يستعدّ المعتصمون في ساحة التحرير وسط بغداد، لفكّ التجميد الاختياري لتحركاتهم الذي أجروه خلال الأشهر الماضية بسبب تفشي فيروس كورونا، والانطلاق مجدداً في احتجاجاتهم لتجديد المطالبة بقانون الانتخابات العادل والنزيه، إضافة إلى تأكيد إجراء الانتخابات المبكرة، ناهيك عن المطلب الأساسي، وهو محاسبة قتلة المحتجين منذ الأول من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، ومنع التدخل الخارجي الإيراني والأميركي على حدّ سواء.
وبحسب متظاهرين التقى بهم مراسل "العربي الجديد"، فإنهم "انتهوا تقريباً من كل الاستعدادات للاحتجاجات التي ستنطلق يوم السبت المقبل في العاصمة العراقية، وبقية محافظات الجنوب، وسط إجراءات عدة اتخذها الناشطون لمنع أي ذريعة تتخذها قوات الأمن لقمعهم، بما فيها الالتزام بالبقاء بمناطق التظاهر، والابتعاد عن حواجز الأمن المقامة قربها".
ولفت متظاهرون إلى أن "هناك أكثر من استراتيجية تبناها المحتجون خلال فترة التحضيرات، ومنها عدم الاعتماد على الساحات والميادين المعروفة في التظاهر، واللجوء إلى طريقة "نشر الأمل"، وتتلخص بتجزئة المتظاهرين وتوزيعهم في أكثر من شارع وساحات جديدة لمنع السيطرة عليهم عبر خنقهم في مكان واحد. وأن هذه الطريقة تهدف إلى توسيع رقعة الاحتجاج واعتماد أكثر من جبهة جديدة".
وشهدت ساحات الاحتجاج في بغداد ومدن وسط وجنوب البلاد تراجعاً كبيراً بأعداد المتظاهرين منذ مارس/ آذار الماضي، وتحديداً بعد تفشي فيروس كورونا في البلاد، وقاربت أعداد المصابين نحو 400 ألف إصابة، إلا أن بوادر التلاعب بقانون الانتخابات وإفراغه من محتواه من قبل كتل سياسية، عدة عبر السعي لتمرير مقترح الدوائر الانتخابية المتوسطة بتوزيع طائفي لا جغرافي ولا بعدد السكان، فضلاً عن استمرار مماطلة الحكومة في مسألة محاسبة كبار الفاسدين، وملف قتل الناشطين والمتظاهرين، دفع الناشطين في العراق ببغداد وجنوبي البلاد مجدداً إلى السعي لاستئناف التظاهرات.
من جهته، قال علي الغزي، وهو ناشط من مدينة الناصرية، إن "السبت المقبل هو آخر أيام المهلة التي أطلقها المتظاهرون للحكومة المحلية في محافظة ذي قار، والاتحادية في بغداد، من أجل التدخل والإفراج عن الناشط المدني والمتظاهر الذي اختطفته المليشيات الموالية لإيران "سجاد العراقي"، ولذلك فإن السبت سيشهد تظاهرات كبيرة في المدينة احتجاجاً على إهمال الحكومة لمطالب المحتجين"، مبيناً لـ"العربي الجديد"، أن "بعض الأحزاب والجهات المسلحة في العراق، تظن أن المتظاهرين تراجعوا، ولكن الخامس والعشرين من أكتوبر الجاري، سيثبت أننا سنعود".
وكان المحتجون في محافظة واسط (جنوب بغداد) قد طالبوا السلطات العراقية في بيان، بتنفيذ عدة مطالب، منها إقالة المحافظ ونائبيه، وتسليم إدارة المحافظة إلى هيئة القضاء بالتعاون مع القوات الأمنية، واشترك مع المتظاهرين في مطالبهم، شيوخ عشائر من المحافظة، وهي بادرة تزعج الحكومة، ولا سيما أن الأحزاب العراقية عمدت طيلة السنوات الماضية إلى إشراك بعض العشائر العربية ضمن طريقة المحاصصة بتوزيع الثروات والصفقات والمناصب.
ومنذ مطلع العام الحالي، لم ينسحب المتظاهرون بأكملهم من ساحات الاحتجاج، ولا سيما في ساحات التحرير ببغداد والصدرين في النجف والحبوبي في الناصرية، وتحولوا من متظاهرين إلى معتصمين ينتشرون في الخيام، ويرفضون تركها، كي لا تقع فريسة في أيدي المليشيات التي تحاصر الساحات وتراقب من فيها، مواصلين رفع مطالبهم بمحاكمة الفاسدين.
بدوره، أكد عضو مفوضية حقوق الإنسان علي البياتي، أن "الجهات الحقوقية في العراق والعالم تراقب ما ستؤول إليه الأمور، خلال المرحلة الثانية من تجدد الاحتجاجات العراقية، وتحديداً ملف العنف والقمع الذي يتوقع أنه سيتكرر في ظل استمرار الانفلات الأمني وتغول الجماعات المسلحة على القرارات العسكرية"، مشيراً في اتصالٍ مع "العربي الجديد"، إلى أن "على رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي أن يضبط قواته، ويمنع أي اعتداء على الناشطين والمتظاهرين، وإن حدوث أي فعل عكس ذلك، يعني أنه سيُعامل على المستوى الحقوقي معاملة عادل عبدالمهدي".
وكان الكاظمي، قد تعهد في وقتٍ سابق، بالقصاص من كل من تورط في إراقة دم العراقيين، وجاء ذلك خلال لقائه في القصر الحكومي ببغداد عدداً من ذوي قتلى الاحتجاجات، وخصوصاً من تعرض منهم للاغتيال، وفق بيان صادر عن الحكومة العراقية. وذكر أن "العراق مر بمراحل صعبة، وشهد في الجانب الأمني حالات اغتيال واختفاء لمواطنين، على يد أطراف مسلحة، لكننا بحاجة إلى صبر وتحقيق دقيق ومهني لضمان العدالة"، مؤكداً أن "العدالة من أجل إحقاق الحق أمر أساسي، لكن العدالة تكتسب صبغة أكثر اتساعاً إذا كان هدفها عدم السماح بتكرار هذه الانتهاكات، لذلك نحن أمام عمل تاريخي، من أجل شعبنا ومن أجل المستقبل".
ويواصل المتظاهرون في العراق احتجاجاتهم، منذ مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي، مطالبين بانتخابات مبكرة وقانون جديد، في بلد تتفاقم فيه المشاكل الأمنية والاقتصادية منذ 2003. وتعرّض المتظاهرون طيلة الأشهر الماضية إلى "قمع مفرط" أدى إلى مقتل قرابة 700 متظاهر منهم، وإصابة نحو 27 ألفاً آخرين، إلا أنه في الأشهر الماضية تراجعت أعداد المحتجين بسبب الإجراءات الوقائية التي اتخذتها الحكومة العراقية بعد انتشار فيروس كورونا.