ميثاق لجان المقاومة في الخرطوم: خريطة طريق سياسية لهزيمة الانقلاب

01 مارس 2022
تظاهرة في الخرطوم رفضاً للاعتقالات التي نفّذها الجيش، أكتوبر الماضي (فرانس برس)
+ الخط -

بإعلانها عن ميثاق سياسي جديد، تتجاوز لجان المقاومة السودانية مرحلة تحريك الشارع، إلى مرحلة رسم خريطة طريق سياسية، لهزيمة الانقلاب العسكري الذي نفّذه رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان في 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ووضع الأسس لما بعد الانتصار عليه. وعلى الرغم من أهمية الميثاق، يرى فيه متابعون بعض الثغرات، فيما أكد القيّمون عليه وجود فرصة للتعديل عليه.

وأول من أمس الأحد، كشفت لجان مقاومة ولاية الخرطوم، عن ميثاق توافقت عليه تحت اسم "ميثاق تأسيس سلطة الشعب"، في خطوة سبقتها إليها كلّ من لجان مقاومة مدينة ود مدني، وسط السودان، ومدينة مايرنو، على الجنوب. ويكشف ذلك عن استعداد تلك اللجان بديناميكيتها على صنع الحدث، والتنظير له، وسعيها الحثيث لتوحيد مركز الثورة وقواها الحيّة.

لجان المقاومة في السودان: دور بارز بالحراك الثوري

ولجان المقاومة هي لجان بدأت في التشكل في أحياء المدن، وفي القرى منذ عام 2013، لمقاومة نظام الرئيس (المعزول لاحقاً)، عمر البشير، وكان لها دور بارز في حراك ثوري عمّ البلاد، في ذلك العام، عقب قرار للنظام بتحرير أسعار المشتقات البترولية.

وفي عام 2018، ومع اندلاع الثورة السودانية ضد نظام البشير، عادت هذه اللجان للواجهة مجدداً، حيث تمّ الاعتماد عليها لتحشيد الأحياء والتنسيق بين الأحياء والمناطق، في إخراج وتنظيم التظاهرات اليومية، بالتنسيق كذلك مع تجمع المهنيين السودانيين وقوى إعلان الحرية والتغيير.

بعد انتصار الثورة في 11 إبريل/نيسان 2019 بسقوط نظام البشير وتكوين حكومة مدنية بعد عملية تفاوض بين العسكر وتحالف الحرية والتغيير، وقعت فجوة بين التحالف ولجان المقاومة، التي تحفظت كلياً على الأداء الحكومي وتماهي التحالف مع العسكر والسماح لهم بالتمدد وظيفياً على حساب صلاحيات ومهام المكون المدني.

تركيز على إسقاط الانقلاب العسكري ومحاكمة الضالعين فيه واقتراح فترة انتقالية مدتها سنتان وصياغة دستور انتقالي جديد

كما أن لجان المقاومة ظلّت في حالة غضب يومي، من تباطؤ تنفيذ مبادئ العدالة الانتقالية، لاسيما تلك المرتبطة بالقصاص للشهداء والجرحى، خصوصاً في جريمة فضّ اعتصام محيط القيادة العامة للجيش في الثالث من يونيو/حزيران 2019.

عقب وقوع انقلاب قائد الجيش، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، على السلطة الانتقالية في 25 أكتوبر الماضي، تبنت لجان المقاومة السودانية مهمة إسقاط الانقلاب بالكامل. وحظيت هذه اللجان بثقة كبيرة بين الشباب، الذين فقدوا هذه الثقة في تحالف الحرية والتغيير، ونتيجة للانقسامات التي ضربت تجمع المهنيين والأجسام النقابية.

ورفعت لجان المقاومة شعارها الأساسي، "لا تفاوض، لا مشاركة، لا شرعية"، وقررت القطع تماماً مع الماضي، وعدم العودة إلى أي شراكة مع العسكر مستقبلاً. كما تبنت فكرة إلغاء الوثيقة الدستورية تماماً، والتفكير في مواثيق سياسية جديدة تنتهي إلى دستور جديد، لذا تعددت محاولاتها في إعداد ميثاق سياسي جديد، آخرها الميثاق المعلن الأحد.

ويأتي الاهتمام بالميثاق السياسي الأخير وبلجان المقاومة عموماً، نتيجة طبيعية للقوة التي اكتسبتها هذه اللجان في مناهضة انقلاب البرهان، حيث نجحت حتى الآن في تنظيم نحو 30 مليونية في الخرطوم، وعشرات التظاهرات الليلية في الأحياء، من دون أن يوقف نشاطها اليومي، التعاطي العنيف من الانقلاب مع الحراك الثوري، الذي نتج عنه بعد مرور أكثر من 120 يوما من الانقلاب، مقتل ما لا يقل عن 83 شخصاً، وإصابة أكثر من 2300 آخرين، واعتقال المئات من عناصر لجان المقاومة.

مع تلك الأهمية السياسية والميدانية للجان المقاومة، بات من الصعب تجاوزها، وسعت كل الجهات لخطب ودّها ومغازلتها، بما في ذلك قائد الانقلاب الفريق أول عبد الفتاح البرهان، ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك قبل استقالته الأخيرة في 2 يناير/كانون الثاني الماضي، وكذلك قوى إعلان الحرية والتغيير لإعادة العلاقة معها.

بنود الميثاق يتصدرها إسقاط الانقلاب

مع تلك المكانة والظروف السياسية الحالية، جاء ميثاق لجان المقاومة في ولاية الخرطوم، لينص على 12 محوراً، يتصدرها المحور الأول الخاص بإسقاط الانقلاب ومحاكمة كل الضالعين فيه من القوى العسكرية والمدنية، وإلغاء الوثيقة الدستورية وكل المراسيم التي أعلنت منذ سقوط نظام البشير، ورفض التفاوض المباشر وغير المباشر مع الانقلابيين.

وهنا تبدو الإشارة واضحة برفض العملية السياسية التي ترعاها بعثة الأمم المتحدة في السودان، للتقريب بين أطراف الأزمة، وهى عملية تقوم حتى الآن على التفاوض غير المباشر، وهو أمر سبق أن رفضته اللجان وامتنعت فيه حتى عن الجلوس مع رئيس البعثة، فولكر بيرتس.

ويقترح الميثاق فترة انتقالية مدتها سنتان، تشكل فيها سلطة انتقالية ويشرع فيها العمل لدستور انتقالي جديد، على أن تشكل هياكل الحكم تحت إشراف ورقابة لجان المقاومة وقوة الثورة الحيّة المتوافقة على الميثاق السياسي. ويسمى رئيس وزراء من الكفاءات الوطنية المستقلة، ليقوم بمهام استلام السلطة وتسيير المهام السيادية والتنفيذية، وتكوين مجلس تشريعي انتقالي ومفوضيات مستقلة.

ولضمان تحقيق العدالة وعدم الإفلات من العقاب، نصّ الميثاق على تكوين محاكم ونيابات خاصة لمحاكمة المتورطين في انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب في عهد البشير، وفي جريمة فض الاعتصام وجرائم ما بعد انقلاب 25 أكتوبر.

كما نصّ الميثاق على مراجعة اتفاقية سلام جوبا بين الحكومة وعدد من حركات التمرد، والتي انتهت بمشاركة الأخيرة في السلطة وتأييد بعضها للانقلاب العسكري، مع قيام مؤتمر قومي للسلام من أجل حوار سوداني سوداني.

في ما يتعلق بإصلاح المنظومة العسكرية، شدّد الميثاق على بناء جيش قومي موحد بعد حل كلّ المليشيات، بما في ذلك مليشيا الدعم السريع، وإعادة بناء جهاز المخابرات لتكون مهمته فقط جمع المعلومات وتصنيفها وتسليمها لجهات الاختصاص. كما شمل الميثاق بنودا أخرى حول الخدمة المدنية وإصلاح المنظومة القضائية والحقوق والحريات، وصناعة الدستور والانتخابات.

وركّز ميثاق لجان المقاومة في الخرطوم على المحور الاقتصادي، بنصّه على رفع المعاناة المعيشية عن كاهل المواطنين وانتهاج سياسة اقتصادية تراعي التوزيع العادل للثروة، وفرض ولاية وزارة المالية على جميع نواحي الحياة، بما في ذلك الشركات والمؤسسات التابعة للقوات النظامية، وحصر أنشطة الأخيرة في الصناعات العسكرية الدفاعية. كما نصّ على إلغاء جميع أشكال هدر المال العام لتعزيز بناء دولة القانون.

في السياسة الخارجية، كان لافتاً تضمين الميثاق السياسي للجان مقاومة ولاية الخرطوم، نصّاً صريحاً بسحب القوات السودانية المشاركة في حرب اليمن، وإرجاء التطبيع مع إسرائيل لحين عرضه على مجلس تشريعي، والبعد عن صراع المحاور الإقليمية، وانتهاج سياسة خارجية مبنية على الندية والمصالح المشتركة.

دعوات لتنقيح كلّ المواثيق المطروحة من قبل اللجان في الولايات السودانية تمهيداً للتوصل إلى ورقة موحدة

في نهايته، وضع الميثاق أحكاماً عامة تمنع القوى السياسية التي شاركت نظام البشير من التوقيع، وكذلك القوى التي شاركت في انقلاب البرهان، مع اشتراطه بشكل غير مباشر على قوى إعلان الحرية والتغيير التي تفاوضت مع المجلس العسكري في عام 2019، تقديم نقد موضوعي للتجربة والاعتذار عن الأخطاء.

ويشرح زهير الدالي، القيادي في لجان المقاومة بولاية الخرطوم، وأحد أعضاء اللجنة التي صاغت الميثاق السياسي، أن الميثاق يلبي طموحات السودانيين ويضع حداً فاصلاً لمسيرة العبث السياسي لتغيير الدولة السودانية في كلّ جوانب الحكم والسياسة والاقتصاد والعدالة والحريات العامة وغيرها من جوانب الإصلاح الشامل.

ويوضح الدالي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الميثاق نتاج جهد متكامل من كل لجان مقاومة الخرطوم، ويجد مباركة وتأييداً من اللجان الولائية، وسيكون بعد أيام قليلة ورقة جامعة لتوحيد كلّ قوى الثورة في بوتقة واحدة.

ويلفت القيادي، إلى أنّ النقطة الأقوى الواردة في الميثاق، هي تثبيت مبدأ عدم التفاوض مع العسكر، تعبيراً عمّا يريده الشارع. كما أن الميثاق يضع لجان المقاومة في موضع متقدم لقيادة زمام المبادرة، بحسب قوله، استفادة من التجربة الأولى حينما اكتفت اللجان بتفويض قوى إعلان الحرية والتغيير للقيادة والتقرير نيابة عنها.

ويشير الدالي إلى أن باب التوقيع مفتوح على مصراعيه للجميع من قوى الثورة على الميثاق، ولا مانع سوى الاستثناءات الواردة في الميثاق، لافتاً إلى وجود فرصة للتعديل على الميثاق متى ما حدث توافق، قبل أن يستدرك بقوله إنّ النصوص جاءت متكاملة وتعبر عن الجميع.

دعوات لمراجعة الميثاق

من جهته، يعتبر عبد الله بشير من لجان مدينة الأبيض، مركز ولاية شمال كردفان، أن ما قامت به لجان مقاومة الخرطوم أمر متقدم ومطلوب ومرحب به من كل اللجان بصورة مبدئية، مؤكدا ترحيبه بـ"الميثاق وبالمواثيق الصادرة من لجان أخرى، وكلها جهود تصب في الهدف الأساسي الخاص بإسقاط الانقلاب وبناء الدولة المدنية الديمقراطية".

وضع الميثاق أحكاماً عامة تمنع القوى السياسية التي شاركت نظام البشير من التوقيع، وكذلك القوى التي شاركت في انقلاب البرهان

لكن بشير يرى في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الميثاق الأخير يخص ولاية الخرطوم وحدها، مضيفاً أنه "للمضي أكثر، لا بد من جمع كل المقترحات والجلوس على طاولة واحدة لتنقيح كل المواثيق بحوار حرّ وديمقراطي، وإعادة صياغتها لتكون معبرة عن كل السودان وليس ولاية الخرطوم وحدها". كما يقترح أن يكون التمثيل في تلك الطاولة بالانتخاب من القواعد، مؤكداً ثقته في تحقيق ذلك.

من جهته، يبدي القيادي في الحزب الشيوعي السوداني، صديق يوسف، ترحيبه بتدشين ميثاق تأسيس سلطة الشعب من قبل لجان مقاومة الخرطوم، مشيراً إلى أن توقيت الإعلان عن الميثاق جاء في وقت حاسم كشرط من شروط توحيد قوى الثورة والقوى الاجتماعية، ويؤسس لديمقراطية شعبية. وأكد أن الحزب الشيوعي سيدرس الميثاق جيداً ثم يدلي برأيه النهائي حوله.

ويرجح يوسف، في حديث لـ"العربي الجديد"، انضمام أغلب قوى الثورة الحيّة للميثاق، والمضي بالثورة السودانية إلى الأمام، مقللاً من حجم الانتقادات للبند الوارد في الميثاق الذي يشترط على القوى التي فاوضت العسكر في السنوات الماضية، الاعتذار. وحول ذلك، يعتبر يوسف أن من واجب أي حزب ارتكب خطأ، الاعتذار عنه، مثل ما فعل الحزب الشيوعي قبل عام، حينما خرج من قوى إعلان الحرية والتغيير.

على ذات المنوال، يعرب القيادي في "الحرية والتغيير"، عادل خلف الله، عن ترحيبه بالميثاق كـ"خطوة مهمة وحّدت لجان المقاومة في ولاية الخرطوم وتحمل معها فرصا للتنسيق بين اللجان في الولايات"، مؤكداً وجود فرصة للحوار بين الجميع للتوصل إلى ميثاق واحد مع تعدد المواثيق من ولايات مختلفة ومن مراكز بحثية وأكاديمية ومبادرات سياسية.

ويوضح خلف الله في حديث لـ"العربي الجديد"، أن المطلوب كخطوة أولى "توحيد الصفوف لمواجهة انقلاب تقف خلفه الدولة العميقة القديمة والرأسمالية الطفيلية وتحالفات إقليمية ودولية".

ويتحفظ خلف الله على الشرط الموضوع على قوى الحرية التغيير للتوقيع تحديداً في ما يلي اعتذارها المطلوب، لافتأ إلى أنّ النص يؤسس لإقصاء قوى شكلت أكبر تحالف سياسي واجتماعي في تاريخ السودان، ولا يمكن فرض شروط مسبقة عليها.

ويبين أن مثل هذه الأمور "تصب لمصلحة فلول النظام القديم، وتزيد من عمر العسكر في السلطة بحدوث شروخ في الصف المنهاض للانقلاب"، مشدداً على أهمية إجراء حوار شامل للتوافق على ميثاق نهائي واحد يتلافى الأخطاء التي وقع فيها شكلاً ومضموناً ميثاق ولاية الخرطوم.

إلى ذلك، ترى رئيسة تحرير صحيفة "التغيير" الإلكترونية، رشا عوض، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الميثاق ارتكب خطأ فادحاً باختطافه الحديث عن كل الجماهير وعن كل لجان مقاومة ولاية الخرطوم نفسها، مشيرة إلى وجود تضليل واضح في هذا المنحنى. ويأتي ذلك خصوصاً بحسب رأيها، لأنه لم تجر انتخابات قاعدية لاختيار ممثلي لجان المقاومة، متوقعة ظهور انسحابات متوالية من بعض اللجان من الميثاق.

وتتحدث عوض عن وجود أحزاب سياسية، مثل الحزب الشيوعي، الذي ترى أنّه ينفذ أجندة "فلولية"، ويقف وراء ذلك الاختطاف، بغرض إقصاء قوى سياسية أخرى. أما من حيث المضمون، فتنبه إلى "وجود نصوص بحاجة لمراجعة، لأنها لم تضع آليات التنفيذ، مثل تكوين مجلس تشريعي من دون تحديد آلية للتكوين".

المساهمون