هكذا يبدو الوضع في أحياء العاصمة الليبية بعد توقف الاشتباكات

16 اغسطس 2023
انتشرت عشرات الوحدات التابعة للشرطة والأمن في مفاصل الطرقات (Getty)
+ الخط -

بعدما ساد الهدوء الحذر جميع أحياء العاصمة الليبية طرابلس، التي شهدت اشتباكات ضارية منذ مساء الاثنين بين اللواء 444 وجهاز الردع، جرت استعدادات من نوع آخر، اعتادها الليبيون عامة والطرابلسيون بشكل أخص، لكن الفارق أن هدفها إنقاذ الأنفس لا إزهاقها.

ومنذ منتصف ليل البارحة انتشرت عشرات الوحدات التابعة للشرطة والأمن العام التابعة لوزارة الداخلية في مفاصل الطرقات في منطقتي الفرناج وعين زاره، للإشراف على تسيير حركة المارة، وتسير في ذات الوقت دوريات متحركة داخل أحياء المنطقتين لتأمينها.

وفي حي طريق الشوك بمنطقة الفرناج، الذي جرت فيه إحدى أقوى جولات الاشتباك، استعد مروان الزليطني، منذ بدء تدفق طلائع السلاح والمسلحين لترك منزله، بسبب خبرته كما يقول، كونه عاصر أحداث عدوان مليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر على طرابلس طيلة عام ونصف.

ويقول الزليطني، الذي عاد إلى بيته صبيحة توقف الاشتباكات، "نقلت أسرتي مبكرا بسيارتي، لكن لفجائية الأمر لم أتمكن من نقل كافة أمتعتي ومنها سيارتي الأخرى، التي نجت من شظايا القذائف كما لم ينجُ أي شيء في محيط عمارتي".

وأضاف في حديث لـ"العربي الجديد": "عمارتي السكنية كنت أعلم ويعلم جميع جيراني أن وقوعها ملاصقة للمركز الطبي لن يحميها طابعه الإنساني حتى وإن كان من أكبر مراكز العاصمة الطبية، فقد كان موقع أحد الحواجز الأمنية قريبا جدا، ومن المتوقع أن يتصارع الطرفان للسيطرة عليه، وهو ما حدث".

لكن خلفية الزليطني بالاشتباكات وآثارها لم تنقذ شقته التي كسر المسلحون بابها ليتخذوا من شرفتها مكانا للقنص وإطلاق النار، وهو ما تنبه له جاره الحاج سليمان الدوكالي، الذي عاد إلى شقته بعد أن أوصل أسرته رفقة فرق الإنقاذ، التي تمكنت في أكثر من مرة من فتح معابر لمرور الأسر والمدنيين.

ويقول الدوكالي لـ"العربي الجديد": "كان المسلحون يتحاشون الشقق التي يوجد فيها أصحابها، فيما خلعوا أبواب الشقق الفارغة للتمترس فيها أو على أسطح العمارات".

وعن ظروف بقائه في شقته أثناء اشتداد الاشتباكات يقول الدوكالي "عند رجوعي أخذت معي ما أستطيع حمله من مؤن تكفيني ليومين، فالاشتباكات كالعادة لا تزيد عن يومين، أما الذي لم أحتط له هو انقطاع الكهرباء ومن ثم المياه، علاوة على انتهاء شحن هاتفي، الذي كان الوسيلة الوحيدة التي أطمئن بها زوجتي وأولادي في مكان نزوحهم".

أسفل "العمارات الطبية" في حي طريق الشوك، التي دارت في جنباتها رحى أكثر الاشتباكات ضراوة تظهر آثار الحرب بشكل واضح، كتكسر زجاج الشقق وآثار طلقات الرصاص، وفي أعلى العمارات حيث كان يتمترس القناصة آثار ضربات قوية، بالإضافة لأضرار واسعة في سيارات سكان العمارات المركونة أسفلها.

آثار شاهدة على الحرب

وتمكنت شركة الأشغال العامة التي كلفتها الحكومة بتنظيف الطرقات في منطقتي الفرناج وعين زاره ليل البارحة إثر انتهاء الاشتباكات من إخفاء أكثر آثار الاشتباكات، كفتح الطرقات ونقل تراب السواتر، وجر السيارات المتضررة، لكن الآثار الأخرى في واجهات المنازل والمحال التجارية بقيت دالة على فصل من فصول الحروب، التي لا تفتأ تظهر كل مرة في حي من أحياء العاصمة.

ويشير عبد الحكيم انبيص، إلى أن مظهر الحياة الوحيد صبيحة توقف الاشتباكات هو عودة الأسر النازحة لتفقد منازلها وممتلكاتها، لكن أغلبها سترجع خلال ساعات إلى أماكن نزوحها بسبب استمرار انقطاع الكهرباء والمياه عن أجزاء كبيرة في منطقتي الفرناج وعين زاره.

وحول الخسائر البشرية يقول انبيص، وهو أحد مخاتير محلات الفرناج، "في الفرناج توفي مدني واحد بسبب رصاصة عشوائية، أما المصابون فالتقديرات تشير إلى أنهم لا يزيدون عن 15 مصابا بسبب الرصاص المتطاير أثناء عمليات النزوح"، مستدركا "معلوماتنا من فرق الإسعاف أن الإصابات بين الخفيفة والمتوسطة، وأكثر أصحاب الإصابات الخفيفة غادروا المستشفيات".

وفيما تعكس معلومات انبيص أن أكثر القتلى والمصابين الذين بلغ عددهم في إحصاء أولي 27 قتيلا وأكثر من 106 مصابين، هم في صفوف المسلحين، سيما وأن الفرناج هي المسرح الرئيسي للاشتباكات، يعلق الدوكالي بشكل مختلف قائلا "لا أوافق على وصفهم بالمسلحين فهم شباب أغلبهم من خريجي الجامعات أجبروا على الانخراط في المجموعات المسلحة بسبب قفل أبواب التوظيف وفرص العمل أمامهم، فمن راح منهم ضحية في هذه الحروب يجب أن يصنف على المدنيين".

ووفقا لشهادة الدوكالي فقد رأى "بعض المسلحين من لا يعرف حتى التعامل مع البندقية، ومنهم من دق أبواب الشقق يطلب ماء ليشرب لعدة مرات قبل أن يفصح عن مراده بأنه يطلب إخفاءه من قادته الذين يشرفون على المقاتلين ويجبرونهم على القتال".

ويتابع "كانت فرحة هؤلاء الشباب كبيرة ولقد تعالت أصواتهم عند إعلان الحكومة انتهاء الاشتباكات، ويقيني كبير بأن الشباب المسلح في الطرف الآخر كانوا يفعلون ذات الأمر"، مضيفا "شبابنا زج بهم في الحروب، والمسؤول هم القادة والحكام".

وفي عين زاره قريبا من مقر تابع لجهاز الردع، حيث دارت إحدى أكبر معارك الاشتباكات على خلفية اقتحام المقر من قبل مسلحي اللواء 444 قتال، بدأت لجان حصر الأضرار في جمع إفادات السكان المتضررين، ومنهم فرج الربيعي، الذي احترقت أجزاء من محله الصغير.

وعلى الرغم من أن محل البقالة الصغير هو كل ما يملكه الربيعي ويمثل مصدر رزقه الوحيد، إلا أنه عبر عن فرحته في ذات الوقت لنجاته وأسرته من أضرار محققة "لو بقينا في منزلي"، مشيرا إلى استشعاره بوقوع منطقته في خط نار الاشتباكات بسبب وجود مقر لجهاز الردع داخل الحي السكني في عين زاره.

 وقال الربيعي متحدثا لـ"العربي الجديد" إن "المحن التي عشناها أكسبتنا دراية بكيفية التعامل مع الحرب، صحيح أنني مدني ومواطن لا أملك من أمر بلادي شيئا فلا يمكنني منع مسلحين من اتخاذ مقر وسط مساكننا، لكنني وجيراني لدينا القدرة على استباق أي حدث باحترازات عديدة منها النزوح ونقل أمتعتنا".

خروج عن المألوف

لكن الأوضاع في بعض المناطق خرجت عن المألوف في التعامل مع هذه الأحداث، ففي منطقة سوق الجمعة، حيث تقع قاعدة معيتيقة المقر الرئيس لجهاز الردع، خرج عشرات من شباب المنطقة، الاثنين ليلا، لإقفال الطرقات بالأعمدة الخشبية وإحراق إطارات سيارات مستعملة أمام عربات مسلحة تابعة لجهاز الردع، بل ورشق بعض العربات المارة في الطرقات الجانبية بالحجارة مطالبين بوقف القتال.

ولاقى الحدث ثناء واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث شبه بعض المعلقين ما يقوم به شباب حي سوق الجمعة بما يقوم به الشباب الفلسطيني أمام عربات قوات الاحتلال الإسرائيلي.

وكعادة كل الحروب والاشتباكات والمناوشات المسلحة التي تكرر حدوثها في أكبر مدينة ليبية، يلازم تصوير العالقين داخل مناطق التوتر مظاهر الاشتباكات وإرسالها الى المنصات النشطة على مواقع التواصل الاجتماعي.

وباتت تلك المقاطع المصورة بمثابة نشرة محلية بأخبار عاجلة، لكن ما إن تتلقفه منصات التواصل حتى يدخل في دائرة من التوظيف متعدد الأشكال والأغراض، حيث يتعامل البعض مع المقطع كمحتوى إخباري، وأحيانا يتم بربطه لصالح أحد الطرفين، أو للتوظيف السياسي، كوصف السلطات في طرابلس بالعجز وضرورة مغادرتها للمشهد.

أما في المناطق المحاذية لمناطق التوتر والاشتباكات فتسود في أوساط السكان مخاوف تضطرهم للمسارعة إلى التبضع والاستعداد للنزوح، بالإضافة للازدحام على محطات البنزين لشراء الوقود لمولدات الكهرباء الخاصة تحسبا لانقطاع الكهرباء.