هجوم ترامب على ماكونيل: تدشين المعركة داخل الحزب الجمهوري

18 فبراير 2021
انفرط عقد تحالف المصالح بين ترامب وماكونيل (وين ماكنامي/Getty)
+ الخط -


أطلق الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، أول من أمس الثلاثاء، إشارة قوية إلى عزمه أن يكون مقاتلاً شرساً ولاعباً أساسياً، في معركة الانتخابات النصفية للكونغرس في عام 2022، وأعطى علامة واضحة على أنه لن يسعى أبداً إلى لعب دور إيجابي وموحّد في السجال والانقسام غير المسبوق، والدائر داخل الحزب الجمهوري، لجهة مساره بعد ترامب. وشنّ الرئيس السابق هجوماً عنيفاً، وشخصياً، على زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل، الذي كان برّأه من تهمة التحريض على اقتحام أنصار الرئيس الكونغرس في 6 يناير/كانون الثاني الماضي، لكنه أدانه في تصريح لوّح فيه أيضاً إلى إمكانية ملاحقة ترامب في المحاكم. وتعدّ حملة ترامب ضد ماكونيل، الأولى له بهذا الحجم، ضد الرجل القوي في واشنطن، والسيناتور منذ أكثر من 30 عاماً عن ولاية كنتاكي، بعدما كان تجنب الإشارة إليه بشكل عنيف منذ أن بدأ ماكونيل يأخذ مسافة تدريجياً عن ترامب، إثر تأكده أن نتائج الانتخابات الرئاسية التي فاز بها جو بايدن، من الصعب الانقلاب عليها. وجاءت حادثة اقتحام الكونغرس، لتحفر شرخاً واسعاً بين الرجلين، اللذين لطالما وضع توافقهما خلال ولاية ترامب الرئاسية، في خانة "تحالف المصالح المتبادلة".

لكن هجوم ترامب على زعيم الأقلية الجمهورية في الكونغرس، لا يحسب فقط في خانة الاستهداف الشخصي، بقدر ما يعلن فيه ترامب استعداده لمعركة طويلة، لإبقاء وإظهار نفوذه داخل الحزب، مع ما يعني ذلك من تأثير على تمهيديات الحزب والانتخابات النصفية، بل أبعد منها. ومن زاوية أوسع، يبدو الرئيس السابق غير مكترث لانعكاسات ذلك على مستقبل الحزب المحافظ، والقدر الذي يمكن أن يستفيد منه الديمقراطيون، إذ يبدو أن طموحه السياسي لا يزال غالباً على أي اعتبار آخر، ومنه إمكانية ترشحه مجدداً للرئاسة عام 2024.

أكد الرئيس السابق أنه سيدعم موالين له في تمهيديات الحزب

ويستخدم ترامب في ذلك سلاحه الأقوى، ألا وهو ما أفرزته الانتخابات الأخيرة من ظهور لأوجه جديدة داخل الحزب، وصلت إلى الكونغرس، وهي تعد من الجناح المتشدد واليمين المتطرف، الذي لم يتمكن قبل ذلك من جمع عدد كبير من الأصوات داخل الكابيتول. هكذا، يُسرّع ترامب انتقال الصراع داخل الحزب الجمهوري إلى المؤسسات وإلى ماكينة النشاط الانتخابي. مع العلم أنه كان لحزب الشاي في الماضي، دور في استيلاد سياسيين متشددين، ونظريات أثّرت في مسار السياسة الأميركية خلال العقدين الماضيين، لكن من دون أن يحدث ذلك خللاً أو خضّة على المستوى الانتخابي.

ودعا ترامب، أول من أمس الثلاثاء، أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين إلى عزل زعيمهم ميتش ماكونيل. وقال ترامب في بيان، إنّ الحزب الجمهوري لن يتمكن من أن يكون مجدّداً محطّ احترام أو قوياً مع "زعماء سياسيين من أمثال ماكونيل على رأسه"، مضيفاً أن "ميتش سياسي متجهّم وعبوس ولا يبتسم، وإذا كان أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريون سيبقون معه، فلن يفوزوا مرة أخرى". وفي بيانه، قال ترامب إن استطلاعات الرأي تشير "اليوم إلى أن أرقام ماكونيل "هي أدنى حتى مما كانت عليه في السابق، إنه يدمر الجهة الجمهورية من مجلس الشيوخ، ويلحق أضراراً جسيمة ببلدنا". وأكد أنه سيحارب ما تحدث عنه ماكونيل في السابق، حول التركيز على جدارة المرشحين للانتخابات في الحزب. وأشار ترامب إلى أنه سيدعم الجمهوريين الموالين له في تمهيديات الحزب حيثما يرى ذلك "ضرورياً ومناسبا".

ولم يكتفِ ترامب بالتصويب على ماكونيل، بل وسّع نطاق هجومه ليشمل زوجة السيناتور الجمهوري، وزيرة النقل السابقة إيلين تشاو، المولودة في تايوان، والتي كان ترامب قد عيّنها وزيرة للنقل في منصب استمرّت فيه تقريباً طوال سنوات عهده. وجاء في البيان أن "ماكونيل لا يتمتع بأي مصداقية في ما يتعلّق بالصين، بسبب المصالح التجارية الكبيرة التي تمتلكها أسرته هناك".

ويأتي بيان ترامب بعدما قال ماكونيل، السبت الماضي، إنه على الرغم من تصويته لتبرئة الرئيس السابق في قضية التحريض على التمرد، إلا أنّ ترامب "مسؤول عملياً وأخلاقياً" عن الهجوم الدموي الذي أوقع 5 قتلى. وذهب ماكونيل أبعد من ذلك، مشيراً إلى أن ترامب قد يواجه اتهامات بعد تركه منصبه، مشدداً على أن الأخير "لم يُفلِت من أي شيء بعد".

تلاحق ترامب تحقيقات متعلقة بالانتخابات وبنشاطه العقاري

وفقد ترامب بعد مغادرته البيت الأبيض، الحصانة التي ظلّت تحميه من الملاحقة القانونية في المحاكم، عندما كان رئيساً. ويواجه الرئيس السابق تحقيقات جنائية، ترتبط بنشاطاته العقارية، وبمحاولته الضغط لتغيير نتائج انتخابات 3 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وهو يعتبر أن القضايا المفتوحة ضدّه مسيّسة.

ومن أبرز التحقيقات التي لا تزال تلاحق الرئيس السابق، ذلك الذي فتحه لأكثر من عامين، المدعي العام لمقاطعة مانهاتن، سايروس فانس، حول أعمال ترامب العقارية، وإمكانية تورط شركاته في احتيال ضريبي ومتعلق بالتأمين. وهناك تحقيق مدني آخر، تقوده المدعية العامة عن ولاية نيويورك، ليتيسيا جايمس، حول ما إذا كانت الإمبراطورية العقارية لترامب قد بالغت أو قلّلت من قيمة بعض العقارات للحصول على قروض مصرفية. وفانس وجايمس كلاهما ديمقراطيان. وأخيراً أيضاً، فتح المدعون العامون في مقاطعة فولتون، إحدى أكبر المقاطعات في جورجيا، تحقيقاً جنائياً حول محاولات ترامب التأثير على نتائج انتخابات الولاية. وتقود هذا التحقيق المدعية العامة في فولتون، الديمقراطية فاني ويليس، ويعد التحقيق الأكثر جدية الذي يواجهه ترامب في الولاية، بعدما تمّ تسجيل مكالمة هاتفية في يناير الماضي، يضغط فيها على سكرتير الولاية، براد رافنسبرغر، لقلب نتائج الانتخابات، والتي ذهبت لصالح بايدن. كما يواجه الرئيس السابق دعاوى مدنية عدة، بينها في قضيتي تشهير، رفعتهما سيدتان (كارين ماكدوغال وسومر زيرفوس)، وتتهمانه بالتحرش بهما جنسياً قبل انتخابه رئيساً في 2016.

ومن الممكن أن تأخذ هذه القضايا جميعها طريقها إلى التسريع، بعدما كان ترامب قد استغل منصبه لتأجيل مواعيدها المستحقة. وفي آخر القضايا المرفوعة ضده، رفع النائب الديمقراطي بني تومسون، أول من أمس، دعوى على الرئيس السابق ومحاميه رودي جولياني، وجماعتين من اليمين المتطرف هما "براود بويز" و"حافظو القسم"، بتهمة التآمر للتحريض على اقتحام الكابيتول.