظام جلي" واصفة التحركات الاحتجاجية بأنها "ثورة"، وليست "تمرداً"، لشعب "اتحد ضد نظام دموي وقمعي" أغرق أكثر من نصف السكان في الفقر.

وعلى بعد آلاف الكيلومترات من إيران، يثير النظام في الصين، على ما يبدو، استياءً متعاظماً في أرجاء البلاد. ويقول لون جانغ، أستاذ الدراسات الصينية في جامعة سيرجي-باري: "لن ينهار النظام بين ليلة وضحاها، إلا أن تراجعه بدأ".

"تطلع عالمي"   

ويوضح جانغ، وهو باحث أيضاً في مركز "أغورا" للدراسات حول المجتمعات المعاصرة، لوكالة فرانس برس، أنه قد نشهد في البداية عودة الوضع ظاهرياً إلى "طبيعته"، مشدداً على أن الصينيين يطمحون إلى حرية التحرك والتنقل بعدما عاشوا "في سجن كبير مدة ثلاث سنوات".

لكنه يؤكد: "بات هناك شرخ عميق جداً"، مشيراً إلى أن السياسة الصارمة جداً المعتمدة بحجة القضاء على كوفيد وجهت ضربة للنظام "أقوى بكثير مما يظنه الغربيون".

في يناير/كانون الثاني الماضي، أشار كينيث روث، المدير التنفيذي لمنظمة هيومن رايتس ووتش، في التقرير السنوي لهذه المنظمة غير الحكومية، إلى أن "مستقبل الأنظمة السلطوية أكثر قتامة مما تبدو" عليه الحال.

وتؤكد تيرانا حسن، المديرة التنفيذية بالوكالة لهذه المنظمة، لوكالة "فرانس برس"، أن المواطنين قد يعطون الانطباع باًنهم يقبلون القوانين القمعية، "لكن القمع ينجح حتى درجة معينة، لكن في الأساس ما من أحد يرغب في العيش في ظل الاضطهاد".

ولهذا السبب، تسجل احتجاجات في دول غير إيران والصين، من بورما إلى مصر مروراً بهونغ كونغ وفنزويلا وروسيا وبنغلادش فضلاً عن تايلاند. وتضيف تيرانا حسن: "فكرة أن ما نراه في الصين وإيران مهم جداً، صحيحة".

ويرى لون جانغ أن أحداث الصين تشكل "منعطفاً تاريخياً بعد 33 عاماً على أحداث تيانان مين"، عندما نادى السكان بإصلاحات سياسية وديمقراطية تنديداً بالفساد وجرى قمعهم بشدة.

وأكدت وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا، لوكالة فرانس برس: "لا يسعني توقع نتيجة هذه التحركات الاحتجاجية في العالم، فهذا لن يكون حذراً. إلا أن هذه التظاهرات توجه رسالة قوية". وتضيف: "إنها تدحض بعنف، لكن بطريقة إيجابية، كلام الذين يقولون إن القيم الديمقراطية تتراجع، في حين أن الكلام عن أن الديمقراطيات تتراجع، وأن الناس ينجذبون إلى الأنظمة السلطوية أو يقبلون بها، ساعد وإن عن غير قصد هذه الأنظمة".

وتابعت كولونا قائلة إن المتظاهرين، أينما وُجدوا في العالم، يدفعهم "تطلع عالمي واحد إلى التمتع بالحريات الأساسية".

"ماراتون" وليس "سباق سرعة"    

لكن تيرانا حسن تبقى متحفظة حول إمكانية سقوط هذه الأنظمة، فرغم أنها غير مسبوقة، لن تؤدي التحركات في الشارع إلى تغيير فعلي في حال لم يبق المجتمع الدولي "إلى جانب هذه الشعوب طوال أسابيع وأشهر وسنوات حتى. هذا ليس سباق سرعة للمسافات القصيرة. هذا ماراتون"، وتشير حسن إلى أن التاريخ يزخر بسقوط أنظمة سلطوية يؤدي إلى قيام أنظمة سلطوية أخرى. في فنزويلا على سبيل المثال لم تنل المعارضة الشرسة من الرئيس نيكولاس مادورو.

ويمكن للمتظاهرين اليوم الاستفادة من موجة تضامن عبر العالم مع ترديد شبكات التواصل الاجتماعي صدى هذه التحركات، إلا أن هذه الشبكات قد تستحيل أيضاً أدوات قمع رهيبة في يد السلطات. وترى آزاده كيان أن على المجتمع الدولي إظهار "إرادة سياسية" أقوى لحصول تغيير في هذه الأنظمة.

وتشير إلى أن الغربيين يعتمدون الحذر في عقوباتهم مع عدم فرضها على مقربين من النظام الإيراني وأولادهم المقيمين في الولايات المتحدة وكندا ودول اخرى.

إلا أن القضية ليست بهذه السهولة، فتنبغي إقامة توازن بين التعبير عن التضامن مع المتظاهرين من دون أن يؤدي ذلك إلى تفاقم وضع السجناء الغربيين في إيران. ويرى الخبراء أيضاً أن تغيير هذه الأنظمة يتطلب إيجاد بديل سياسي في هذه البلدان.

وقلل السفير الصيني في باريس لو شاي، من جهته، من تأثير التظاهرات في بلده، ورفض أن ينسب حجم هذه التحركات إلى تطلعات ديمقراطية، واتهم أمام بعض الصحافيين "قوى خارجية بالسعي إلى تدمير البلاد وقلب الحكم الشيوعي الصيني"، عانياً بذلك الولايات المتحدة من دون أن يأتي على ذكرها.

(فرانس برس)

المساهمون