تثير صور استسلام جهاديين منهكين مع عائلاتهم للجيش النيجيري جدلاً حاداً بشأن ما تعلنه القوات العسكرية عن نجاح حربها المستمرة منذ مدة طويلة ومستقبل المقاتلين الذين يسلمون أسلحتهم. فقد ظهر العشرات من عناصر جماعة "بوكو حرام" في صور نشرها الجيش هذا الشهر، وهم يستسلمون لجنود في ولاية بورنو، شمال شرقي البلاد. وكان البعض منهم يحملون أوراقاً كُتبت بخط اليد، تطلب من النيجيريين المسامحة. ويصف الجيش النيجيري تلك الحالات بالفرار الجماعي، وبأنها ثمرة حملة مكثفة لإنهاء نزاع مستمر منذ 12 عاماً، أودى بحياة نحو 40 ألف شخص، وشرّد قرابة مليونين آخرين.
تراجعت "بوكو حرام" أمام هجمات "داعش ـ ولاية غرب أفريقيا"
في المقابل، يعتبر محللون ومصادر أمنية أن حالات الاستسلام ربما قد تكون مدفوعة بشكل أكبر بالخسائر التي تكبدتها الجماعة في الاقتتال الداخلي مع جهاديين منافسين من تنظيم "داعش ــ ولاية غرب أفريقيا". وقد سقط في المعارك بينهما زعيم "بوكو حرام" أبو بكر الشكوي، في مايو/ أيار الماضي، ليميل ميزان القوى إلى "داعش". لكن حالات الاستسلام تثير حساسية كبيرة في نيجيريا، فالأهالي الغاضبون في بورنو، يخشون من أن يتمكن الجهاديون المسؤولون عن سنوات من الفوضى، من الإفلات من العقاب أو العودة إلى ساحة الحرب. والانشقاقات ليست أمراً نادراً في نيجيريا، لكن بالنسبة للجيش الذي يقاتل "بوكو حرام" و"داعش"، يمثل ارتفاع أعداد المستسلمين دليل نجاح. في السياق، قال رئيس الأركان الجنرال فاروق يحيى، خلال فعالية نُظّمت أخيراً: "إننا نحرز تقدماً ونحقق نتائج، وإذا ما استمررنا، وينبغي أن نستمر، سنطوي هذه الصفحة في شمال شرق" البلاد. وأضاف "ندعو الآخرين المختبئين في الأدغال إلى أن يتقدموا ويسلموا أسلحتهم مثل زملائهم". وكشف الجيش النيجيري أن نحو ألف عنصر من "بوكو حرام" وعائلاتهم استسلموا، وفق بياناته. وحول هذه التطورات، يرى الباحث في "المركز الوطني للأبحاث العلمية" الفرنسي فنسان فوشيه أن سيطرة تنظيم "داعش ــ ولاية غرب أفريقيا" بعد وفاة الشكوي كانت السبب الرئيسي لحدوث انشقاقات جديدة بين المدنيين، الذين أرغموا على العيش تحت سيطرة "بوكو حرام" والمقاتلين على حد سواء، ويعتبر أن الجماعة خسرت نفوذها "لمصلحة تنظيم داعش، ويشعر عناصرها بأنهم غير قادرين على الحفاظ على موارد رزقهم تحت سيطرة هذا التنظيم". ويضيف "من المعقول أن عدداً من أبرز القادة استسلموا لاحساسهم بأنهم سيخسرون الكثير في ظل تنظيم داعش ــ ولاية غرب أفريقيا". بدورها، تكشف مصادر أمنية أن قياديي تنظيم "داعش" يسيطرون بشكل مطرد على فصائل "بوكو حرام"، ويقتلون من يقاومهم ويعرضون على الباقين العيش تحت سيطرة التنظيم أو الرحيل. كما يكشف مصدر أمني عاملاً حاسماً أدى إلى هذه التطورات، مرتبط برتب عناصر "بوكو حرام" الذين سلّموا أنفسهم، مشيراً إلى أنهم شبان التحقوا بالحركة، وعائلات ليس لها روابط أيديولوجية أو جهاديون متشددون. من جهته، يتحدث مصدر أمني يتمركز في شمال شرقي البلاد عن "مشاعر متضاربة بشأن الموجة المفاجئة من استسلام مقاتلي بوكو حرام". وفي إشارة إلى أحد المنشقين، يشير إلى أنه "سيكون من السذاجة التفكير بأن أدامو روغو روغو، القيادي سيئ السمعة في بوكو حرام، والقاتل بلا رحمة، يمكن أن يستسلم بهذا الشكل". ويعدّ المقاتلون الذين استسلموا بمثابة اختبار لحاكم ولاية بورنو باباناغا أومارا زولوم، في وقت يشتد الغضب في عاصمة الولاية مايدوغوري، حيث يقيم في مخيمات عشرات الآلاف ممن نزحوا بسبب العنف. والعديد من المواطنين يخشون من السماح بعودة الجهاديين السابقين.
كشف الجيش النيجيري أن نحو ألف عنصر من "بوكو حرام" وعائلاتهم استسلموا
وذكر زولوم في بيان، أنه "علينا الاختيار بين حرب لا تنتهي أو القبول بحذر بالإرهابيين المستسلمين، وهو أمر مؤلم بالفعل وصعب على أي شخص خسر أحباء". والتقى زولوم في الأسبوع الحالي بالرئيس محمد بخاري لمناقشة إدارة حالات الاستسلام بشكل أفضل، مع العلم أن نيجيريا تطبّق برنامجاً حكومياً باسم "عملية الممر الآمن"، ويهدف إلى تأهيل جهاديين سابقين. ويُعتبر البرنامج حافزاً للمقاتلين للتخلي عن السلاح. لكن فتح الباب أمام عودة مقاتلين أثار امتعاض كثيرين في مايدوغوري، حتى بين الذين رحّبوا بحذر بحالات الاستسلام. وقال أحد الأهالي، ويدعى غورو: "سيعيدون تأهيل هؤلاء الإرهابيين، سيعطونهم مبلغاً من المال كي يبدأوا حياتهم من جديد. نحن خرّيجون وما الذي فعلته لنا الحكومة؟". أضاف "لا يمكن لأحد أن يقتل والدي ووالدتي وشقيقي وأن تقول الحكومة إنها ستعفو عنه ويمكنه العودة والإقامة في بلدتي. من غير الممكن تأهيل إرهابي في ستة أشهر فقط".
(فرانس برس)