استمع إلى الملخص
- الأجيال الجديدة تبحث عن تفسيرات للهزائم الماضية، مستلهمة من مقاومة الفلسطينيين في غزة كمثال على الصمود والمقاومة، معبرة عن رغبة في فهم الأخطاء والبناء على الدروس المستفادة لمستقبل أفضل.
- الفجوة بين القيادات العسكرية المزينة بالنياشين والشعوب التي تعاني تبرز التناقض في الواقع العربي، حيث تفضح غزة بصمودها الادعاءات الفارغة لبعض الجيوش وتؤكد على أهمية الإرادة والتضحية في مواجهة الظلم.
يسأل شاب وُلد لأم غير عربية في الدنمارك: كيف أمكن هزيمة كل تلك الجيوش في سويعات عام 1967؟ سؤاله مثل أسئلة كثيرين، عرب وغربيين، أجبرتهم أعراض حرب غزة على البحث عن حقيقة ما جرى طوال العقود الماضية. في الأفلام والصور الدعائية الصهيونية، القائمة على التضليل والتلاعب النفسي، عن هزيمة جيوش حرب يونيو/حزيران 1967، والتي سمّيت تخفيفاً لوقعها نكسة 1967، يستحضر اقتحام جنود الاحتلال الإسرائيلي، رفقة وزير الحرب آنذاك موشيه دايان، بوابات القدس، وهم يردّدون ما ردّدوه في معبر رفح قبل شهر، من أنه بات في أيديهم. وفي مثل هذه الساعات من السابع من يونيو 1967، كان صوت الخديعة الإذاعي جهورياً بلغة الضاد، يبلّغ عن تكبّد العدو الصهيوني خسائر هائلة، صانعين بالتضليل الانتكاسي ما صنعته كذبة "الخطوط الحمراء" في 2024.
فمنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وعلى الرغم من إصرار ورثة هزيمة "النكسة" على الاستخفاف بصمود ومقاومة الفلسطينيين في قطاع غزة المحاصر، ولإحالة الشعوب العربية إلى جماهير فرجة على الإبادة، تكاثرت الأسئلة والمقاربات بين الأجيال الجديدة، باحثين عن تفسيرات لهزيمة جيوش في ساعات قليلة، ولتعثر "أقوى جيوش المنطقة" الممارسة للتدمير الانتقامي الهمجي في غزة.
ولو أن غزة سارت على مسار 1967، لكنّا بالتأكيد أمام مشهد آخر من مشاهد ما بعد مذابح نكبة 1948، حيث ظلّ المهزومون، أمثال من جسّدهم غسان كنفاني في شخصية أبو الخيزران، يشيعون أن "الفلسطينيين باعوا أرضهم"، وأخيراً "فلسطين ليست قضيتي".
من حقّ أجيال شابة عربية أن تسأل: حقاً كيف أمكن خلال أيام قليلة هزيمة واحتلال الأرض العربية؟ بالطبع، ليست الإجابة أن العربي "قدري" في تجرّع الهزيمة والخنوع، فقد جرّب الصهاينة وداعموهم هذا العربي في معركة الكرامة في الأردن، وفي حرب استنزاف مصرية، وفي متواليات مقاومة فلسطينية، هذا عدا عن أن ذلك العربي تشهد له مقابره على الأرض الفلسطينية.
نعم، دفع العرب أثماناً في مذابح مختلفة، منها مذبحة الأسرى المصريين وبحر البقر وصبرا وشاتيلا وقانا، وغيرها الكثير، ويدفع أهل غزة منذ أشهر أكثر الأثمان، لكن أفدحها، المدفوعة منذ نحو ستة عقود، هزيمة إرادة الأنظمة التي تعيش على هوامش التاريخ.
غزة اليوم فاضحة لعنتريات بعض "الجيوش" واستئسادها على شعوبها، حيث أريد للقطاع المحاصر والمدمّى، بناسه الطيبين والصلبين، أن يكون نموذجاً آخر للهزيمة، فأشعل، بدلاً من ذلك، كل الأسئلة والمقاربات بشأن حالة عربية جرت قولبتها دائماً في الهزيمة.
وفي ذكرى تلك الهزيمة، يستعيد جيل التهكم على الاستعراضات العسكرية والصور الهائلة للأخ الكبير و"الأب الحنون" بعض أسئلة وعيه: ما هي تلك المعارك التي دافع فيها الجنرالات عن الأوطان ليثقلوا صدورهم بنياشين وميداليات عسكرية؟
بعض أهل المشرق كان يثيرهم مشهد رفيق سلاح حافظ الأسد، ووزير دفاعه الراحل، مصطفى طلاس، حين كان يظهر في حالة كاريكاتورية مطابقة لقراءة حنظلة ناجي العلي للجنرالات. قس على ذلك ما شئت من الحالة العربية التي تحوّلت فيها الجيوش إلى استئساد على شعوبها منذ 2011، بعد أن ظلت تحيا على "هزيمة العدو" في البيانات، وفي الواقع "الاحتفاظ بحقّ الرد في المكان والزمان المناسبين".
ببساطة، فارق الإرادة بين صاحب نياشين وجزم ملمّعة ومؤمن بقضيته وشعبه، شبه حافي القدمين، يقدّم ربما جوابا على أسباب هزائم الجيوش النظامية سريعاً أمام عدو اعتاد على لعبة الصعق وترك المهزوم يبيع عبر المذياع أوهاما، حتى تتعمّق المصيبة النفسية.