تدفع روسيا معسكر اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر لبناء علاقات أمنية وعسكرية مع دول أفريقية تملك فيها نفوذاً، في إطار تعزيز استراتيجياتها الرامية لتعزيز وجودها في العمق الأفريقي.
ومساء أمس الأحد، بحث رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ورئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب أسامة حماد، مع وزير الخارجية النيجري بكاري ياوو سنغاري، ووزير الداخلية النيجري محمد تومبا، في بنغازي، ملفات عدة في إطار تعزيز التعاون، وفق المكتب الإعلامي لحكومة مجلس النواب.
وفيما لم يفصل المكتب الإعلامي في الملفات التي بُحثت، أوضح أن اللقاء حضره المبعوث الخاص للمجلس العسكري النيجري لدى ليبيا غالي أولمبو.
ويوجد الوفد النيجري في بنغازي منذ الاثنين الماضي، حيث شارك في مؤتمر أفريقي نظمته حكومة مجلس النواب حول الهجرة، بمشاركة عدد من ممثلي المنظمات الأفريقية المعنية بظاهرة الهجرة غير الشرعية.
وتتزامن الزيارة مع تقرير حديث لموقع "أفريكا إنتلجنس" الفرنسي الاستخباري، كشف فيه عن بدء تشكل محور سياسي وأمني بين النيجر وحفتر برعاية روسية، مؤكدة أن مسؤولين من الطرفين عقدوا عدة لقاءات في الأسابيع الأخيرة.
وفي الوقت الذي أشارت فيه الصحيفة إلى أن شرق ليبيا بات محط أنظار الجانب الروسي ليكون مركزاً تكتيكياً للتوسع الاستراتيجي الروسي نحو أفريقيا، اعتبرت أن التقارب بين النيجر وحفتر يمهّد لتحالف على طول الحدود الصحراوية بين ليبيا والنيجر، التي تشكل معبراً أساسياً للمهاجرين القاصدين أوروبا في الشمال.
وليست المرة الأولى التي يزور فيها وفد نيجري معسكر حفتر، ففي ديسمبر/ كانون الأول الماضي، زار سنغازي برفقة أولمبو مدينة بنغازي والتقى عدداً من مسؤولي حكومة مجلس النواب، وذلك عقب ثلاثة أسابيع من قرار نيجري أثار الجدل بشكل واسع، ويتعلق بإلغاء قانون نيجري سابق يجرّم تهريب المهاجرين.
ولم يخفِ سنغازي رغبة السلطة العسكرية في النيجر بإقامة علاقات مع معسكر حفتر، فخلال زيارته بنغازي في ديسمبر الماضي، أكد أن العلاقة بين السلطتين العسكريتين في النيجر وبنغازي "جيدة"، وأنها ستتوج "ببناء علاقات متينة" بينهما، بحسب تصريحات أدلى بها لوكالة "سبوتنيك" الروسية.
لكن مصدراً ليبياً مقرباً من معسكر حفتر ولجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب أكد أن المشاورات بين معسكر حفتر والسلطة العسكرية في النيجر لم تتضح تفاصيلها حتى الآن، مشيراً إلى أن حفتر لا يزال يطالب موسكو، التي ترعى هذه المشاورات، بالمزيد من التوضيحات بشأن حدود علاقته بدول العمق الأفريقي التي تسعى موسكو للتوغل فيها.
حفتر وروسيا: شراكة رغم الهواجس
فيما يؤكد المصدر نفسه، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن حفتر "متمسك بالشراكة مع روسيا كونها حليفاً استراتيجياً"، يشير إلى أن علاقته بموسكو تشوبها المخاوف والهواجس، نظراً لـ"سياسات موسكو غير الواضحة في ليبيا، كعلاقتها مع أطراف ليبية، كبعض القادة في النظام السابق مثل سيف الإسلام القذافي، الذي لا يزال على علاقة ببعض الدول الأفريقية".
وعلى عكس ما قد يبدو من قوة العلاقة بين حفتر وموسكو، يكشف المصدر عن العديد من التفاصيل في موقف حفتر القلق من السياسات الروسية في المنطقة، ومنها أن موسكو تحاول ربط علاقة رسمية بين سلطة حفتر ودول أفريقية تتنفذ فيها من بوابة النيجر، مشيراً إلى أن موسكو اقترحت على حفتر الانضمام إلى اتفاق الدفاع المشترك الموقع بين النيجر ومالي وبوركينا فاسو في سبتمبر/ أيلول الماضي.
وقال: "مثل هذه المسألة حساسة للغاية بالنسبة للمشير (اللواء المتقاعد حفتر)، ولهذا فضّل أن يكون التواصل مع النيجر من خلال الحكومة التي كلّفت عيسى عبد المجيد وزيراً للشؤون الأفريقية"، في إشارة إلى تكليف رئيس حكومة مجلس النواب أسامة حماد، في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، عيسى عبد المجيد التباوي، الذي يملك علاقة قبلية وثيقة بالنيجر، مفوضاً للشؤون الأفريقية في الحكومة.
وفيما لفت المصدر الى أن تكليف عبد المجيد جاء كخطوة من جانب حفتر للتعاطي مع الضغط الروسي في اتجاه الانضمام للاتفاق العسكري بين الدول الأفريقية الثلاث، أشار إلى أنها مماطلة في نفس الوقت، "فحفتر يتطلع إلى خلاف ذلك بأن يكون الاتفاق موقعاً رأساً مع موسكو، وهو ما طالب به أثناء زيارته إليها" في سبتمبر الماضي.
وتابع المصدر الكشف عن تفاصيل أخرى في علاقة حفتر بموسكو شكّلت مصدر قلق له، ومنها القلق من تركة مجموعة فاغنر الروسية العسكرية الخاصة، وقال: "بدلاً من الوعود التي تلقاها المشير (اللواء المتقاعد حفتر) من (نائب وزير الدفاع الروسي يونس بك) يفكوروف أثناء اجتماعاته معه حول وضوح مصير (فاغنر) في معسكراته، فإن التقارير التي وردت كشفت عن أن الضباط الروس الذين يزورون معسكراته للعمل على إعادة تنظيم وترتيب مسلحي (فاغنر) هم على علاقة أيضاً بشركة أخرى للمرتزقة الروس اسمها شركة كونفوي".
علاقة غير واضحة
وعلى الرغم من تكرار زيارات يفكوروف إلى بنغازي ولقائه بحفتر أربع مرات منذ أغسطس/آب الماضي وحتى الأسبوع الماضي، وتخللتها زيارة أجراها حفتر إلى موسكو في سبتمبر الماضي التقى خلالها وزيري الخارجية الروسي سيرغي لافروف والدفاع سيرغي شويغو، إلا أن أستاذ الدراسات الإقليمية والدولية بالأكاديمية الليبية ناصر اوحيدة يرى أن العلاقة بين الجانبين "لم تتضح بعد"، معتبراً أن معلومات المصدر العسكري حول موقف حفتر المتوجس من السياسات الروسية قد تكشف أسباب عدم وضوح العلاقة حتى الآن، كما هي العلاقة الواضحة بين المجلس العسكري في النيجر وموسكو.
ونهاية ديسمبر/ كانون الأول الماضي، كشفت صحيفة فيدوموستي الروسية النقاب عن سعي موسكو لبناء "الفيلق الأفريقي" لينشط بديلاً عن مجموعات "فاغنر" في ليبيا وبوركينا فاسو ومالي والنيجر، وأن يفكوروف هو من يشرف على بنائه.
ويقول اوحيدة لـ"العربي الجديد" إن "العلاقة بين موسكو وحفتر يطبعها الطابع شبه الرسمي، لكن موسكو لن تتورط في علاقات رسمية مع سلطات عسكرية لا تمتلك الشرعية الكاملة في بلادها، كما هو حال حفتر الذي يدرك أن موسكو تستخدمه أداةً فقط، ولا تعترف بسلطته العسكرية، خاصة أنها تتواصل مع رموز النظام السابق، ولديها سفارة رسمية في طرابلس حيث سلطة حكومة عبد الحميد الدبيبة (حكومة الوحدة الوطنية)".
ويعتقد اوحيدة أن حفتر "أدرك أنه متورط الآن، فموسكو لا تريد شراكته العسكرية فقط، بل تريد استخدام الأراضي التي يسيطر عليها ممراً للمهاجرين الأفارقة نحو أوروبا القلقة جداً من التوغل الروسي في أفريقيا، ما يعني أنه سيغرق في مستنقع من الوحل".
ويتابع اوحيدة: "ليس من باب الصدفة أن تنظم حكومة مجلس النواب في بنغازي مؤتمراً للهجرة وبمشاركة رسمية من النيجر التي تُعدّ أكبر مصادر الهجرة نحو أوروبا، فملف الهجرة سيضاف إلى ملف النفط والطاقة الليبية الضاغط على أوروبا، خاصة مع الوجود العسكري الروسي قرب موقع النفط الليبي في عمق الصحراء". يشير إلى أن "حفتر سيبقى وضعه في دائرة الغضب الأوروبي والأميركي إذا لم يصل إلى بناء علاقة أمنية وعسكرية رسمية مع موسكو، وهو أمر بعيد المنال، وربما ليست لديه خيارات كثيرة لعرقلة استخدامه، وعليه المضي بخطى بطيئة للقبول ببناء علاقات مع دول النفوذ الروسي في أفريقيا".