تنشر الصحف الإسرائيلية في الأيام الأخيرة شذرات من الأخبار والتعليقات والتحليلات، التي تقرّ بمفاجآت المقاومة، وقدرتها على مواجهة الاحتلال، وضربه في خاصرته الموجعة، خصوصاً بعد تمحور عمل المقاومة في التسلل خلف خطوط العدو مع قطاع غزة، وشلّ المجال الجوي الإسرائيلي، في إنجاز نوعي لها ولصدقيتها.
ويبدو أن "التمهيد" الذي اعتمدته الصحف الإسرائيلية، أمس الخميس، حول "وجود فجوة بين تقديرات المستوى السياسي والمستوى العسكري، في شأن الوقت اللازم لإزالة خطر الأنفاق في غزة، التي تبدأ من القطاع وتنتهي على مشارف المستوطنات والبلدات الإسرائيلية"، كان بهدف ابراز عناوين الصحف، اليوم الجمعة.
فقد بدأت الصحف تتحدث للمرة الأولى، اليوم الجمعة، عن "إمكانية الفشل الإسرائيلي العام، في التعامل مع خطر الأنفاق وإزالته قبل العدوان الحالي، منذ أن تم بحثه للمرة الأولى في هيئة أركان الجيش، وفي المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية والسياسية في العام 2010، يوم كان (رئيس الوزراء السابق ايهود) باراك وزيراً للدفاع، وبنيامين نتنياهو، رئيساً للحكومة".
وفي هذا السياق، أفردت صحيفة "يديعوت أحرونوت"، اليوم الجمعة، أكثر من مادة وتقرير للحديث عن هذا الفشل. ورأت أن "الجيش كان قد حذّر قبل أربعة أعوام من خطر الأنفاق، وطرح بدائل مختلفة". غير أن ما يعني الصحافة اليوم كان "الإخفاق الأكبر لنتنياهو، في تشخيص حقيقة الخطر الذي تمثله الأنفاق".
ورأى الكاتب في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أهرون برنيع، اليوم، في إعلان نتنياهو قبل أسبوع، قبول المبادرة المصرية لوقف إطلاق النار مباشرة، قبل حلّ وإزالة خطر الأنفاق الهجومية، "عدم القدرة على تشخيص الخطر". وأضاف أن "محاولات نتنياهو تبرير هذا القرار في رده على سؤال لمراسل القناة الثانية، أودي سيغل، قبل أسبوع بأن موافقة إسرائيل، كانت لمعرفتها الأكيدة أن حماس سترفض المبادرة من جهة، وعزمها على إطلاق آلية دبلوماسية وسياسية لإزالة الأنفاق من جهة أخرى، بأنها مجرّد مبررات، يدرك نتنياهو، عدم استنادها إلى أساس من الصحة".
ولفت الى أنه سبق لرئيس شعبة الاستخبارات في الجيش "أمان"، الجنرال يئير كوخافي، أن تحدّث عن الخطر الذي تمثله هذه الأنفاق في أكثر من مناسبة.
وخصصت "يديعوت أحرونوت"، تحقيقاً مطولاً في ملحقها الأسبوعي لـ"خطر الأنفاق، والفشل في معالجتها، قبل العدوان، وإهمال الحكومة الإسرائيلية لخطرها، بالرغم من أن الجيش كان على علم بها وحذّر منها". وأشارت الى أنه "سبق لها أن أعدّت تقريراً مشابهاً قبل أربعة أعوام، بعد عامين من عدوان الرصاص المصبوب، وقبل عامين من عدوان عامود السحاب".
واستعرضت الصحيفة بدائل تكنولوجية، وأخرى عملياتية عدة، اقترحها الجيش لوقف حفر مزيد من الأنفاق وهدم الأنفاق القائمة آنذاك، ولفتت الى أن "الحكومة الإسرائيلية لم تتخذ قراراً تنفيذياً في هذا الشأن".
واعتبرت الكاتبة، سيما كدمون، في "يديعوت أحرونوت"، أن "التأييد الذي يحظى به نتنياهو اليوم، من قبل الأحزاب الصهيونية بيمينها ويسارها، لن يدوم طويلاً، فسرعان ما سيتم استعراض الأسئلة، حتى قبل انتهاء القتال، وستكون من نوع: كيف لم نعرف بوجود هذه الأنفاق تحت أرض المستوطنات وعلى مشارفها؟ وإذا كنا نعرف، فلماذا انتظرنا حتى هذه اللحظة ولم نفعل شيئاً؟ لماذا تم توجيه كل الموارد والجهود المالية والإعلامية للتحديات الأخرى، مثل إيران، وليس للخطر الحقيقي على الحدود الجنوبية؟ وماذا يعني هذا بالنسبة إلى جهوزية إسرائيل لحروب أخرى، كمواجهة مقبلة أو حرب جديدة ضد حزب الله؟ نحن نعلم بوجود عشرات آلاف الصواريخ التي تهدد الشمال، فهل سنُفاجأ عندما تسقط هذه الصواريخ علينا يوماُ ما؟".
وكما استشهد، برنيع بتصريحات وتحذيرات كوخافي، فإن، كدمون، تستشهد بأقوال رئيس لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، زئيف إيلكن، الذي أقرّ بأنه "ليس صحيحاً القول بأننا لم نعرف، وأننا لم نفعل شيئاً، بدليل أننا الآن، في سعينا لتفجير الأنفاق، لا نبحث عنها كمن يبحث عن إبرة في كومة قش، بل وفق معلومات استخبارية". ويدّعي إيلكن، أن "تركيز جيش الاحتلال على الأنفاق الآن، جاء بعد تحوّلها لهجومية، وفي توقيت وظروف مؤاتية، لا تعرّضنا للخطر".
وإذا كان موقف إيلكن نابعاً من كونه عضواً في "الليكود" وجزءاً من الائتلاف الحكومي، فإن المحلل العسكري لـ"يديعوت أحرونوت"، أليكس فيشمان، يعود إلى تقرير "مراقب الدولة" من العام 2007، ليقتبس منه تصريحات لـ"الجيش عن خطر الأنفاق، ومقتل 14 جندياً إسرائيلياً، بين عامي 2001 و2004، نتيجة اشتباكات، استعانت خلالها المقاومة الفلسطينية بالأنفاق، لتدبير الكمائن العسكرية والوصول إلى نقاط الاشتباك".
ولفت فيشمان، إلى أنه "من قبيل الحظ والصدفة ربما، أن عقيدة حماس القتالية لم تتحدث عن إطلاق مقاتليها، منذ المرحلة الأولى للعدوان من الأنفاق، وفضّلت البدء بالهجمات الصاروخية أولاً". ولا يفوّت فيشمان، الإشارة الى أن "شبكة الأنفاق التي تم اكتشافها لغاية الآن، وطريقة حفرها وبنائها، تدلّ على أن من قاموا بذلك ليسوا مجموعة من الحفاة أو الهواة. فمن الواضح أن هناك قيادة تمتلك تفكيراً مهنياً، وتكنولوجيا، وعقيدة قتالية، وعلينا الانحناء أمام هذه المهنية العالية في عملهم، قبل تفجير مشروعهم برمته".
واعتبر أن "العبرة الأساسية منذ بدء العدوان، تكمن في أن حماس لم تنكسر بعد، وأن إسرائيل لم تنجح في دق الأسافين بينها وبين جمهورها. والأهمّ من كل ذلك، أنه يتضح المرة تلو الأخرى، أن سلاح الجو وحده ليس كافياً، لحسم المعركة، وليس قادراً على تفجير الأنفاق من الجو".
ولا يقف الأمر عند هذا الحدّ، بحسب التحقيق الموسّع الذي كتبه رونين بيرغمان، اليوم، في ملحق "يديعوت أحرونوت"، الذي كشف فيه "مسلسل الإخفاقات في التعامل مع الأنفاق وخطرها، منذ أول تقرير رسمي وُضع عام 2005، ولم يجر التعامل معه بجدية في حينه".
واستنتج بيرغمان، بعد أحاديثه مع مسؤولين كبار في الجيش الإسرائيلي، أن "الجيش لا يملك لغاية الآن، حلًّاً تكنولوجياً يُجنّب النزول الى الأنفاق، وقادر على اكتشافها من الجوّ وتفجيرها من دون الوصول إليها ميدانياً".
وأضاف أنه "حتى لو أقرّ الجيش مستقبلاً استخدام شبكة المجسات السيسمولوجية، أو أي نوع آخر من الحلول التكنولوجية، التي يقترحها المعهد الجيو فيزيائي، منذ 13 عاماً، فإنها لن تُحلّ ولن تكشف عن الأنفاق التي تم حفرها في وقت سابق، وهي تحتاج الى منظومة جديدة مغايرة".
وبالعودة إلى نتنياهو، فإنه أياً كانت نتائج العدوان، وتحديداً في حال نجاح المقاومة في تنفيذ عمليات جديدة داخل العمق الإسرائيلي، توقع ضحايا مدنيين أو عدداً كبيراً من القتلى في صفوف الجنود، فإن من شأن ذلك أن يعيد إثارة موضوع فشل حكوماته المتعاقبة منذ العام 2009.
فأي فشل في مواجهة موضوع الأنفاق، في موازاة الإنجاز العسكري الباهر الذي تحققه المقاومة الفلسطينية، قد يقود بعد العدوان، إلى تشكيل لجنة تحقيق رسمية، لدرس أسباب الفشل في معالجة أمر الأنفاق. فينضم نتنياهو، بذلك إلى رؤساء الحكومات السابقين في إسرائيل، بدءاً من غولدا مائير، مروراً بمناحيم بيغن، وايهود أولمرت، وانتهاءً به، والذين أطاحهم فشلهم "الأمني" من الحكم، أو دفعهم إلى التنحّي والاستقالة ومغادرة المشهد السياسي الإسرائيلي، كما حدث مع بيغن بعد اجتياح لبنان في العام 1982.