يبدو أن المنافسة على تولّي منصب قيادة الحكومة البريطانية، في الأسابيع المقبلة، تبشر بأنها ستكون صعبة ومعقّدة نظراً للظروف التي أدّت إلى استقالة رئيسها بوريس جونسون، وإلى الأزمات الداخلية العالقة كغلاء المعيشة وقيمة الضرائب ومستويات التضخم غير المسبوقة والاستجابة للغزو الروسي على أوكرانيا، إضافة إلى اتفاقية الخروج من الاتحاد الأوروبي والتي سيتركها جونسون معلّقة وسط احتجاجات أوروبية.
ليز تروس
وزيرة الخارجية الحالية، ليز تروس (46 عاماً)، التي تغيّبت خلال الأيام العصيبة الماضية بسبب تواجدها في إندونيسيا، قطعت زيارتها اليوم بعد دقائق من الإعلان عن نيّة جونسون تقديم استقالته.
ويبدو أن حظوظ تروس في الفوز برئاسة الحكومة عالية جداً، وذلك منذ أشهر وليس الآن فقط.
تحظى تروس بشعبية كبيرة داخل الحزب وقد بذلت جهداً استثنائياً لحشد الأصوات الداعمة عبر إقامة الكثير من النشاطات المشتركة مع المشرّعين المحافظين.
وكانت تروس من أكثر المؤيدين لجونسون والمدافعين عنه خلال مسيرة الأخطاء والخروقات، من حفلات "داونينغ ستريت" إلى خطة رواندا، إلى بروتوكول إيرلندا الشمالية، وصولاً إلى إعلانها عن تأييد مطلق لرئيس الوزراء بعد استقالة وزيرين أساسيين من دائرته الضيّقة قبل يومين.
ليز تروس شغلت العديد من المناصب الوزارية بما فيها وزيرة البيئة والعدل. عُرفت بقدرتها الهائلة والمدروسة على تغيير قناعاتها ومبادئها وفقاً لما تشتهيه سفن أصحاب القرار.
كانت معارضة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في استفتاء العام 2016، لكنها أدركت سريعاً أن ذلك الموقف لن يصبّ في مصلحة طموحاتها السياسية والقيادية، فباتت من أشدّ المدافعين عن "بريكست" رغم نشأتها اليسارية واقتحامها عالم السياسة الطلابية بصفتها ديمقراطية ليبرالية.
وكانت تروس إحدى الشخصيات البارزة في ملف الاستجابة البريطانية للأزمات الدولية كالغزو الروسي على أوكرانيا، أو كتنسيقها مباحثات ومحادثات ما بعد الانسحاب من الاتحاد الأوروبي.
ريشي سوناك
وزير المالية، ريشي سوناك (42 عاماً)، الذي استقال أول أمس، "مدشّناً" سلسلة من الاستقالات التي أودت اليوم بجونسون.
سوناك من بين أصغر الوزراء في الحكومة الحالية، وأكثرهم ثراء، وأشدّهم تملّقاً لجونسون حتى تاريخ تقديم استقالته. كان واحداً من الذين كتبوا مقالاً بعنوان: "بوريس جونسون وحده قادر على إنقاذ حزب المحافظين" عام 2019، فلم يتأخر رئيس الوزراء بمكافأته على ولائه.
واجه سوناك منذ قدومه إلى وزارة المالية عام 2020 أكبر تحدّ لوزير بريطاني منذ عقود: جائحة كورونا وتداعياتها الاقتصادية الخانقة. إلا أنه لم يتردّد بصرف مليارات الجنيهات الإسترلينية لدعم الاقتصاد والعمّال والشركات الصغيرة والفئات الأكثر هشاشة، مكتسباً شعبية كبيرة. غير أن تلك الشعبية انحسرت سريعاً مع الانتقادات التي طاولته بسبب سجلّ زوجته ووضعها الضريبي. ثم حديثاً، بسبب أزمة المعيشة التي لا تزال ترخي بظلالها على ملايين العائلات البريطانية.
كان سوناك من أكثر المؤيدين لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وهو حافظ بذلك على موقف واضح و"مبدئي" اتّخذه مبكّراً منذ أن كان طالباً في المدرسة، حيث كتب في الصحيفة المدرسية مقالاً يشجّع على الاستقلال عن أوروبا.
لا يحظى سوناك بشعبية كافية ربما لدى الأغلبية المحافظة لأنه شاب وعصري، وأيضاً بسبب الثروة الضخمة التي يمتلكها في الوقت الذي تعيش فيه البلاد أزمة اقتصادية غير مسبوقة.
ساجد جافيد
وزير الصحة المستقيل، ساجد جافيد (52 عاماً)، هو من أصول باكستانية مهاجرة، شغل عدة مناصب عليا داخل مجلس الوزراء وتنافس على قيادة الحزب مرتين، مرة بعد الاستفتاء على الخروج من الاتحاد الأوروبي عام 2016 ومرة ثانية في العام 2019.
جافيد كان وزيراً للداخلية في عهد تيريزا ماي وأول مسؤول من عرق ملوّن يتسلّم منصباً كهذا. صورة مارغريت تاتشر معلقة في مكتبه.
وأمس الأربعاء، قال في كلمته أمام مجلس العموم: "لقد طفح الكيل"، مقتبساً العبارة بشكل حرفي من أعضاء "حزب العمال" المعارضين Enough is enough.
سبق سوناك إلى الاستقالة بدقائق قليلة مطالباً جونسون بالتنحّي.
ساجد يتشارك مع سوناك بالأصول المهاجرة وبالخلفية المصرفية، فقد حصل جافيد بعد تخرجه من جامعة إكستر على وظيفة في مصرف "تشيس مانهاتن" وأصبح في سن الخامسة والعشرين أصغر نائب رئيس بنك على الإطلاق.
وحتى لو كان يتمتع جافيد بشعبية مقبولة في صفوف المحافظين، يبقى السؤال حول العرق أساسياً في بلد يطرح على المقيمين فيه سؤال "اللون" في بداية اللقاءات الطبية أو الرسمية، إضافة إلى أن المؤيدين لجونسون والموالين له حتى لو كان عددهم محدوداً، فربما لن ينسوا خيانة الآخرين لزعيمهم، وعلى رأسهم جافيد وسوناك.
جيرمي هانت
وزير الصحة السابق، جيرمي هانت (55 عاماً)، الذي خسر قيادة الحزب أمام جونسون في انتخابات العام 2019.
هانت عارض خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وكان من أشدّ المعارضين لسياسة جونسون في التعامل مع الوباء ثم في فضيحة "حفلات داونينغ ستريت".
حصل هانت على المرتبة الأخيرة في تصويت مجلس المحافظين الأخير حول من سينتصر في جولة الانتخابات المقبلة.
نديم زهاوي
وزير المالية الجديد، نديم زهاوي (55 عاماً)، معروف عنه أنه لا يتمتع بخبرة سياسية في الخطوط الأمامية، هو الذي انضمّ إلى مجلس الوزراء قبل أقل من عام واحد.
زهاوي جاء صغيراً إلى بريطانيا هرباً من نظام صدام حسين، لكنه كان من أشدّ الداعمين لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
أدرك زهاوي مبكّراً المكاسب السياسية التي يجنيها الموالون لجونسون، فأيّده بشكل مطلق. كافأه جونسون فارتقى سريعاً في السياسة وعيّن وزيراً للتعليم بعد أن كان وزير لقاحات أثناء الجائحة، حيث اكتسب شعبية لا بأس بها بعد شغله هذا المنصب.
عام 2013 اعترف زهاوي باستخدام أموال دافعي الضرائب لتغطية نفقات التدفئة الخاصة به. كما تحدّثت صحيفة "غارديان" عام 2017 عن علاقته بشركتين مقرّهما خارج بريطانيا وبالتالي في منأى عن الضرائب.
انضمّ زهاوي إلى سفينة جونسون أثناء غرقها قبل يومين عندما جرى الحديث عن تلويحه بالاستقالة إن لم يعيّنه جونسون بدلاً من المستشار المستقيل سوناك، الأمر الذي نفاه زهاوي لاحقاً.
ومع أن جونسون عيّنه بالفعل بعد ساعات قليلة في منصب المستشار بدلاً من أن يعيّن لهذا المنصب الرفيع وزيرة الخارجية ليز تروس كما كان متوقعاً، إلا أن زهاوي كان، أمس، على رأس لجنة الوزراء التي اتّجهت إلى "داونينغ ستريت" لتطالب جونسون بالتنحّي. كما أنه نشر اليوم رسالة علنية قبل استقالة جونسون، يحثّه فيها على "القيام بالأمر الصواب".
بن والاس
وزير الدفاع الحالي بن والاس (52 عاماً)، ساهم الغزو الروسي على أوكرانيا نهاية شهر فبراير/شباط الماضي في ارتفاع شعبيته.
يتمتع والاس بخلفية عسكرية غنية، إذ خدم في ألمانيا وقبرص وإيرلندا الشمالية، كما ساعد في إحباط هجوم بالقنابل شنّه الجيش الجمهوري الإيرلندي.
عام 1999 دخل ولاس السياسة كعضو في البرلمان الاسكتلندي.
وفي حين نأى والاس بنفسه عن ضجيج "حفلات داونينغ ستريت"، إلا أنه وقف إلى جانب جونسون في تصويت حجب الثقة الشهر الماضي معلناً تأييده له.
يبقى السؤال عن الإمكانيات التي يمتلكها لقيادة البلاد في وقت السلم وليس الحرب فقط؟
بريتي باتيل
وزيرة الداخلية الحالية، بريتي باتيل (50 عاماً) وهي من أصول مهاجرة. اكتسبت شعبية كبيرة لدى المتشدّدين في الحزب بسبب موقفها المتشدد من الهجرة.
باتيل تبنّت خطة رواندا (الخاصة بترحيل طالبي اللجوء إلى رواندا) ودافعت عنها بشراسة.
وهي من أشدّ المؤيدين لجونسون طيلة الأشهر الماضية. غير أنه لافت تواجدها، أمس، ضمن لجنة الوزراء المطالبين برحيل زعيمهم.