هل تتجه ميانمار نحو صراع المقرات الدبلوماسية؟

10 ابريل 2021
معارضتان للانقلاب أمام سفارة ميانمار في لندن (Getty)
+ الخط -

بعد أكثر من شهرين على انقلاب 1 فبراير/شباط الماضي في ميانمار، جاءت الأزمة بين العسكر، الذين يواجهون احتجاجات داخلية وضغوطا خارجية، وبين السفير في لندن كياو زوار مين، وعزله من منصبه يوم الأربعاء الماضي، لتظهر نوايا العسكر بقمع كل صوت دبلوماسي يمكن أن يغرد خارج سربهم، على اعتبار أن السفراء قادرون على دعم موقف المدنيين والمساهمة في تشكيل جبهة معارضة للانقلاب، خصوصاً في بريطانيا، التي استعمرت ميانمار بين عامي 1886 و1948. لكن ما جرى  طرح تساؤلات حول مدى إمكانية اندلاع حرب دبلوماسية بين العسكر في نايبيداو من جهة والسفراء الذين تم تعيينهم من الحكومة المدنية المعزولة، بزعامة أون سان سو تشي، واحتمال أن يتكرر ما جرى في فنزويلا خلال السنوات الماضية، في ما عرف بأزمة "المقرات الدبلوماسية" بعد سيطرة المعارضة على عدد من البعثات في الخارج، واعتراف الدول بشرعية ممثلي المعارضة. 


يخشى العسكر تفاقم القتال مع مجموعات عرقية في ميانمار

وذكر السفير مين أنه أمضى ليلة الأربعاء ـ الخميس في سيارته، بعد إغلاق أبواب السفارة في لندن بوجهه، مضيفاً أن الملحق العسكري لميانمار في بريطانيا طلب من الموظفين مغادرة المبنى، وقيل له (للسفير) إنه لم يعد ممثلاً للبلاد. ووصف الأحداث بأنها "نوع من الانقلاب في وسط لندن". وقال: "أُقصيت من منصبي، وهذا النوع من الانقلاب لن يحدث". والتُقطت صور للسفير وهو يقف في الشارع خارج مقر السفارة في ماي فير في العاصمة البريطانية، يتحدث إلى ضباط من شرطة العاصمة. وأفادت تقارير بأن الشرطة استُدعيت لمنع الموظفين من دخول المبنى مرة أخرى. وتجمع متظاهرون خارج مقر السفارة بعد ورود أنباء عن إغلاق أبواب السفارة أمام السفير السابق. وتولى نائب السفير، تشيت وين، منصب القائم بالأعمال في السفارة.

وكان كياو زوار مين قد دعا في مارس/آذار الماضي، إلى إطلاق سراح تشي. وقال لقناة "بي بي سي" البريطانية، إن ميانمار "منقسمة" ويمكن أن تكون معرضة لخطر حرب أهلية. وأكد أن تصريحاته لم تكن "خيانة للبلاد"، مشدّداً على أن موقفه "وسطي". وأصدرت حكومة ميانمار في وقت لاحق آنذاك بياناً قالت فيه إنها استدعته.
من جهته، دان وزير الخارجية البريطاني، دومينيك راب، ما حدث مع مين ووصفه بـ"البلطجة"، قبل أن تعلن الخارجية البريطانية، أمس الجمعة، سماحها لمين، بالبقاء فيها لحين تحديده خطواته المستقبلية بعد منعه من دخول السفارة. ونددت في بيان بـ"الطريقة التي منع بها جيش ميانمار سفير البلاد من دخول السفارة". وقدّرت "شجاعة كياو زوار مين في مساندة شعب ميانمار. وفي ظل التنمر الذي تعرّض له، نسعى لضمان عيشه بأمان في بريطانيا إلى أن يقرر مستقبله في المدى الطويل".

ومن غير الواضح بعد ما إذا كان سيتكرر ما جرى مع السفير في لندن في أي دولة أخرى، خصوصاً في تلك التي تتخذ مواقف مناهضة للانقلاب. كما أن تكرار النموذج الفنزويلي لا يبدو مرجحاً في الوقت الراهن، أخذاً بعين الاعتبار تفاوت العديد من العوامل.

في الأزمة الفنزويلية مثلاً، اعترفت أكثر من 50 دولة برئيس البرلمان السابق، خوان غوايدو، رئيساً شرعياً لفنزويلا، رغم استمرار سلطة نيكولاس مادورو، كما أن دول الجوار الفنزويلي معارضة بالكامل لكراكاس. في المقابل، يهيمن الجيش في ميانمار من دون مشاركة أي سلطة سياسية، واعتقل تشي، مباشراً محاكمتها. كما أن العسكر في ميانمار غير محاصرين إقليمياً، لسببين. أولاً، إحجام الهند عن التحوّل إلى قاعدة ضغط سياسية عليهم، وثانياً، ارتباطهم بحدود جغرافية طويلة مع الصين، التي تدعمهم. وبينما لا تواجه فنزويلا نزاعات مسلحة، عرقية أو غيرها، بل يستخدم مادورو مجموعات منشقة من "القوات المسلحة الثورية الكولومبية" (فارك)، لمواجهة كولومبيا، فإن  الجيش في ميانمار يواجه خطر نشوب صراع واسع ضد 10 حركات عرقية متمردة، كانت قد أعلنت دعمها للعصيان المدني، من دون أن تخرق وقف إطلاق النار حتى الآن. وكانت إحدى أقوى تلك الجماعات، "الاتحاد الوطني للكارين"، قد هاجمت أواخر شهر مارس/آذار الماضي معسكراً للجيش في جنوب شرقي البلاد، ما أدى إلى مقتل عشرة عسكريين. وردّ الجيش بشنّ ضربات جوية هي الأولى منذ 20 عاماً في المنطقة، موقعاً ضحايا ونازحين. كما تعاني إثنية الروهينغا في ميانمار من المجازر والتهجير.


ذكر العسكر أنهم قد يمددون حالة الطوارئ لأكثر من عام وتؤجل الانتخابات

وعلى الرغم من كل الضغوط التي يتعرض لها الجيش فإنه لا يبدي أي مؤشر على نيته تقديم تنازلات. وفي السياق، ذكر المتحدث باسم جيش ميانمار زاو مين تون، مساء أول من أمس الخميس، أن حالة الطوارئ التي فرضها الانقلابيون لمدة عام "يمكن تمديدها، وبالتالي تأجيل إجراء الانتخابات". ولم يذكر جدولاً زمنياً واضحاً للانتخابات، لكنه قال في حديث لقناة "سي أن أن" الأميركية، إن حالة الطوارئ يمكن أن تمدد لستة أشهر أو أكثر. وأضاف أنه سيتعين إجراء تصويت حر ونزيه في غضون عامين بموجب دستور البلاد، لكنه شدّد على أن "مستوى الديمقراطية في ميانمار لن يكون كما في الدول الغربية". وتطرق إلى الانتخابات التشريعية التي جرت في نوفمبر/تشرين الثاني، والتي استند الجيش إليها لتنفيذ انقلابه، معتبراً أن "هناك أدلة قوية على تزوير أصوات الناخبين"، بعد هزيمة العسكر أمام المدنيين. ولم يقدّم تون أي دليل على التزوير. وعن القمع الدموي قال إن قوات الأمن تستخدم "الحد الأدنى من القوة" ضد المتظاهرين، لكنه استدرك "سيكون هناك قتلى أثناء قمع أعمال الشغب، لكننا لا نطلق النار من دون ضوابط". مع العلم أن عدد القتلى بين المتظاهرين المناهضين للانقلاب بلغ 614 شخصاً، بحسب آخر إحصائية أصدرتها أمس الجمعة "جمعية مساعدة السجناء السياسيين" المحلية المستقلة في ميانمار.

وأصدر مجلس الأمن منذ الانقلاب 3 بيانات صحافية دان فيها استخدام العنف، لكنها خلت جميعها من أي إشارة إلى وقوع انقلاب عسكري، وذلك بسبب رفض الصين وروسيا تضمين بيانات المجلس أوصافاً من هذا القبيل، بدعوى أن "ما حصل هو شأن داخلي". في المقابل، أعلنت الأمم المتحدة، مساء أول من أمس الخميس، أن المبعوثة الخاصة للأمين العام إلى ميانمار، كريستين شرانر بورغن، ستزور دولاً بالمنطقة، في الأيام المقبلة. وذكر المتحدث الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوغاريك، أن "المبعوثة الخاصة ستبدأ رحلتها بزيارة بانكوك (عاصمة تايلاند) وستلتقي مسؤولين في البلاد، والمسؤولين الإقليميين للأمم المتحدة والسفراء المعتمدين لدى ميانمار الموجودين في بانكوك". وأضاف: "إلى جانب تايلاند، ستقوم بورغن بالتشاور بشأن زيارات لدول رابطة جنوبي شرق آسيا (آسيان) إضافة إلى دول مجاورة أخرى (من دون تحديد أسماء الدول أو عددها)". ورابطة "آسيان"، منظمة اقتصادية تضم بعضويتها: إندونيسيا، ماليزيا، تايلاند، الفيليبين، سنغافورة، بروناي، فييتنام، لاوس، ميانمار وكمبوديا.

(العربي الجديد، الأناضول، رويترز، فرانس برس)

المساهمون