وضع قرار المعارض الروسي أليكسي نافالني بالعودة إلى بلاده السلطات في موقف محرج، بعد إجبارها على تنفيذ تهديدات سابقة باعتقاله في حال وصل إلى موسكو، وهو ما حصل مساء أول من أمس، الأحد. ويُنذر اعتقال المعارض الأكثر انتقاداً لحكم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والنخبة المقربة منه، بأزمة جديدة مع الغرب، وبداية غير موفقة مع إدارة الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن، التي ستبدأ عملها غداً، الأربعاء. كما يمكن أن يعطل توقيف نافالني مخططات الكرملين بالفوز بأغلبية مطلقة في الانتخابات البرلمانية المقررة في خريف العام الحالي لاختيار مجلس الدوما (البرلمان) الجديد، سيكون مسؤولاً عن التصديق على آلية انتقال السلطة في عام 2024. مساء أول من أمس، الأحد، وفي تحد واضح للسلطات، قرر نافالني العودة إلى روسيا بعد فترة علاج ونقاهة في ألمانيا استمرت 5 أشهر، للعلاج من التسميم. وقد كان مقرراً أن تهبط طائرة نافالني في مطار فنكوفو في العاصمة، لكن القوى الأمنية اعتقلت عدداً من أنصاره فيه، وتمّ تحويل طائرته إلى مطار شيريميتييفو. ولم يكترث المعارض، الذي اختار طيران "بوبيدا" (تعني النصر)، للعودة إلى موسكو، بتهديدات مصلحة السجون الروسية، وتأكيدها أنه سيتم اعتقاله فور هبوطه في موسكو. وبالفعل فقد اعتقلته الشرطة، تنفيذاً لمذكرة قضائية تتهمه بخرق قواعد متعلقة بضرورة عدم مغادرة البلاد، وإثبات وجوده في قسم للشرطة مرتين شهرياً، بموجب حكم قضائي بالسجن 3 سنوات ونصف السنة مع وقف التنفيذ في عام 2014.
يمكن أن يعطل نافالني سيطرة الكرملين على انتخابات الدوما
وبعد تراجع أسهمه نتيجة غيابه نحو خمسة أشهر للعلاج، برز نافالني منذ مساء الأحد كالقائد الأبرز للمعارضة الروسية، رغم سعي السلطات دائماً إلى تقديمه كمدون "مشاغب" يسعى إلى ابتزاز رجال الأعمال والنخب الحاكمة، وتصويره كأداة في يد أجهزة الاستخبارات الخارجية لزعزعة الأوضاع في روسيا. وأثناء استجواب نافالني، أمس الاثنين، في مركز للشرطة، اعتقلت قوى الأمن عدداً من أنصاره، قبل أن تُصدر محكمة خيمكي في موسكو، قراراً بتوقيفه حتى 15 فبراير/ شباط المقبل. ومن المقرر أيضاً أن تنظر محكمة سيمونوفسكي في موسكو، في 29 يناير/ كانون الثاني الحالي، في قضية مخالفة نافالني لنظام فترة الاختبار في عقوبة السجن مع وقف التنفيذ، وما إذا كان سيتم استبداله بالسجن الفعلي. غير أن نافالني، وفي تسجيل مصور نُشر على مواقع التواصل الاجتماعي، بدا مستاءً في قاعة المحكمة وقال: "لقد شاهدت الكثير من حالات السخرية من القانون، ولكن الأمر هنا هو غياب مطلق للقانون". وأضاف: "الجدّ (بوتين) في مخبئه يخاف جداً، لدرجة أنه تم تمزيق وإلقاء قانون إجراءات العقوبات الجنائية في سلة المهملات"، في إشارة لانعقاد جلسة محكمة في قسم للشرطة. ودعا نافالني الروس "للخروج إلى الشارع" ضد النظام، مضيفاً أن "أكثر ما تخشاه هذه العصابات (في الحكم) تعرفونه، هو أن ينزل الناس إلى الشارع. إذاً لا تخافوا، انزلوا إلى الشارع، ليس من أجلي لكن من أجلكم، من أجل مستقبلكم". وكان نافالني قد تعرّض للتسميم في أغسطس/ آب الماضي، أثناء رحلة إلى سيبيريا. وحينها قرر قائد الطائرة الهبوط اضطرارياً في مدينة تومسك، حيث خضع لإسعافات أولية. ولاحقاً وبضغطٍ من عائلته، نُقل نافالني إلى العاصمة الألمانية برلين، وخضع لعلاج مكثف، ثبت فيه تعرّضه لغاز "نوفيتشوك". وتنفي عودة نافالني إلى البلاد صفة العميل الأجنبي الذي يعمل من الخارج، ويحرض أبناء شعبه على التظاهر ضد النظام، بينما يعيش هو وعائلته بأمان في أوروبا، حسبما تروّج له السلطات. ويكشف الاستقبال الكبير والتغطية الإعلامية لخطوة نافالني الشجاعة بالعودة، أن السلطات لم تعد قادرة على تجاهله. وتثبت ردود الفعل الدولية الغاضبة، أنه لم يعد مجرد "قضية داخلية" تختلف النخب الحاكمة على طريقة حلها، بل "قضية خارجية"، مع تحوّل نافالني إلى "معتقل سياسي". مع العلم أنه نادراً ما شهدت روسيا معتقلين سياسيين في السنوات الأخيرة، باستثناء الملياردير ميخائيل خودوركوفسكي، الذي اعتُقل نتيجة أعماله التجارية في شركة "يوكوس" واستغلال برامج الخصخصة في بداية التسعينيات للإثراء السريع. من الواضح أن السلطات الروسية كانت تفضل عدم عودة نافالني لأسباب عدة، منها الحدّ من قدرة المعارضة "غير المدجنة" على تنظيم صفوفها في عام انتخابي، سيشهد انتخاب مجلس الدوما المعني بتنظيم عملية انتقال السلطة في عام 2024، سواء من بوتين إلى خليفة يحدده أو إعادة ترشيح بوتين ذاته لهذا المنصب. وعلى الرغم من عدم وجود مؤشرات إلى قدرة أنصار نافالني أو الأحزاب الأخرى على سحب البساط من حزب "روسيا الموحدة" الحاكم، غير أن تجارب الكرملين السابقة مع نافالني في تنظيم الاحتجاجات، وابتكار طرق لإبعاد ممثلي السلطة عبر "الانتخاب الذكي" تؤرقه. مع العلم أن صنّاع القرار في موسكو يجهدون لتحقيق فوز أنصار بوتين بأكثر من ثلثي أعضاء الدوما، بغية تأمين الأغلبية المطلقة وتمرير أي قرارات للكرملين. ويمكن أن يؤدي اعتقال نافالني إلى تحوله إلى "بطل أسطوري"، اختار الاستمرار في مقارعة فساد السلطة، ونجاحه في قلب نتائج الدوما المقبلة. وتنذر ردود الفعل الدولية الرافضة لاحتجاز نافالني والداعية إلى إطلاق سراحه فوراً بمواجهة جديدة للكرملين مع الغرب. وتخشى السلطات الروسية الاستجابة للضغوط الغربية، لأنها ستظهر ضعيفة أمام أنصارها. كما سيستغلّ نافالني مسألة الإفراج عنه، ليتحول إلى "الشخص الثاني" في البلاد، بعد بوتين، والشخص الذي تجاهل تهديدات الكرملين وعاد منتصراً إلى موسكو بعد محاولة تسميم فاشلة، وسعي السلطات إلى بقائه بعيداً في منفاه الأوروبي.
أعلنت السلطات توقيف نافالني حتى 15 فبراير المقبل
وقد عبّرت مفوضية حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، أمس الإثنين، عن قلقها البالغ إزاء توقيف نافالني، ودعت للإفراج الفوري عنه. وأفاد مكتب مفوضة حقوق الإنسان ميشيل باشليه في تغريدة على "تويتر"، بأنه "نشعر بقلق بالغ إزاء اعتقال أليكسي نافالني، وندعو للإفراج عنه فوراً، واحترام حقه في الإجراءات القانونية تماشياً مع حكم القانون. نكرر دعوتنا لتحقيق دقيق وموضوعي في تسميمه". بدورها، اعتبرت منظمة العفو الدولية، مساء الأحد، أن اعتقال نافالني يجعل منه "سجين رأي" ضحية "حملة لا هوادة فيها" للسلطات الروسية بهدف "إسكاته". من جهته، طالب رئيس "مجلس أوروبا" شارل ميشال، ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين، وألمانيا وبريطانيا وبولندا بالإفراج عن نافالني "فوراً". في الولايات المتحدة، دعت إدارة الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن إلى الإفراج عن نافالني، وندد وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو بمحاولة "إسكات نافالني". لكن المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، ردت عبر "فيسبوك" بقولها: "اهتموا بمشاكلكم الخاصة"، مشيرة إلى أن دعوات الدول الغربية للإفراج عن نافالني، تهدف لصرف الانتباه عن "أعمق أزمة يواجهها نموذج التنمية الليبرالي نفسه فيها".