شهد "داونينغ ستريت" توتراً كبيراً خلال عطلة نهاية الأسبوع على خلفية المحادثات التي يخوضها رئيس الحكومة البريطاني ريشي سوناك مع كافة الأطراف المعنية حول بروتوكول أيرلندا الشمالية المتنازع عليه منذ أشهر.
وتلقّى سوناك تحذيرات حول تمرّد محتمل لأكثر من 100 عضو برلمان عن "حزب المحافظين"، بسبب قضية البروتوكول وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، خاصة بعد التدخّل "العنيف" الذي قام به الزعيم السابق بوريس جونسون نهاية الأسبوع الماضي، مطالباً باتخاذ موقف "أكثر صرامة" تجاه بروكسل. ما يجعل قضية التوصل إلى حل نهائي حول "بريكست"، هي التحدي السياسي الأكبر الذي يواجهه سوناك منذ فوزه في السباق إلى الزعامة قبل 4 أشهر.
واعتبر جونسون في أول بيان صادر عنه بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي منذ مغادرته منصبه، أن التخلي عن التشريع الذي يتيح لمجلس الوزراء تمزيق أجزاء مهمة من بروتوكول أيرلندا الشمالية سيكون "خطأ فادحاً"، وأن على الحكومة والحزب الاحتفاظ بالتشريع كورقة ضغط على الاتحاد الأوروبي، مندّداً بالسماح لمحكمة العدل الأوروبية الاحتفاظ بدورها.
وكان مقرّراً أن يكشف سوناك عن خططه المتعلقة بالبروتوكول، اليوم الاثنين، قبل عرضها على مجلس العموم للتصويت، غداً الثلاثاء، إلا أن مصادر مقرّبة من "داونينغ ستريت" رجّحت، في حديث مع "العربي الجديد"، تأخّر هذه الخطوة بسبب التوترات التي أحدثها جونسون وحلفاؤه.
وكان سوناك قد اجتمع قبل يومين برئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، على هامش مؤتمر ميونخ للأمن، حيث أجريا مباحثات حول العديد من القضايا، بينها قضية بروتوكول أيرلندا الشمالية المثير للجدل. وأعلن "داونينغ ستريت"، في بيان، أن "المحادثات بين الطرفين حول البروتوكول كانت إيجابية، وأنهما أجمعا على أن قضية إيجاد الحلول في هذا الشأن أحرزت تقدّماً جيداً"، لكن "هناك حاجة إلى المزيد من العمل المكثّف خلال الأيام المقبلة على المستويين الرسمي والوزاري".
ورغم تصاعد حدة الضغوط التي يمارسها متشدّدو الحزب، لا يبدو أن سوناك استسلم حتى تاريخ كتابة هذا التقرير، إذ يبدو متمسّكاً بالتوصل في أقرب وقت ممكن إلى اتفاق بشأن "بريكست"، رافضاً المنهج الذي يتبنّاه جونسون والذي يدعو إلى سلوك أكثر تصادمية مع بروكسل. خاصة أنه يدافع بذلك عن وجهة نظره بأن من شأن التوصل إلى اتفاق وتمرير هذه الصفقة أن ينهي النزاع وأن يمهّد الطريق لإعادة تقاسم السلطة، وهو الأمر الذي لا يزال الحزب الاتحادي الديمقراطي رافضاً له.
وفي لقاء مع القناة الرابعة، أمس الأحد، اعتبر وزير المالية السابق في حكومة "المحافظين" جورج أوزبورن، أن جونسون مهتم فقط بإعادة تعويم نفسه وبالعودة إلى الزعامة، وأن "الحرب" التي يخوضها اليوم عبر البروتوكول ليست سوى محاولة جديدة "للقضاء على سوناك". بينما اعترفت رئيسة مجلس العموم المؤيدة لانسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بيني موردونت، أنه لا يمكن لسوناك تمرير خططه وإبرام صفقة دون دعم الحزب الاتحادي الديمقراطي الذي سبق أن وضع سبعة اختبارات يجب أن يجتازها أي اتفاق مبرم، معتبرة أن الحزب الاتحادي الديمقراطي يريد "حماية نزاهة المملكة المتحدة، وأن يكون له رأي في أي لوائح مستقبلية، وأن تحترم الصفقة المبرمة الاختبارات التي وضعها".
يبقى أن سوناك يعتقد أن صفقته ستجتاز اختبارات الحزب الاتحادي الديمقراطي، والتي لا تشمل أي حدود في البحر الأيرلندي ولا فحوصات على البضائع المنقولة بين بريطانيا العظمى وأيرلندا الشمالية المتواجدة حتى اللحظة في السوق الموحدة للسلع الأوروبية، مع التطبيق التلقائي لتحديثات أجريت على أكثر من 300 لائحة منذ بدء تنفيذ الخروج. ويبقى أيضاً أن المفاوضات الحقيقية ليست بين المملكة المتحدة وبروكسل، بل بين رئيس الحكومة ومعارضيه من الحزب ومن خارجه.