نزاع الصحراء في 2020: نجاحات دبلوماسية للمغرب بانتظار اختبار الاعتراف الأميركي

31 ديسمبر 2020
الرباط تحاول إقناع أطراف دولية بالسير على خطى واشنطن في ما يخص الصحراء (الأناضول)
+ الخط -

تأفل سنة 2020 على وقع نجاح دبلوماسي كبير حققه المغرب في نزاعه مع جبهة "البوليساريو"، إذ بدأ بفتح العديد من الدول الأفريقية والعربية لقنصلياتها بالصحراء، وانتهى باعتراف تاريخي أميركي بسيادة الرباط الكاملة على المنطقة.

وعلى نحو لافت، بدا، خلال الأشهر الماضية، أنّ الدبلوماسية المغربية، تستغلّ مرحلة الجمود التي يمرّ بها ملف الصحراء، لتسجيل نقاط على خصومها، بفضل استراتيجيتها القائمة على حثّ الدول على الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء، وتأكيد الأمر على أرض الواقع من خلال خطوات قانونية تتمثّل بفتح قنصليات وصل عددها حتى حدود الساعة إلى 19 قنصلية.

وبقدر ما يعكس توالي فتح تمثيليات دبلوماسية بالصحراء تطوراً في موقف العديد من الدول من النزاع، وبداية مرحلة فرض واقع جديد، قوامه اعتراف دولي متزايد بمشروعية مبادرة الحكم الذاتي، تحضر مؤشرات عدة لدى الدبلوماسية المغربية تفيد بأن مسلسل تجسيد الاعتراف بمغربية الصحراء عن طريق إقامة قنصليات سيتواصل خلال السنة القادمة، كما أن مفاجآت أخرى قد تكون في الطريق. 

وبحسب مدير مركز الصحراء وأفريقيا للدراسات الاستراتيجية، عبد الفتاح الفاتحي، فإن المكاسب التي حققتها الدبلوماسية المغربية في 2020 كانت استثنائية بكل المقاييس واستراتيجية، مشيراً إلى أن "مخطط افتتاح بعثات دبلوماسية بالصحراء زاد القوة التفاوضية للرباط، وقوض ادعاءات الجبهة بأن لها دعماً في منظمة الاتحاد الأفريقي، كما زاد تعميق النفوذ المغربي أفريقياً في مناحي اقتصادية وتنموية تتجاوز الفعل السياسي".

وأوضح الفاتحي، لـ"العربي الجديد"، أن أداء الدبلوماسية المغربية استفاد من عودة المملكة إلى الاتحاد الأفريقي، حيث تم تعطيل الآلة الدعائية الجزائرية التي كثيراً ما كانت تستعمله لإنهاك الموقف التفاوضي للرباط، لافتاً إلى أن ثمار العمل الاستثنائي تحققت كذلك  في أكتوبر/تشرين الأول الماضي على مستوى مجلس الأمن الدولي عقب صدور القرار الأممي 2548 ، الذي أقر بوجاهة الحل السياسي الواقعي والمستدام لنزاع الصحراء، وتأكيده على سمو مبادرة الحكم الذاتي الموسومة بالواقعية ذات المصداقية.

وفي وقت ما زال فيه ملف الصحراء يعرف جموداً وترقباً من جميع الأطراف لتعيين مبعوث أممي جديد، بعد استقالة المبعوث السابق هورست كوهلر، في مايو/ أيار 2019، شكل إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في 10 ديسمبر/ كانون الأول الحالي، الاعتراف بمغربية الصحراء، وفتح تمثيلية قنصلية في مدينة الداخلة، واعتبار أن "إقامة دولة مستقلة في الصحراء ليس خياراً واقعياً لحلّ الصراع"، مؤشراً على بداية "مرحلة جديدة" قد يكون لها ما بعدها على الملف.

وإذا كانت واشنطن قد حرصت، على امتداد سنوات النزاع في الصحراء، على أن تمسك عصا الملف من الوسط، إلا أن الخطوة الأميركية الأخيرة تعتبر، في حال دعمها من قبل إدارة الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن، لاحقاً، ترجيحاً لكفة المغرب في تكريس سيادته الفعلية على الصحراء، وكسراً لقاعدة التوازن التي كانت تسلكها الإدارات الأميركية المتعاقبة بهذا الشأن.

وفي ظل هذا الزخم الدبلوماسي اللافت وغير المسبوق، تراهن الرباط، خلال السنة القادمة، على إقناع أطراف دولية وأخرى من المجموعة العربية والأفريقية بالسير على خطى واشنطن، لكن مع بقاء كل الخيارات مفتوحة في انتظار تحركات جبهة "البوليساريو" والجزائر للرد على ما تحقق، ومعرفة توجه الإدارة الأميركية الجديدة.

وبرأي المحلل السياسي، عادل بنحمزة، فإن الدبلوماسية المغربية ستكون، في سنة 2021، في مرحلة اختبار للالتزامات الأميركية، وهو أمر يهم بالأساس عمل الأمم المتحدة من خلال دعم المغرب في حسم قضيته المركزية وتعبئة دول العالم من حوله، من خلال أربع خطوات. 

 وأشار بنحمزة إلى أن الخطوة الأولى تتمثل في "وضع حد للتعسف الجاري منذ 1988 على ميثاق الأمم المتحدة، الذي يمنع على الجمعية العامة بحث وإصدار قرارات في قضايا يعالجها مجلس الأمن، والحال أن هذه الأخيرة ما زالت تناقش القضية من خلال لجنة تصفية الاستعمار". وهذا التناقض، بحسب المحلل المغربي، يجب أن يوضع له حد بصورة مستعجلة، والولايات المتحدة الأميركية قادرة على القيام بذلك، خاصة أن الأمر لا يتعدى فرض احترام ميثاق الأمم المتحدة.

أما الخطوة الثانية، حسب بنحمزة، فتتمثل في توضيح أن النزاع في الصحراء لا يتعلق اليوم، بتصفية الاستعمار لأن ذلك تم فعلياً في سنة 1969، حينما استرجع المغرب سيدي إفني، وفي سنة 1975، عندما استرجع الصحراء عبر مفاوضات مع إسبانيا وكان موضوع قرار للجمعية العامة.

وتكمن الخطوة الثالثة في توضيح وضعية المحتجزين المغاربة في مخيمات تندوف من خلال العمل على تمكينهم من حقوقهَم وفقاً لاتفاقية جنيف ذات الصلة، وكذا تمييز السكان المدنيين عن أفراد المليشيات المسلحة، وتمكينهم من أهم الحقوق وهو الاختيار بين العودة إلى المغرب، أو البقاء في الجزائر أو التوجه إلى بلد ثالث، مشيراً إلى أنه لا يمكن أن تستمر معاناة ساكنة ومع ذلك يستمر الحديث عن الاستفتاء وفزاعة تقرير المصير.

ورأى بنحمزة، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن على المغرب طرح موضوع تسمية واختصاصات "المينورسو"، وأن يكون حاسماً ومعه واشنطن في هذا الصدد، إذ "لا يعقل أن يقطع مجلس الأمن أية إمكانية لتنظيم الاستفتاء، ويدعو منذ 2007 الأطراف إلى الحوار على أرضية الحكم الذاتي، في وقت يقبل فيه استمرار حمل بعثته في الصحراء تسمية "بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية"، علماً أن خطة التسوية انتهت إلى غير رجعة".

واعتبر المحلل المغربي أنه يتعين، كخطوة خامسة، حسم موضوع تمثيلية "البوليساريو" للصحراويين، فـ"الجبهة لا تمثل سوى طيف صغير داخل الصحراء، في حين أن هناك تيارات سياسية متعددة لها مطالب لا يتجاوز سقفها الحكم الذاتي وهي منخرطة اليوم في تنفيذ المخطط التنموي الجديد للأقاليم الصحراوية"، مشيراً إلى أنه يمكن للمغرب أن يجعل من الخطوات الخمس مدخلاً لإعادة النظر في تعاطي الأمم المتحدة مع قضيته الترابية، وهنا ستظهر حقيقة الدور الأميركي.

المساهمون