خرجت مجموعة من المواطنين التونسيين، عشية السبت الماضي، إلى الشارع الرئيسي في العاصمة تونس، شارع بورقيبة، لتعلن تأييدها للرئيس التونسي قيس سعيد وترفع بعض شعارات مشروعه السياسي.
هذه المجموعة التي لم تكن كبيرة (300 شخص على الأكثر بحسب الحضور) جاءت من مدن تونسية عديدة، وربما منعت رداءة الأحوال الجوية كثيرين من الالتحاق بها، كما كان يشير المنظمون على صفحات التواصل الاجتماعي، ولكنهم اختاروا بعناية موعد تجمعهم الذي يتزامن مع الاحتفال بالعيد الوطني (عيد الاستقلال) يوم 20 مارس/ آذار.
هذه الوقفة الأولى من نوعها، التي سبقتها وقفة صغيرة عابرة أمام منزل الرئيس في حيّ المنيهلة، كانت بوضوح مساندة لسعيد، دعا المشاركون فيها إلى حل البرلمان واستقالة حكومة هشام المشيشي ومحاسبة مختلف الأحزاب السياسية التي "تجاوزت القانون".
وطالب المحتجون، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء التونسية، "بتركيز الحكم الشعبي الذي ينطلق من الجهات والمحليات"، لأنّ النظام الحالي "همّش وفقّر مختلف أفراد الشعب التونسي، في حين أنّ الأحزاب منهمكة في معارك سياسية بعيدا كل البعد عن القضايا التي تم انتخابهم من أجلها".
وردد المحتجون شعارات "الشعب يريد حل البرلمان" و"الشعب يريد استقالة الحكومة" و"يا رئيس فيق فيق (انتبه) خرج شعبك من الضيق"، ودعوا إلى تغيير النظام السياسي من برلماني إلى رئاسي.
ولم تتبرأ الرئاسة من هذه الوقفة ولا من الشعارات التي رفعتها، على عكس ما كانت أعلنته بداية مارس/ آذار الحالي، عند الإعلان عن حزب جديد يحمل اسم "الشعب يريد" (الشعار الانتخابي للرئيس التونسي). وقالت آنذاك إنّ الرئيس التونسي لم يكن وراء تكوين أي تنظيم حزبي ولا نية له في ذلك.
وقال بيان الرئاسة "يهم رئاسة الجمهورية أن تؤكد مجدّداً أنّ رئيس الجمهورية لم ينتم لأي حزب ولم يكن وراء تكوين أي حزب ولا نية له على الإطلاق في إنشاء تنظيم حزبي"، مضيفاً "ليس لأي كان الحق في أن يحشر رئيس الدولة في أي تنظيم مهما كان شكله".
وتلتقي هذه الدعوات مع الشعارات التي رفعها الرئيس التونسي أثناء حملته الانتخابية، أو في بعض مواقفه وتصريحاته اللاحقة، حيث اعتبر، بداية العام، في كلمة إلى التونسيين، أنّ "النظام السياسي التونسي في حاجة إلى لقاح من صنف جديد لكن غير مستورد، ويعيد للثورة وهجها ولتونس ومؤسساتها عافيتها، تصور يقوم على تحقيق الأهداف التي سقط من أجلها الشهداء، ويحقق ما يطالب به من لا يزالون يئنون من الجراح والبؤس والفقر".
وأضاف "المنظومة القديمة ما زالت تشتغل كما كانت منذ عقود، والمنظومة الحالية هي من السلالة نفسها، وهي كجائحة كورونا التي تطورت وأفرزت سلالة من الجنس نفسه".
وعبّر سعيد عن امتعاضه من الوضع الحالي قائلاً "لم يكن من اليسير العمل في مثل هذه الأوضاع، بل كان القلب يعتصر وينزف الدمّ والألم، خاصة حين تستمع إلى أنّات أبناء شعبنا في كل مكان نتيجة للتفقير والتجاهل والتنكيل، وأشعر في بعض الأحيان بأنني من كوكب آخر حين استمع إلى المغالطات والافتراءات، ومع ذلك ظللت صامداً ثابتاً رغم الشعور المستمر بالألم والمرارة، كما أن الأوضاع ازدادت تعقيداً مع التلاسن والشجار والعنف داخل قصر باردو (البرلمان) حتى سالت فيه الدماء".
وخلال تكليفه المشيشي بتشكيل الحكومة الجديدة، قال سعيد بوضوح إنه "يحترم الشرعية، لكن آن الأوان لمراجعتها حتى تكون بدورها تعبيراً صادقاً وكاملاً عن إرادة الأغلبية".
وجاء رد رئيس البرلمان راشد الغنوشي على هذه الدعوات بأنه "لا سبيل اليوم لحل البرلمان مهما كانت الأسباب".
وأوضح في ندوة سياسية، الأحد، بمناسبة العيد الوطني، أنه "لا سبيل قانونياً ودستورياً لحل البرلمان، ولا يمكن حلّه إلا في صورة عجزه عن إنتاج حكومة وتزكيتها"، مشدداً على أنّ "الشعب التونسي، الذي سال دمه من أجل الاستقلال وتأسيس برلمان وطني، لا يمكن أن يسمح بأن يتحكم فيه لا زيد ولا عمر".
وتطرح هذه الدعوات الجديدة والخروج إلى الشارع أسئلة حول ما إذا كان أنصار الرئيس سعيد قد بدأوا في الإعلان عن مشروعه السياسي.
ويرى المحلل السياسي قاسم الغربي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ "هذه الدعوات تعبر في الحقيقة عن مأزق سياسي، صحيح أنّ مشروع سعيد معروف، ولكنه لم يكن بهذا الوضوح الذي تعبر عنه في الحقيقة بعض الأطراف التي تتبنى توجهاته وليس هو شخصياً".
وأضاف الغربي أنه واكب بعض هذه الدعوات والوقفة المطالبة بتغيير النظام إلى رئاسي، معتبراً أنها "ليست بالكثافة التي يمكن من خلالها الحديث عن مشروع سياسي جديد، ولكنها تعبر عن توجه موجود في ذهن سعيد".
ولفت إلى أنّ "الأزمة السياسية متواصلة، وسيتواصل معها انسداد الأفق السياسي رغم دعوات الاتحاد العام التونسي للشغل لحوار وطني، ولكن تم رفض أي إمكانية للحوار".
وتستمر الأزمة السياسية في تونس بعدما قدّم المشيشي قائمة لتعديل وزاري تضم 11 حقيبة إلى البرلمان، لكن على الرغم من تمرير البرلمان التعديل الوزاري، إلا أن الرئيس التونسي قيس سعيد رفض أداء الوزراء الجدد اليمين أمامه، بسبب ما وصفه بشبهات فساد وتضارب مصالح بشأن عدد منهم، على الرغم من عدم وجود أي دليل قضائي، أو اتهامات رسمية، على ذلك، الأمر الذي عطّل التعديل الوزاري حتى الآن.
ومضى الغربي قائلاً "نتابع قلق اتحاد الشغل من هذا المأزق من خلال تصريحات عدد من قياديه، فهي تعبر عن قلقهم من الموقف غير المنتظر للرئيس التونسي الذي رفض جل الدعوات لعقد حوار وطني، إلى جانب الأزمة داخل الجهاز التنفيذي للسلطة بين رئيس الجمهورية والحكومة".
ورأى الغربي أنه "حتى لو انطلق سعيد في مشروعه السياسي، فإنّ السؤال سيبقى عن إمكانيات تنفيذ هذا المشروع، بمعنى أنه مضطر للمرور بالآليات الدستورية"، مضيفاً "حتى لو افترضنا أنّ لديه كتلة برلمانية تسانده، ولكن واقعياً هي غير موجودة، وحتى الكتلة التي يفترض أنها تدعمه (الكتلة الديمقراطية المتكونة من التيار الديمقراطي وحركة الشعب) تتجه نحو أزمة ما سمي بالتسريبات الأخيرة، والتي أحدثت أزمة داخل التيار الديمقراطي والكتلة الديمقراطية ككل".
وبحسب المحلل السياسي، فإنّ الرئيس التونسي "غير قادر برلمانياً على تمرير أي مشروع، وسيطرح السؤال مستقبلاً بشكل عكسي، أي عوض ماذا يريد سعيد؟ هو ماذا لا يريد سعيد؟ وهي الطريقة التي سنفهم بها مشروع الحركة السياسية لرئيس الجمهورية".
وأكد الغربي أنّ "تونس مقبلة على انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية، ولو فرضنا أنه تم ترشيح الأعضاء الثلاثة المتبقين من عهدة البرلمان، فهل سيمضي الرئيس على تعيينهم؟ وهل سيقوم بتعيين الأعضاء الأربعة الآخرين الذين هم في عهدته؟ وبالتالي هناك ضبابية كبيرة في المشهد السياسي حالياً، خاصة في ظل معركة كسر العظام، لأنّ كل طرف يريد السيطرة على الوضع، سواء كان ذلك على المدى المتوسط أو البعيد".