سلطت صحيفة "وول ستريت جورنال" الضوء على التغيير الحاصل في تعاطي القوات الروسية مع ميدان الحرب في أوكرانيا، من الهجوم الواسع في الأسابيع والشهور الأولى على مشارف العاصمة كييف إلى التراجع إلى خطوط دفاعية محصنة في الشرق، مما أوحى أن موسكو تعلمت من أخطاء البدايات التي كلفتها ثمناً باهظاً.
ومما لا شك فيه أن الحرب شهدت تحولاً بارزاً من هجوم روسي ودفاع أوكراني إلى العكس تماما، حيث تقف القوات الروسية منذ شهور في موقف دفاعي أمام الهجوم الأوكراني المضاد.
ووفقا للصحيفة، فإن هذا التحول يشير إلى أن "الجيش الروسي تكيف في ساحة المعركة وتحول إلى استراتيجية إنهاك أوكرانيا والغرب"، واتبع نهجاً يصعب طرد القوات الروسية من الأراضي التي احتلتها في الشرق.
وهذا التغير يمكن ملاحظته في عدة تكتيكات روسية خلال التصدي للهجوم الأوكراني المضاد على وجه الخصوص، وخلال إعادة روسيا لملمة قواتها ومعداتها التي كانت هدفا سهلا للقوات الأوكرانية في المرحلة الأولى من الحرب.
وقالت الصحيفة إن "موسكو أمضت أشهراً في إعداد دفاعات هائلة قبل الهجوم الأوكراني المضاد الحالي في الجنوب. وتقوم أيضًا بنشر طائرات بدون طيار لاستهداف المواقع الأوكرانية ومهاجمتها بطريقة كافحت كييف للرد عليها".
ونقلت الصحيفة عن محللين ومسؤولين غربيين قولهم إن "روسيا استنفدت قدرتها الهجومية في الوقت الحالي وتفشل في تحقيق مكاسب جديدة في أجزاء من شرق أوكرانيا حيث لا تزال تحاول المضي قدمًا". ومع ذلك، يُظهر الجيش الروسي بعض القدرة على التعلم من الأخطاء المبكرة، وفق الصحيفة.
تغير التكتيك الجوي
وفي سبيل تلافي الأخطاء الأولى عندما "حلقت الطائرات الحربية الروسية بين أسنان الدفاعات الجوية الأوكرانية وتكبدت خسائر فادحة"، عمدت موسكو على تغيير النهج كليا في موقفها الدفاعي الحالي، وفق الصحيفة.
وقال الجنرال جيمس هيكر، القائد الأعلى للقوات الجوية الأميركية في أوروبا في حديث للصحيفة: "إنهم الآن لا يطيرون على ارتفاع منخفض. وإن فعلوا ذلك فإنهم يطيرون للحظات سريعة جدًا ثم يعودون للخارج".
وذكرت الصحيفة أن الروس أضافوا قدرات توجيهية إلى القنابل القديمة التي يطلقونها من الطائرات التي تحلق خارج نطاق الدفاع الجوي الأوكراني، بما في ذلك الطائرات التي تحلق فوق الأراضي الروسية، في مسعى لتعويض القدرة على الاستهداف عند التحليق فوق الهدف بحرية.
وحسب الصحيفة، نقلت روسيا مواقع القيادة والعديد من مستودعات الذخيرة بعيدًا عن الخطوط الأمامية بعدما ضربتها أوكرانيا باستخدام قاذفات "هيمار" المقدمة من الغرب، والتي تطلق صواريخ موجهة يصل مداها إلى 50 ميلًا تقريبًا.
تحصين الجنود والقوة البرية
وبينما تلقت موسكو خسائر جوية في بدايات الحرب، تكبدت أيضا طوابير الدبابات غير المحمية خسائر باهظة، كلفتها عشرات الآلاف من الجنود، حسب الصحيفة.
لكن ذلك الخطأ أعادت موسكو إصلاحه في موقفها الدفاعي الحالي، من خلال بناء خنادق عميقة شديدة التحصين، وإخفاء الدبابات وناقلات الجند المدرعة في خطوط الأشجار وتحت شبكات التمويه، والقيام بطلعات جوية لإطلاق النار على المواقع الأوكرانية قبل الانسحاب بسرعة.
وقال أولكسندر سولونكو، وهو جندي في كتيبة استطلاع جوي أوكرانية للصحيفة: "إذا قارنا هذا ببداية الغزو، فإن الفرق هائل. لقد رشوا الحقول بالألغام ونصبوا كل أنواع الفخاخ. لقد فعلوا ذلك بشكل جيد".
الاعتماد على المسيّرات
ومن ضمن التغييرات التكتيكية، لوحظ أن الروس زادوا من استخدام الطائرات بدون طيار والقنابل الموجهة لصد الهجوم الأوكراني في الجنوب. وقالت الصحيفة إن "الطائرات بدون طيار المتفجرة تصطدم بالمركبات المدرعة الأوكرانية وعربات الإخلاء الطبي والمشاة، مما يؤدي إلى تعطيل المركبات وقتل وتشويه القوات".
ونقلت الصحيفة عن يوري بيريزا، قائد فوج أوكراني يقاتل في الشرق، إن أسراباً كاملة من الطائرات المسيّرة تنشط في السماء، بعكس بدايات الحرب، مضيفا: "عندما بدأنا قتالهم قبل عام ونصف، كانوا يلقون بالناس على كل شيء، ويخسرون الآلاف. الآن يحاولون اللحاق بنا من الناحية التكنولوجية. وهم يتعلمون بسرعة".
وفي الجانب الآخر، تنجح موسكو في إلحاق خسائر باهظة في قطاع الطائرات بدون طيار الأوكرانية، وتنقل الصحيفة عن القوات الأوكرانية في باخموت أنها تفقد العشرات من الطائرات بدون طيار يوميا بسبب معدات التشويش الروسية.
كما قدر تقرير حديث صادر عن مركز أبحاث في لندن، أن أوكرانيا تخسر حوالي 10 آلاف طائرة بدون طيار شهرياً، بسبب الحرب الإلكترونية الروسية، حسب الصحيفة.
وجنبا إلى جنب، يتكيف الجيش الروسي مع هجمات الطائرات بدون طيار الأوكرانية التي تستهدف القواعد الروسية، من خلال توزيع الطائرات على المزيد من المطارات، ووضع الإطارات على الأجنحة وجسم قاذفات القنابل في بعض القواعد.
زيادة الإنتاج الدفاعي رغم العقوبات
من جانب آخر، أشارت الصحيفة إلى "تكيف آلة الحرب الروسية في الداخل أيضًا"، لافتة إلى أنها تمكنت من الحفاظ على الإنتاج الدفاعي لبعض العناصر وحتى زيادته على الرغم من العقوبات.
وقال مسؤول غربي للصحيفة إن "روسيا يمكن أن تنتج نحو 100 دبابة سنويا، لكن الإنتاج الفعلي للدبابات يقترب من 200 سنويا الآن"، مشيرا في هذا الصدد إلى أن روسيا فقدت أكثر من 2000 دبابة خلال الحرب.
وأضاف المسؤول أن الغرب يعتقد أن روسيا قد تكون قادرة على إنتاج نحو مليون قذيفة مدفعية سنويا.
وذكرت وكالة "بلومبيرغ نيوز"، الجمعة، أن روسيا تخطط لزيادة كبيرة في الإنفاق الدفاعي العام المقبل، ليرتفع إلى 6 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي من 3.9 بالمائة في 2023، و2.7 بالمائة في 2021.