مع اقتراب موعد التجديد الدوري لآلية إدخال المساعدات العابرة للحدود إلى سورية في 10 يناير/كانون الثاني المقبل، تثار من جديد مخاوف من تعثّر هذه العملية بسبب تهديدات سابقة من جانب روسيا بتعطيلها لصالح أجندة منسقة مع النظام السوري، تقضي بالإبقاء فقط على ما يسمى بالمساعدات العابرة للخطوط، أي التي تدخل من مناطق سيطرة النظام.
ويتزامن اقتراب موعد التجديد للآلية مع أزمات خانقة تمر بها مناطق سيطرة النظام السوري، تجلت بشكل خاص في فقدان الوقود، وتعطل الكثير من الخدمات والأعمال. وباتت البلاد على شفا انهيار شامل مع تعطل الحياة العامة نتيجة عدم توفر الوقود لوسائل المواصلات داخل المدن وبين المحافظات السورية، وتوقف العديد من الأفران والخدمات.
النظام يرفض تجديد آلية المساعدات
وفي محاولة منه لتحميل المجتمع الدولي وآلية إدخال المساعدات مسؤولية تردي الأوضاع الاقتصادية في مناطق سيطرته، أرسل النظام السوري عبر وزير خارجيته فيصل المقداد، أول من أمس الأربعاء، رسالتين إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس ورئيسة مجلس الأمن لشهر ديسمبر/كانون الأول الحالي، الهندية روشيرا كامبوج، رفض فيهما، بحسب ما أوردت وكالة "سانا" التابعة للنظام، مساعي تمديد قرار مجلس الأمن 2642 الخاص بإدخال المساعدات عبر الحدود.
ورأى المقداد أن القرار يندرج في إطار "الانتهاكات والإجراءات غير الشرعية التي تحدّ من فعالية أي جهود تهدف إلى تحسين الأوضاع الإنسانية والمعيشية، وتخلّف آثاراً كارثية على الحياة اليومية للمواطن السوري، وتحول دون حصوله على الخدمات الأساسية والوقود والغاز المنزلي والطاقة الكهربائية".
وينصّ القرار 2642 الذي صدر في يوليو/تموز الماضي بعد مساومات مع روسيا، على تمديد تفويض إيصال المساعدات الإنسانية الأممية إلى سورية عبر الحدود لمدة ستة أشهر فقط، على أن التمديد لمدة ستة أشهر إضافية يتطلب قراراً جديداً من مجلس الأمن. كما أرجع رئيس حكومة النظام حسين عرنوس، تردي الأوضاع إلى ارتفاع سعر الدولار وسعر النفط عالمياً والحرب في أوكرانيا، فضلاً عن العقوبات المفروضة على النظام، وخروج معظم آبار النفط والغاز عن سيطرته منذ 8 سنوات.
غوتيريس: ملايين السوريين قد لا يستطيعون النجاة في الشتاء
في المقابل، حذر غوتيريس، في تقرير قدمه إلى مجلس الأمن قبل يومين، من أن الوضع الإنساني المتردي بالفعل في سورية يزداد سوءاً، في حال عدم التمديد لآلية إدخال المساعدات. وقال: "إن ملايين السوريين قد لا يستطيعون النجاة في الشتاء، إذا لم تُجدد شحنات المساعدات من تركيا إلى شمال غربي سورية الشهر المقبل"، مؤكداً أن المساعدات عبر الحدود إلى الشمال الغربي لا تزال "جزءاً لا غنى عنه من العمليات الإنسانية للوصول إلى جميع المحتاجين".
وأكد غوتيريس أن "وقف عمليات التسليم عبر الحدود في منتصف أشهر الشتاء قد يخاطر بترك ملايين السوريين من دون المساعدة اللازمة لتحمل الظروف الجوية القاسية"، متوقعاً أن يرتفع عدد المحتاجين إلى مساعدات إنسانية في سورية في العام المقبل إلى 15.3 مليون شخص، من إجمالي عدد السكان البالغ 22.1 مليوناً، مقارنة بـ 14.6 مليون شخص في عام 2022، مشيراً إلى أن "هذا أعلى مستوى للأشخاص المحتاجين منذ بداية الصراع".
من جهته، شدّد وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، في مؤتمر صحافي عقده أمس الخميس، مع نظيره المالطي إيان بورغ في العاصمة التركية أنقرة، على وجوب استمرار إيصال المساعدات الإنسانية إلى السوريين بشكل منتظم. وأكد على ضرورة تمديد فترة قرار مجلس الأمن رقم 2642 الخاص بإيصال المساعدات الإنسانية إلى السوريين.
وفي كل مرة يحين فيها موعد التجديد لدخول المساعدات الدولية عبر الحدود، تسعى روسيا إلى عرقلته والمطالبة بإلغاء هذه العملية برمتها، باعتبارها "تنتهك سيادة سورية" وفقاً لها، مطالبة باستبدالها بآلية "المساعدات عبر الخطوط"، أي تسليم المساعدات للنظام السوري، على أن يتولى توزيعها على المحتاجين في مناطق سيطرته، وحتى في المناطق الخارجة عن سيطرته.
ويرفض المجتمع الدولي والمجتمع المحلي غير الخاضع لسيطرة النظام، هذه المطالب، وسط اتهامات للنظام بالرغبة في الاستيلاء على كل المساعدات الدولية، بغية احتكارها وتوزيع بعضها على أنصاره، وبيع الباقي، مع حرمان مناطق المعارضة منها، إلا بشكل محدود جداً.
وكان المبعوث الروسي الخاص إلى سورية ألكسندر لافرنتييف قد ألمح قبيل انطلاق اجتماعات الجولة 19 من مسار أستانة في نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي إلى نية بلاده عرقلة تجديد الآلية، قائلاً: "نحن في الاتحاد الروسي نصر على أن هذه الآلية قد عفا عليها الزمن وينبغي تنحيتها جانباً".
وشكّل القلق من عرقلة التمديد لدخول المساعدات محور الاجتماعات التي أجرتها "هيئة التفاوض السورية" الممثلة للمعارضة قبل يومين مع ممثلين عن الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وقطر وتركيا وكندا وآخرين عن دول الاتحاد الأوروبي. وجرى تداول مقترحات قانونية بديلة في حال عدم تجديد قرار مجلس الأمن 2642.
وحذّر رئيس الهيئة بدر جاموس في تغريدة على "تويتر" من "خطورة إيقاف وصول المساعدات للسوريين عبر الحدود، وتحويل القضايا الإنسانية إلى سياسية".
محمد السعدي: منذ تطبيق آلية إدخال المساعدات الإنسانية عبر خطوط التماس في يوليو/تموز 2021، دخلت 9 قوافل فقط
من جهتها، وضعت "لجنة الإنقاذ الدولية" قبل يومين سورية ضمن المراكز العشرة الأولى لأكثر البلدان إثارة للقلق في العام المقبل، محذّرة في تقرير من أن توقف آلية المساعدة عبر الحدود في مناطق شمال غربي سورية، يمكن أن يؤدي إلى تدمير الاستجابة الإنسانية، وتدهور أحوال الملايين ممن يعتمدون عليها.
وتوقع التقرير تواصل تدهور الأوضاع في سورية في العام المقبل مع استمرار ارتفاع أسعار السلع، ما قد يجبر المزيد من الناس على الفرار من مناطقهم.
عدم ائتمان النظام على المساعدات
ورأى الناشط محمد السعدي الموجود في مناطق شمال غربي سورية، أن النظام غير مؤتمن على توزيع المساعدات، وحتى ضمن مناطق سيطرته، مع حرمانه الفئات التي ثارت عليه من تلك المساعدات، فكيف يمكن أن يوصلها إلى مناطق لا تخضع لسيطرته؟
وأضاف في حديث مع "العربي الجديد" أن القوافل المحدودة جداً من المساعدات الدولية التي مررها النظام إلى مناطق شمال غربي سورية (4 قوافل منذ التمديد الأخير لآلية إدخال المساعدات أي قبل 6 أشهر)، وافق عليها النظام على مضض، بغية محاولة إقناع المجتمع الدولي بجدارته في تلقي كل المساعدات.
وكشف السعدي أنه منذ تطبيق آلية إدخال المساعدات الإنسانية عبر خطوط التماس في يوليو/تموز 2021، دخلت 9 قوافل فقط، وهي كمية ضئيلة لا يمكن أن تفي باحتياجات أكثر من 4 ملايين شخص مقيمين في تلك المناطق.
من جهته، قال نائب مدير الدفاع المدني السوري، منير مصطفى، في حديث مع "العربي الجديد" إن هناك نحو ألف مخيم في شمال غربي سورية، يحتاج معظمها لخدمات أساسية، خصوصاً خلال فصل الشتاء. ونصف هذه الخيم تحتاج إلى تمديدات للصرف الصحي، بينما يحتاج بعضها إلى دورات مياه.