تناولت صحيفة "ذا هيل" الأميركية، اليوم الأربعاء، لائحة الاتهام الموجّهة للرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، التي انتشرت أخبارها بعد اجتماع لهيئة المحلفين الكبرى في واشنطن التي عكفت على دراسة القضية، متطرقةً إلى صداها بين منافسي ترامب ومؤيديه، داخل حزبه الجمهوري وخارجه.
وكان المحقق الخاص جاك سميث قد أعلن عن توجيه اتهامات للرئيس السابق ترامب تتعلق باقتحام الكونغرس، في 6 يناير 2021، ومحاولة قلب نتائج الانتخابات الرئاسية التي أجريت في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، وفاز بها منافسه الديمقراطي جو بايدن.
وتقول الصحيفة إن سميث اتهم، في ظهور قصير أمام الكاميرا، ترامب بدفاع كاذب يهدف إلى "عرقلة وظيفة أساسية للحكومة الأميركية؛ عملية جمع الأمة، وفرز نتائج الانتخابات الرئاسية والتصديق عليها". كان ترامب قد توقع في السابق لائحة الاتهام، وانتقد سميث مراراً وتكراراً.
وأشارت الصحيفة في تقريرها إلى أن القضية الجديدة تضاف الآن إلى اتهامين سابقين. يتعلق أحدهما بتزوير مزعوم لسجلات الأعمال في نيويورك. وتركز الثانية على الوثائق الحساسة المحفوظة في مارالاغو بعد انتهاء رئاسة ترامب.
وعلى ذلك، يواجه ترامب أربع تهم، وهي: التآمر للاحتيال على الولايات المتحدة، والتآمر لعرقلة إجراء رسمي، وعرقلة ومحاولة عرقلة إجراء رسمي، والتآمر على الحقوق.
وأوضحت الصحيفة أن العقوبة القصوى لكل جريمة من الجريمتين المزعومتين المتعلقتين بعرقلة إجراء رسمي، هي 20 عاماً في السجن، أما المؤامرة ضد الحقوق فيعاقب عليها بالسجن لمدة أقصاها 10 سنوات، في حين أن تهمة التآمر يعاقب عليها بالسجن لمدة أقصاها خمس سنوات.
حاول المدعون تفصيل الأجزاء المكونة للمؤامرة المزعومة، فأشاروا إلى الضغط على مسؤولي الدولة لتغيير النتيجة القانونية للانتخابات، وإلى محاولة لدفع قوائم الناخبين غير الشرعية المؤيدة لترامب، ومحاولة لاستخدام وزارة العدل لـ"إجراء تحقيقات زائفة في جرائم الانتخابات"، ومحاولات لدفع نائب الرئيس آنذاك، مايك بنس، للمساعدة في إحباط التصديق على النتائج المشروعة، وإلى الإجراءات التي تهدف إلى إقناع أعضاء الكونغرس بمزيد من التأخير في التصديق مباشرة بعد أعمال الشغب، في 6 يناير 2021، في مبنى الكابيتول.
وينفي ترامب ارتكاب أي مخالفات، لكن خطورة الأمر بديهية، بحسب الصحيفة، كما أنها المرة الأولى التي يواجه فيها ترامب عقوبة جنائية على أفعاله في 6 يناير.
تبرز الصحيفة سعي سميث للضغط بشدة لإثبات أن ترامب كذب عمداً. في المقابل، سيزعم حلفاء ترامب أنه يعتقد بشكل شرعي أن الانتخابات كانت مزورة، وأن ترامب رأى في الجهود المبذولة لقلبها تصحيحا للخطأ.
في المقابل، يسعى المدعون العامون إلى تقديم مثل هذه القضية في لائحة الاتهام، فهم يؤكدون أن ترامب "تم إخطاره مراراً وتكراراً بأن ادعاءاته غير صحيحة، غالباً من قبل الأشخاص الذين اعتمد عليهم للحصول على مشورة صريحة بشأن الأمور المهمة، والذين كانوا في وضع يمكنهم من معرفة الحقائق".
ويشمل المدعون العامون في تلك القائمة، بنس، و"كبار قادة وزارة العدل"، وكبار محامي البيت الأبيض، وأعضاء كبارا في فريق حملة ترامب الانتخابية لعام 2020 ، من بين آخرين كثر.
كان ترامب قد اتهم سميث عبر "تروث سوشال"، قبل نشر لائحة الاتهام مباشرة، بأنه كان يدفع هيئة المحلفين الكبرى للموافقة على التهم الآن، لأن المحقق الخاص أراد" التدخل" في انتخابات 2024. وتذكّر الصحيفة، بأن ترامب وصف ذلك بأنه سوء سلوك للنيابة العامة.
الأكثر إثارة للجدل، برأي الصحيفة، هو البيان الذي أصدرته حملة ترامب، والذي نشره في "تروث سوشال"، وأكد أن التحقيقات القانونية التي يواجهها "تذكرنا بألمانيا النازية في عقد 1930". أثارت المقارنة جدلا فورياً.
وكان البيان الصادر عن حملة ترامب قد قال: "إن حالة انعدام القانون التي تعرض لها الرئيس ترامب وأنصاره تذكرنا بألمانيا النازية في الثلاثينيات، والاتحاد السوفييتي السابق، والأنظمة الاستبدادية والديكتاتورية الأخرى، لقد امتثل الرئيس ترامب دائماً للقانون والدستور بمشورة العديد من المحامين المتميزين".
تنوه الصحيفة بما كتبه جوناثان غرينبلات، المدير الوطني والرئيس التنفيذي لرابطة مكافحة التشهير، في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي، من أن أي محاولة لرسم مثل هذا التشابه كانت "مخزية".
وقال غرينبلات أيضاً، إن عقد تلك المقارنة كان "غير صحيح من الناحية الواقعية، وغير مناسب وهجوميا تماماً".
انقسم منافسو ترامب في الحزب الجمهوري بسبب الرد.
تتابع الصحيفة أن ترامب يمسك زمام المبادرة في الانتخابات التمهيدية الرئاسية للجمهوريين، وقد كافح جميع منافسيه من أجل التحشيد ضده، وأن لائحة الاتهام الجديدة تضع أمامهم معضلة سياسية، فهناك ضرورة لفصل أنفسهم عن ترامب، إذا كان لديهم أي فرصة حقيقية لهزيمته. ولكن هناك أيضاً مخاطر في تنفير الناخبين الجمهوريين الذين احتشدوا حول الرئيس السابق في أعقاب لائحة الاتهام السابقة.
حاكم فلوريدا رون ديسانتيس (يمين)، الذي يحتل المركز الثاني في استطلاعات الرأي بعد ترامب تقريباً قد سعى، بحسب الصحيفة، إلى التركيز على الدفع لنقل المحاكمة من واشنطن، مدعياً أنه سيكون "غير عادل" لترامب "أن يحاكم أمام هيئة محلفين تعكس عقلية المستنقع".
تبين الصحيفة أن بيان ديسانتيس احتوى أيضاً على تحوط ملحوظ، وادعى أنه ليس من الضروري قراءة لائحة الاتهام، أما بنس فترى، الصحيفة، بأنه قد وضع خطاً أكثر وضوحا لترسيم الحدود بينه وبين ترامب، حين قال إن لائحة الاتهام تقدم "تذكيراً" بأن "أي شخص يضع نفسه فوق الدستور يجب ألا يكون أبداً رئيسا للولايات المتحدة".
تذهب الصحيفة إلى رصد ردود أفعال متباينة، ففي حين يعلن رجل الأعمال فيفيك راماسوامي أنه سيعفو عن ترامب إذا أصبح رئيساً، يقول حاكم ولاية نيوجيرسي السابق كريس كريستي (يمين) إن ترامب "جلب العار لرئاسته". أما بعض المنافسين فردوا على لائحة الاتهام بصمت واضح، عكس ربما الديناميكيات المحيرة للانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري.
وتعتقد الصحيفة أن القضية ثقيلة، لكن تأثيرها على الحزب الجمهوري الأساسي قد يكون خفيفاً، فلا يوجد دليل على الإطلاق على أن لوائح الاتهام السابقة لترامب قد أضرت به بين الناخبين الجمهوريين، وليس هناك سبب كبير للاعتقاد بأن هذا سيكون مختلفاً.
في استطلاع للرأي نشرته صحيفة نيويورك تايمز وكلية سيينا، يوم الاثنين، اعتقد 17 في المائة فقط من الناخبين الجمهوريين، وذوي الميول الجمهورية أن ترامب ارتكب "جرائم خطيرة"، في أي من الأمور التي حقق فيها المحققون.
وفي استطلاع للرأي أجراه خبير اقتصادي، الأسبوع الماضي، أكد 70 في المائة من الجمهوريين، أن فوز بايدن في عام 2020 لم يكن مشروعاً.
الجمهور العام هو مسألة مختلفة، بطبيعة الحال، بحسب "ذا هيل"، ففي استطلاع "الإيكونوميست"، أقر ثلثا البالغين من المستطلعين بأن فوز بايدن كان مشروعاً، بما في ذلك 68 في المائة من المستقلين. وأظهر الاستطلاع نفسه أن الجمهور يعتقد بشكل عام، بنسبة متواضعة تتراوح بين 33- 43 في المائة بأن ترامب قد خالف القانون في 6 يناير.
وختمت "ذا هيل"، بأنه عندما يتعلق الأمر بالحزب الجمهوري، فهناك خلاصة قاطعة: "ترامب هو المفضل القوي، صباح الأربعاء، كما كان قبل 24 ساعة".
يشار إلى أن وزارة العدل الأميركية أصدرت أمر استدعاء بحق الرئيس السابق للمثول أمام المحكمة الفدرالية في واشنطن في 3 سبتمبر/أيلول المقبل، لمواجهة هذه التهم الجديدة.
ويأتي توجيه الاتهامات الجديدة للرئيس السابق إثر تحقيق أشرف عليه المدعي الخاص جاك سميث، الذي سبق أن وجه اتهامات لترامب بإساءة التعامل مع وثائق سرية. والشهر الماضي، أمرت القاضية الفدرالية الأميركية إيلين كانون ببدء محاكمة ترامب في قضية الوثائق السرية في منتصف مايو/أيار 2024.