من هو لويد أوستن؟

09 ديسمبر 2020
تقاعد أوستن في عام 2016 (Getty)
+ الخط -

بغضّ النظر عن أنه سيكون أول وزير دفاع أميركي من أصول أفريقية، إذا ما تمت المصادقة على تعيينه في الكونغرس، فإن طلب الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن، من الجنرال المتقاعد في الجيش لويد أوستن، ليكون وزير الدفاع المقبل، وموافقة الأخير، أثارا الكثير من الأسئلة، وكذلك الأجوبة، حول أسباب هذا الخيار. وجاء اختيار أوستن ليطيح احتمال وصول أول أميركية لقيادة "البنتاغون". وكان بايدن قد اختار أسماء عدة، لتشكيل فريقه "الانتقالي" في وزارة الدفاع، أوحت بشكل أو بآخر، عن توجهاته "الدفاعية"، لكن اسم وزير الدفاع المقبل، الذي سيخلف مارك إسبر الذي أقيل من منصبه أخيراً، ووزير الدفاع بالوكالة كريستوفر ميلر، ظلّ محلّ تكهنات وتجاذبات، داخل فريق بايدن، والتكتلات الداعمة له. وبينما طغى اسم ميشال فلورناي، التي شغلت منصب وكيل وزارة الدفاع الأميركية للشؤون السياسية في عهد باراك أوباما، لقيادة الوزارة، عاد بايدن أخيراً كما يبدو، ليستقر أيضاً على أحد الأسماء المألوفة لديه، من الذين اختبرهم جيداً خلال فترة عمله الطويلة كنائب للرئيس السابق. وكان اسم آخر لشخصية من أصول أفريقية، قد تردد لقيادة البنتاغون، هو جيه جونسون، لكن الاختيار وقع في النهاية، بحسب ما كشف موقع "بوليتيكو" أولا، وأكدته وسائل إعلام أميركية أخرى، على لويد أوستن، وهو آخر الجنرالات الأميركيين الذين قادوا غزو العراق. ويدخل لويد أوستن التاريخ، إذا ما صادق الكونغرس على تعيينه، كأول رجل أسود يقود البنتاغون، بعدما كان أول رجل أسود يتولى القيادة المركزية للجيش الأميركي، المعنية بمنطقة الشرق الأوسط.

كان أوستن أول رجل أسود يتولى القيادة المركزية للجيش الأميركي المعنية بمنطقة الشرق الأوسط

وعلى الرغم من أن لديه 41 عاماً من الخبرة العسكرية، وهو خريج أكاديمية "ويست بوينت" العسكرية المرموقة، إلا أن أوستن لا يزال لدى الكثيرين ذلك "الجنرال المجهول"، أو غير المرئي، كما وصفته في عام 2014 صحيفة "نيويورك تايمز"، في إطار تغطية بقاء القوات الأميركية في العراق. وظلّ الجنرال المتقاعد يتمتع، طوال فترات عمله الطويلة، وإشرافه على قوات أميركية عدة، في بنما وأفغانستان والعراق، بـ"بروفايل" منخفض. فأوستن لا يحب التكلم كثيراً، ويبتعد عن الإعلام، والتدخل في السياسة، وإلقاء التقارير العسكرية، لكنه في النهاية على وشك الوصول إلى منصب يتعرض اليوم، بحكم تجربة الرئيس الأميركي الخاسر دونالد ترامب، للكثير من الانتقاد. فقد يعمد بايدن، كما يبدو واضحاً، إلى الاقتداء بتجربة سلفه لدى تعيين جايمس ماتيس وزيراً للدفاع، والحصول على "إعفاء"، لتعيين أوستن، المتقاعد في عام 2016، إذ تنص القاعدة على أن أي عسكري سابق مرشح لتولي وزارة الدفاع يجب أن يكون متقاعداً منذ أكثر من 7 سنوات. لكن هذا اللغط، وكسر القاعدة، ليس وحده ما يثار حول أوستن، الذي يأتي اختياره ملائماً لمطالب قواعد في الحزب الديمقراطي، من الأقليات، تريد رؤية عدد أكبر من الشخصيات ذوي الأصول الأفريقية وغيرها من الأقليات في مناصب رفيعة. هذه القواعد، كانت قد منحت بشكل كبير لبايدن فوزه، ومنها أيضاً التيار التقدمي، الذي تعترض شخصيات فيه على هذا الاختيار. فمن جهة، كان الحزب الأزرق قد انتقد في مؤتمره الأخير "تسييس" ترامب للجيش، أو تسييس المؤسسة العسكرية، وهم يفضلون لذلك أن يكون أي وزير دفاع مقبل من "المدنيين". من جهة أخرى، فإن أوستن يعمل حالياً عضواً في مجلس إدارة "رايتون تكنولوجيز"، وهي واحدة من أكبر الشركات المصنعة للطيران ومعدات الدفاع في العالم. وكان بايدن قد اختار قبله عدداً كبيراً من الأسماء داخل فريقه "الدفاعي"، من المقربين من هذه الأنواع من الشركات العملاقة، أو العاملين والمستشارين في مراكز أبحاث بارزة، التي تحصل على تمويل مثلاً من "لوكهيد مارتن"، و"رايتون"، و"جنرال ديناميكز". وكانت فلورنوي نفسها قد تعرضت لانتقادات من الجناح اليساري الديمقراطي، إذ اعتبر أنها مقربة جداً من قطاع صناعة الأسلحة. ويفتح التعيين التساؤلات حول نظرية "إنهاء الحروب الأبدية"، ودور لوبيات معينة في صياغتها. السيرة الذاتية للويد أوستن حافلة، على غرار العديد من القادة العسكريين الأميركيين السابقين، والبارزين، الذين لم يتوانوا عن دعم بايدن علانية لدى ترشحه للرئاسة، في رسائل مكتوبة حتى، دعت إلى عودة أميركا للعب دورها القيادي في العالم، لا سيما عسكرياً. من هنا، قد يفهم اختيار بايدن لأوستن. وقد أكد فريق بايدن لموقع "بوليتيكو" أن تصويبه هو على الخبرة، علماً أن وزارة الدفاع قد شهدت أخيراً خضّات عدة، أبرزها إقالة إسبر، التي تبعها تعيينات لترامب، شملت موالين له، لكن قليلي الخبرة، مقابل استقالات بالجملة. وبذلك، قد يكون الجنرال المتقاعد، ابن الـ67 عاماً، الذي سيتولى قيادة وزارة الدفاع، في موقعه المناسب، لإعادة ربط مكونات الوزارة التي يتهم ترامب من قبل خصومه بتسييسها وتفكيكها. وكان بايدن قد عمل مع الجنرال أوستن في عهد أوباما، حينما أشرف على تنفيذ قرار الأخير سحب 50 ألف عسكري أميركي من العراق في عام 2011. وتولى أوستن قيادة القوات الأميركية في الشرق الأوسط بين عامي 2013 و2016، خلفاً لماتيس الذي كان وزير الدفاع السابق في عهد ترامب بين عامي 2017 و2019. وُلد أوستن في مدينة موبايل، في ولاية ألاباما، وتخرج من أكاديمية "وست بوينت" في عام 1975، وبدأ مسيرته في القوات المسلحة كملازم ثانٍ في المشاة، ثم تقدم في المناصب ليدير قوات المعارك في بنما، وخلال الغزو الأميركي للعراق (عملية حرية العراق الأميركية)، قاد القوات الأميركية لدخول بغداد، وكذلك في غزو أفغانستان (عملية الحرية الدائمة). وفي عام 2009، عين في البنتاغون مديراً للقوات المشتركة، ثم عاد للعراق، ليكون لاحقاً القائد رقم 12 للقيادة المركزية "سنتكوم" بين عامي 2013 و2016، حيث أشرف على الحملة العسكرية الأميركية لمحاربة "داعش" في العراق وسورية.

يعتبر أوستن المهندس العسكري الأول لحملات التحالف الدولي الذي أنشئ لهزيمة "داعش"

ويعتبر أوستن المهندس العسكري الأول لحملات التحالف الدولي، الذي أنشئ لهزيمة "داعش"، وهو من صمّم الخطط الأساسية لضرب التنظيم، مع دعم قوات على الأرض، أهمها القوات الكردية. وخلال جلسة استماع في الكونغرس في 2015، كان أوستن أول مسؤول عسكري أميركي يعترف بدعم بلاده لوحدات حماية الشعب الكردية، في سورية. هذه السيرة الذاتية، تفتح تكهنات كثيرة، حول خطط بايدن في المنطقة، وما إذا كان سينفذ المزيد من الانسحابات منها، وهي انسحابات يريدها "سلسة"، وتضمن توازن المصالح الأميركية فيها. ويأتي تعيين أوستن، أيضاً، في وقت تؤكد فيه الإدارة الأميركية المقبلة، سعيها لاستعادة تحالفاتها التقليدية، في أوروبا، ومواجهة الصين، لا سيما عبر تعزيز الشراكة العسكرية مع دول الجوار الصيني، ومنها اليابان والهند، كما تعزيز الترسانة البحرية، والهجومية، والصاروخية، واستعادة اتفاقات للحد من أنواع من الأسلحة، واستمرار التفوق الردعي. وفي الشرق الأوسط، تبرز المسألة الإيرانية كأحد أهم تحديات أوستن المقبلة. وداخلياً، تواجه أوستن مهمة تكييف الموازنات الحربية وموازنة الدفاع، مع تخفيض الإنفاق العسكرية.

المساهمون