بعد قرابة ست سنوات من هجمات باريس الدامية في يناير/كانون الثاني 2015 ضد صحيفة "شارلي إيبدو" الساخرة ومتجر "هايبر كاشير"، أصدرت محكمة الجنايات الخاصة في العاصمة الفرنسية أحكاماً ضد أربعة عشر شخصاً أدينوا بمساعدة الجناة، تتراوح بين السجن أربع سنوات والسجن مدى الحياة.
وعلى الرغم من أن أقصى عقوبة نالها محمد بلحسين الذي حُوكم غيابياً ويعتقد أنه قُتل في سورية، إلا أن هذه الأحكام بشكل عام هي أقل من الأحكام التي طلبتها النيابة العامة لمكافحة الإرهاب، والتي دعت إلى السجن المؤبد لمتهمين اثنين ومن 5 إلى ثلاثين عاماً للاثني عشر الآخرين، لاعتبارها أن المتهمين كانوا بمثابة "ركيزة" للهجمات الإرهابية.
وجاءت ثاني أقصى عقوبة بحق المتهم الرئيسي في الهجوم على المتجر اليهودي علي رضا بولات، بالسجن 30 عاماً، وهو الذراع اليمنى لأميدي كوليبالي، الذي نفذ الهجوم في "هايبر كاشير" بالتوازي مع هجوم الشقيقين سعيد وشريف كواشي على "شارلي إيبدو"؛ وبولات هو فرنسي من أصول تركية يبلغ من العمر 35 عاماً، أُدين بتهمة "التواطؤ" و"لعب دوراً أساسياً" في التحضير للهجمات، بحسب قرار المحكمة. وأعلنت محامية الدفاع عنه إيزابيل كوتان-بيري عزمها استئناف الحكم.
وكانت المحاكمة قد بدأت في الخامس من سبتمبر/أيلول الماضي، ونفى بولات كل التهم الموجهة إليه وقال للقضاة إنه بريء "من أي شيء أُتهم به! أنا هنا بسبب بعض الأشخاص الذين هم أساطير تماماً!".
وأضاف: "أنا من منطقة غريني، ولم تكن المدرسة مصدر قوتي، ولم أكن غبياً، لكنني لم أرغب في العمل، ودخلت في سلوك منحرف ولم أعمل قط. أردت أن أحقق أشياء جميلة في الحياة، هذا كل شيء. وبدأت ببيع الحشيش، ودخلت السجن لأول مرة، وهناك رأيت لصوصاً، كانوا من أصحاب الملايين، لذلك فكرت في نفسي: سأكون أقوى، سأكون مثلهم، سأحصل على المال (..) أريد أن أموت غنياً".
وحُكم على حياة بومدين، صديقة أميدي كوليبالي، بالسجن ثلاثين عاماً غيابياً، والتي اختفت بعد مغادرتها فرنسا إلى سورية عقب أيام قليلة من هجمات باريس، والمرأة الثلاثينية، تعتبر "أكثر امرأة مطلوبة في فرنسا"، ويُعتقد أنها قُتلت في غارة جوية للتحالف الدولي على بلدة الباغوز، خلال تحصن تنظيم "داعش" الإرهابي في تلك المنطقة قبل هزيمته.
أما ثالث أقصى عقوبة، فقد صدرت بحق عمار رمضاني بالسجن 20 عاماً، ويأتي بعدها حُكم صدر بحق نزار ميكائيل، وهو زميل سابق في السجن لأميدي كوليبالي، بالسجن ثمانية عشر عاماً، وعلى ويلي بريفوست بالسجن ثلاثة عشر عاماً بالسجن المنفرد. وقالت المحكمة إن التهم وُجهت إلى هؤلاء بناء على استحالة ألا يكونوا غير مدركين لطبيعة مخطط كوليبالي.
من جهة ثانية، أسقط القضاة التصنيف الإرهابي عن ستة متهمين، ممن لم يعرفوا سوى القليل عن أميدي كوليبالي، والذين لم تكشف التحقيقات ارتباطهم بـ"معتقدات دينية أو أيديولوجية راديكالية"، في حين حُكم على سعيد مخلوف ومحمد فارس بالسجن ثماني سنوات، وأدينا بتأليف "عصابات إجرامية"، في حين كانت أقل عقوبة من نصيب كريستوف روميل، بالسجن أربع سنوات.
والأحكام التي صدرت اليوم بعد أربعة وخمسين يوماً من جلسات استماع، وُصفت بأنها كانت فوضوية جداً بسبب تأجيلها لظروف صحية وإصابة أحد المتهمين بفيروس كورونا، مرّت من دون صدور مواقف تذكر، خصوصاً من قبل أقارب ضحايا الهجمات الذين حضروا جلسة اليوم، بالإضافة إلى عدد من الرهائن الذين اُحتجزوا في المتجر اليهودي وناجين من الهجوم على "شارلي إيبدو".
وفي إحدى شهادات الضحايا، قال ميشيل كاتالانو، الذي كان قد وقع رهينة للأخوين كواشي في "شارلي إيبدو"، إن "أكثر ما أدهشني هو شهادات الضحايا، الجزء الأول كان صعباً للغاية، كنت كما لو أنني أستمع بصعوبة لكلماتهم، وشهاداتهم أصابت زوجتي بالاكتئاب (..) لم آتِ إلى هنا لأطالب بعقوبات، وإنما لإجابات عن أسئلتي".
وكانت "شارلي إيبدو" قد قالت، في افتتاحيتها ليوم الأربعاء، إنه بمجرد صدور قرار المحكمة "ستنتهي دورة العنف (...) بشكل نهائي، على الأقل على المستوى الجنائي، لأن تداعياتها الإنسانية لن تُمحى أبداً".