تشير عملية اغتيال الناشط الإعلامي محمد عبد اللطيف وزوجته وجنينها وسط مدينة الباب، في الشمال السوري، أول من أمس الجمعة، والتي سبقها قبل يومين مقتل وجرح أكثر من خمسة أشخاص، نتيجة خلاف بين عناصر من فصيل "الحمزات" على معبر للتهريب، إلى وصول الفلتان الأمني في مناطق سيطرة الجيش الوطني السوري إلى مستويات تخطت صراعات النفوذ والموارد بين فصائله، نتيجة غياب مأسستها.
ووصل الوضع اليوم إلى أشبه ما يكون بمناطق نفوذ مافياوية، انتقلت الصراعات فيها من صراعات فصائل إلى صراعات عناصر ضمن الفصيل نفسه. وأصبح عقاب من يعترض على فساد بعض تلك الفصائل، أو فساد السلطة التنفيذية في المنطقة، هو التصفية الجسدية، لتسجل الحادثة في ما بعد ضد مجهول، وذلك كي يكون عبرةً لمن يفكر في الاعتراض.
الناشط محمد عبد اللطيف كان من المعترضين بشدة على طريقة تعامل الجهات الأمنية مع اعتصام المعلمين في مدينة الباب. وكان من المساهمين في فضح عناصر قياديين من الجيش الوطني استولوا على عقارات بالقوة لمواطنين من المنطقة. هذا الأمر يجعل من مهمة كشف ملابسات هذه الجريمة ومعاقبة مرتكبها، والجهة التي تقف خلفها، ضرورة ملحّة، من دون التستر خلف عملاء الخارج.
من الواضح أن عملية تصفية عبد اللطيف كانت بسبب إعلاء صوته في وجه الفساد أكثر مما يجب. ويستوجب ذلك من سكّان المنطقة، وكل مناطق الجيش الوطني، الوقوف بحزم في وجه هذا الأسلوب من الترهيب للمواطنين والناشطين. ويجب ألا يصبح هذا الأسلوب عادة في تلك المناطق التي تتحول تدريجياً إلى مناطق نفوذ لعصابات التهريب، وتجارة المخدرات، والسرقة، والفساد، معظمها يقودها متنفذون في الجيش الوطني، فيما تدار المنطقة صورياً من خلال مجالس محلية وأجهزة أمنية، لا حول لها ولا قوة، ولا تمتلك من الأدوات سوى إصدار بيانات بلغة خشبية لا تقدم ولا تؤخر.
أن تتم تصفية ناشط صحافي لأنه رفع صوته في وجه فساد داخلي، سابقة تحتاج إلى تكاتف المجتمع المحلي الذي ثار أصلاً ضد الفساد والظلم. كما تحتاج إلى وقوفه يداً واحدة في وجه كل من يساهم في نشر الفوضى والخراب في المناطق التي يفترض أنها محرّرة من ظلم نظام الأسد، لتكون مناطق آمنة، لا لتستولي عليها مافيات تتحكم في حياة وآراء المواطنين والناشطين.