من انتفاضة أكتوبر إلى حراك فبراير: أجيال جزائرية تبحث عن الديمقراطية

06 أكتوبر 2020
يواصل الجزائريون سعيهم للديمقراطية في البلاد (فرانس برس)
+ الخط -

لا يذكر الجيل السياسي الجديد في الجزائر الكثير عن انتفاضة أكتوبر/تشرين الأول 1988، والربيع الديمقراطي الذي أنجز للجزائريين التعددية السياسية وأنهى حكم الحزب الواحد. لكن هذا الجيل الذي وُلد في خضمّ مرحلة ما بعد أكتوبر وتجلياتها، ظلّ متعلقاً بالمطلب الديمقراطي، وحمله إلى حراك فبراير/شباط 2019، الذي أنهى مغامرة سياسية كانت تريد الإبقاء على عبد العزيز بوتفليقة في الحكم، عبر ترشيحه لولاية رئاسية جديدة، على الرغم من مرضه وحالة العجز اللذين يعاني منهما. لا يقطع المناضل اليساري سمير لعرابي الحبل بين الانتفاضتين، أكتوبر 1988 وفبراير 2019، فكلتاهما بالنسبة له تأكيد تاريخي على تمسك الجزائريين بالديمقراطية، بل يعتبر أن الحبل ممتد إلى مسافة تاريخية أطول. وبرأيه فإن "الحراك ليس فقط استمراراً لانتفاضة أكتوبر 1988، بل لكل النضالات الديمقراطية والاجتماعية السابقة، منذ الحركة الوطنية منذ عام 1926 مع منظمة نجم شمال أفريقيا. هناك التقاء في الطموحات الاجتماعية والديمقراطية والمطالبة بالسيادة الشعبية الحقة".

 


الحراك امتداد لكل عقود الانتفاضات الجزائرية منذ 1926

ويضيف في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "هناك تقاطعاً في المطالب. قد تختلف في الشعارات أو الفاعلين في كل مرحلة، لكنها تلتقي عند نقطة الحرية والديمقراطية. وهذا دليل على أن الشعب الجزائري حيوي، ويتضمن قوى حية لا تستطيع القوى السياسية إخمادها، بل ثمة تواصل في المطلب الديمقراطي عبر الحراك الشعبي". من جهته، ينشط إبراهيم بن عوف في حزب "جبهة القوى الاشتراكية"، منذ سنوات، ويمثل حالياً قطاع الشباب في الهيئة القيادية. لم يكن بن عوف قد ولد حين اندلعت أحداث أكتوبر، بل بعدها بثلاث سنوات، لكن وعيه السياسي تفجّر مبكرا، مع تأثره بالديمقراطية، التي قادته للانتساب إلى حزب سياسي. يرى بن عوف، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "الحراك هو استمرار لأكتوبر، كيف لا والحزب الذي ثار عليه شباب أكتوبر (جبهة التحرير الوطني) ما زال جهازاً يستعمل للحكم، ثم ثار ضده شباب فبراير". ويعتبر أن "روح أكتوبر كانت من أجل العدالة والديمقراطية وما زالت حتى الآن مطلب شباب الحراك"، لافتاً إلى أن "أكتوبر 1988 ثورة مجهضة والحراك هو تجديد للثورة الديمقراطية". ويشير إلى أن "حراك فبراير 2019، كشف أن مطلب الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، الذي رُفع في أكتوبر 1988، ما زال مطلباً أساسياً بعد 32 سنة من أحداث أكتوبر، وأن مكاسب أكتوبر في تراجع اليوم، إذ نرى التحرشات بالمجتمع المدني والأحزاب والنقابات، فطريقة التعامل مع الفضاءات الحرة، التي لا تسير مع خريطة طريق النظام، هي كلها تراجع عن مكاسب أكتوبر". ويعتبر بن عوف أن "ما تبقى من ثورة أكتوبر هو روحها، ونضالات جيل أكتوبر التي تنير طريق نضالات شباب اليوم. ونحن نرى في تجربة أكتوبر مرجعاً للنضال وتجربة نضالية تجب مواصلتها. لكن الأهم هو أخذ الدروس منها، كما تجلى في الحرص على السلمية لدى شباب الحراك، رغم كل التحرشات، وتلافي الهفوات".


يُخشى أن يتحوّل حراك فبراير إلى فرصة ضائعة في البلاد
 

بين عمر ثورة أكتوبر 1988 وعمر محمد واعراب، الناشط في "حركة مجتمع السلم" ثلاث سنوات. فعندما اندلعت الانتفاضة كان واعراب في الثالثة من عمره، ولد وترعرع في خضمّ تحولات ما بعد الانتفاضة وتداعياتها على أوضاع البلد المختلفة. يعتبر واعراب بعد مراجعاته لتلك المرحلة وما تلاها، أن "تلك الانتفاضة من أجل الحياة الكريمة والديمقراطية كانت فرصة ضائعة على البلاد، وهو ضياع ساهم فيه أكثر من طرف بين السلطة التي فتحت كل شيء، بعدما زرعت ألغاماً لا تُعدّ ولا تُحصى في المسار الديمقراطي، ونخبة لم تكن جاهزة للانفتاح السياسي الذي حصل، بالإضافة إلى قيادة جيش لم تكن تقبل بفكرة أن يفرز الصندوق غير من تقرره هي". ويخشى في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن يكون الحراك أيضاً فرصة جديدة ضائعة على البلد، ويقول: "الحراك لم يطالب بانفتاح صوري بل بديمقراطية حقيقية. الجزائريون جربوا خلال ثلاثين سنة ديمقراطية السلطة، حتى قاربنا على الوصول إلى الديمقراطية الآمنة، بسبب عزوف الناس عن السياسة والانتخاب، بما يجعل الفئة المنتفعة من السلطة ترجح كفتها في كل مرة. إن مخاوفي ناتجة من أننا نشهد انقساماً في الحراك، بين فئة تريد إسقاط النظام عن طريق الشارع من دون خطة عمل واضحة، وفئة تحاول مقاومة السلطة عن طريق الصندوق رغم شبه استحالة ذلك، وبينهما نشهد عودة لقوى الموالاة إلى المشهد". من جهته، يحاول الباحث بلال كوردي، وهو من الجيل الشاب الذي عاش عصر الديمقراطية لما بعد أكتوبر 1988، أن يقارن بين الثورتين، ويعتقد أن "انتفاضة أكتوبر توأم سيامي لحراك فبراير 2019، يجمع بينهما حمل عسير من استبداد وفساد أطلق الغضب من عقاله، ضمن تقاطعات متشابهة وصرخة بضرورة الإصلاح". ويضيف أن "كلاً من أكتوبر وفبراير مسيرتان في سياق تراكمي ووثبة تاريخية، وظاهرة ستظل تنتج نفسها بطريقة تكرارية ممتدة في الزمان الاستبدادي". ويرى أن الجزائريين استوعبوا آثار الأزمة الأمنية والعنف السياسي. إن "آلام ما بعد أكتوبر هي التي ساهمت في يقظة فبراير السلمية، التي أصرّت على عدم تفويت فرصة أخرى، إذ اعتنق الناس السلمية هدفاً أسمى، بدا معه وكأن زمن التغيير قد أتى، فقد زرع الحراك أملاً أكثر وعنفاً أقل". ويرى كوردي أن هناك ما تتقاسمه الثورتان أيضاً في مسألة "الاصطدام بطبيعة النظام"، معتبراً أن "ثورة أكتوبر بلورت بداية التسعينيات بتجربة فتية غير ناضجة، سرعان ما اصطدمت بعسكريتارية عتيقة استغلت شطط وأعباء الفتوة لوأد التجربة. كما أن الحراك كحدث تاريخي ثالث مؤسس لوجود الأمة الجزائرية اصطدم بالعسكريتارية المتعاظمة، وكان من الصعب عليها التسليم بإبعادها من السلطة، فنكثت العهود وأجهضت المسار ورفضت حتمية التحول الديمقراطي، في ظل ابتذال الإخراج الدستوري والإصرار على مواعيد انتخابية صورية"، في إشارة إلى فرْض مسار انتخابات الرئاسة في ديسمبر/كانون الأول 2019، وطرْح دستور منفرد من قبل السلطة للاستفتاء في 1 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، بنفس طريقة طرح السلطة لدستور منفرد في فبراير 1989 بعد انتفاضة أكتوبر 1988.