تستعدّ المنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان لمؤتمر الأمم المتحدة حول المناخ (كوب 28) الذي يُعقد اعتباراً من الخميس المقبل في الإمارات، مع الخوف من المراقبة والتوقيف، في ظل نظام قضائي صارم في الدولة الخليجية النفطية.
وسبق أن أكّدت الإمارات التي تمنع التظاهر بدون إذن مسبق، أنها ستسمح بالتجمعات في مساحة مخصصة لذلك، ضمن موقع انعقاد المؤتمر في "مدينة إكسبو" في دبي، وهي مشروع شاسع أُقيم على مشارف الإمارة محاط بالصحراء.
لكن هذه التطمينات والتعهّد باستضافة "أهمّ وأكبر" نسخة من المؤتمر الدولي حول المناخ، لم تنجح كثيراً في تهدئة الناشطين الذين يقولون إنهم يعتزمون إثارة قضايا حقوق الإنسان خلال المؤتمر المقرر عقده من 30 نوفمبر/ تشرين الثاني إلى 12 ديسمبر/ كانون الأول.
وقال المتحدث الرئيسي باسم "تحالف العدالة المناخية" Climate Justice Coalition أسد رحمن: "نشعر بقلق بالغ إزاء (احتمال) توقيف أشخاص واحتجازهم"، مشيراً إلى أن التحالف ينوي تنظيم تحرّكات على الأرض.
وأوضح الناشط لوكالة "فرانس برس" أن "ثمة ًقلقا أكبر من حجم المراقبة وخصوصاً المراقبة الرقمية"، مضيفاً "نحن ندرك أن الإمارات تملك التقنيات لمراقبة الاتصالات عبر الإنترنت".
وتُمنع التجمّعات غير المرخّصة في الإمارات، ومن النادر جداً أصلاً خروج تظاهرات في الشارع. وتحلّ الإمارات في المركز الـ145 من أصل 180 دولة في التصنيف العالمي لحرية الصحافة 2023 الذي تعدّه منظمة "مراسلون بلا حدود".
كذلك، يجرّم قانون العقوبات الإماراتي الإساءة إلى دول أجنبية وتعريض العلاقات معها للخطر. ففي عام 2020، حُكم على أردني مقيم في الإمارات بالسجن عشر سنوات لانتقاده في منشورات على موقع "فيسبوك" العائلة المالكة الأردنية والحكومة، وفق منظمة "هيومن رايتس ووتش".
"آخر مدافع عن حقوق الإنسان"
وتتهم منظمتا "العفو الدولية" و"هيومن رايتس ووتش"، الإمارات بسجن 62 إماراتياً على الأقل لأسباب سياسية. إلا أنّ السلطات تتهمهم بأنهم مرتبطون بحركة الإخوان المسلمين المصنّفة "إرهابية" في الإمارات.
ومن بين السجناء الإماراتيين أحمد منصور الذي يُعرف بأنه "آخر مدافع عن حقوق الإنسان" في الإمارات.
وأوقف منصور الذي انتقد السلطات بشكل علني، في مارس/آذار 2017 بموجب قانون الجرائم الإلكترونية. وحُكم عليه في العام التالي، بالسجن لمدة عشر سنوات، بتهمة "نشر معلومات مغلوطة" و"الإضرار بسمعة الدولة".
وقال الباحث في منظمة العفو الدولية في شؤون الإمارات ديفين كيني: "لقد قمعت الإمارات أشكال المجتمع المدني المحلي كافة من خلال سجن.. الإماراتيين الذين عبروا حتى عن انتقادات بسيطة".
وأضاف: "ليست هذه هي المرة الأولى التي يُعقد فيها مؤتمر كوب في دولة قمعية إلى حدّ بعيد".
لتهدئة المخاوف قبيل المؤتمر، أعلنت الإمارات أنّها ستخصص "مساحة" للناشطين البيئيين للتجمع "السلمي" فيها، وإيصال أصواتهم خلال المؤتمر.
لكن التعليمات التي صاغها فريق تنظيم كوب 28 في الإمارات ونشرها موقع الأمم المتحدة لمحادثات المناخ، حذّرت من أن "القانون الإماراتي يحظر نشر معلومات مضللة وأخبار كاذبة والإدلاء بتصريحات تشهيرية شفهياً أو على وسائل التواصل الاجتماعي".
وفي رسالة موجّهة خصوصاً للمشاركين في المؤتمر من مجتمع الميم-عين، طُلب من "جميع الزوار والمقيمين احترام القيم الثقافية والاجتماعية في الإمارات".
وأصدر مكتب تنظيم الإعلام في الإمارات قيوداً أكثر شمولاً نُشرت على موقع تابع للأمم المتحدة الشهر الماضي، لكن سرعان ما حُذفت.
وطلبت التوجيهات من الصحافيين في مستند بعنوان "معايير المحتوى الإعلامي"، "عدم نشر ما يتضمن إساءة مباشرة أو غير مباشرة لنظام الحكم في الدولة، أو يضر المصالح العليا للدولة، أو النظم التي يقوم عليها المجتمع".
وأكد فريق تنظيم كوب 28 في الإمارات، في بيان، أن محتوى المستند "قديم وغير مناسب لوسائل الإعلام" التي تغطّي محادثات المناخ.
احتجاجات محدودة
وأصبحت التظاهرات الحاشدة مشهداً مألوفاً في معظم مؤتمرات المناخ السابقة. وسُمح بتنظيم تجمّعات محدودة خلال كوب 27 العام الماضي في مصر، حيث تتشدد السلطات عموماً مع التظاهرات وتوقف ناشطين.
هذا العام يُرجّح أن تقتصر الاحتجاجات على "المنطقة الزرقاء" ضمن موقع إقامة المؤتمر، وهي مساحة تديرها الأمم المتحدة وليس السلطات الإماراتية.
وقال رحمن "لن تُقام أي تحركات أو فعاليات من جانب المجتمع المدني خارج مكان انعقاد مؤتمر الأطراف بسبب مخاوف أمنية".
وأوضح أن الناشطين يعتزمون خلال كوب 28، التنديد بطريقة معاملة الإمارات العمّال المهاجرين، وتوقيفها شخصيات بارزة من المجتمع المدني، وإنتاجها الوقود الأحفوري.
وأكد رحمن: "كنّا صريحين مع رئاسة كوب 28 والأمم المتحدة وهم يدركون جيداً... أن إحدى مناشداتنا هي أنه لن تتحقق العدالة المناخية بدون حقوق إنسان".
وعبّرت ناشطة كينية شاركت في ثلاثة مؤتمرات مناخ سابقة بما في ذلك كوب 27 في مصر العام الماضي، عن قلق من نوع آخر، فقالت شرط عدم الكشف عن هويتها، إن "المخاوف الأمنية التي أشعر بها الآن كشخص يذهب إلى كوب، هي أنني فتاة متحولة جنسياً وينبغي أن أخفي ذلك".
(فرانس برس)