من البحر إلى السجن.. الثمن الباهظ للهروب من سريلانكا

12 اغسطس 2022
سريلانكا تواجه الآن أسوأ أزمة اقتصادية منذ الاستقلال عن بريطانيا في عام 1948 (Getty)
+ الخط -

لا تزال الاحتجاجات التي عمّت سريلانكا منذ أشهر، تخيم بظلالها على البلد الآسيوي الذي عانى سنوات من الفقر والاستبداد. وفي حين توالت الأخبار منذ يومين، عن طلب الرئيس المخلوع غوتابايا راجاباكسا، اللجوء إلى دولة في جنوب آسيا، فإنّ ثمة مسارات لجوء أخرى عرفتها البلاد في الفترة الماضية، تبدو أصعب وأشد قسوة، حتى لو لقيت اهتماماً إعلامياً أقل.

في تقرير مطول، تستعرض وكالة رويترز إحدى هذه القصص التراجيدية، التي توضح "الثمن الباهظ" للهروب من الأزمة. يسلط التقرير الضوء على قصة مينو ميكالا ونيروش رافيندرا؛ الزوجين اللذين راهنا على مدخراتهما للهروب من الأزمة على متن قارب صيد مهترئ مع اثنين من أبنائهما، في رحلة استغرقت أسبوعين على طول 4700 كيلومتر.

كما يسرد التقرير، فقد التقت مينو وهي بوذية، ونيروش وهو مسيحي، أثناء عملهما في دبي، وانتهى بهما المطاف إلى تشكيل عائلة على الرغم من معارضة أسرتيهما. وقد قررا في وقت ما من شهر مايو/أيار، أن ينضمّا إلى مئات السريلانكيين الذين حاولوا الهروب من الانهيار الاقتصادي غير المسبوق عن طريق ركوب قوارب الصيد المتجهة إلى أستراليا.

هذه الرغبة الملحة بالهروب من الأزمة لم تكن خاصة بالزوجين. تظهر بيانات صادرة عن قوات البحرية السريلانكية أنه تم اعتراض حوالي 1000 شخص، عدد كبير منهم من الأطفال، كانوا يحاولون الهروب من البلاد في الأشهر الثلاثة الماضية، لكن أحد أكبر التحديات التي تواجههم، أنّ الخروج منها بشكل غير رسمي يعتبر في القانون السريلانكي "جريمة". وفي حين ألقي القبض على البعض في المياة السريلانكية، فإنّ آخرين مثل مينو ونيروش وصلوا إلى المياه الأسترالية، حيث قبض عليهم ورُحّلوا ثم حوكموا من قبل سلطات بلادهم.

تواجه مينو تهمة الفرار من البلاد الآن، كما يواجه زوجها تهمة أخرى تتعلق بالمساعدة في الجوانب اللوجسيتة لعملية التهريب. وهي تهمة ينفيها وقد حُرم بسببها من الكفالة، وهو ينتظر المحاكمة الآن. 

هذا المشهد المعقد هو امتداد لصورة أكبر من المعاناة. فسريلانكا تواجه الآن أسوأ أزمة اقتصادية منذ الاستقلال عن بريطانيا في عام 1948، لأسباب عديدة منها تداعيات جائحة كورونا التي قضت على السياحة، عطفاً على التخفيضات الضريبية التي أجرتها حكومة الرئيس المخلوع غوتابايا راجاباكسا، ما جعل طوابير الوقود والتضخم الكبير مشهداً يومياً. وفي حين أطاحت الاضطرابات التي استمرت أشهراً براجاباكسا، في يوليو/تموز الماضي، بعد أن احتل محتجون مباني حكومية في العاصمة التجارية كولومبو، فإنّ الوضع لم يتغير كثيراً منذ ذلك الحين.

في 9 مايو/أيار، بعد اندلاع أعمال عنف دامية بين المتظاهرين المؤيدين للحكومة والمعارضين لها، اتخذ مينو ونيروش قرار المغادرة. دفع الزوجان 500 ألف روبية سريلانكية (1400 دولار) لمهربين مجهولين كتكلفة لتهريبهما مع أبنائهم الذين تتراوح أعمارهم بين 13 و11 عاماً.

654

كانوا يعرفون أنّ الرحلة تنطوي على مخاطرة كبيرة. ففي حال جرى القبض على الركاب من قبل السلطات الأسترالية أو السريلانكية، فإنهم يواجهون احتمالية إلغاء جوازات سفرهم لمدة تصل إلى خمس سنوات. ويُحرم المشتبه بعلاقتهم بترتيب الرحلة من الإفراج بكفالة، وغالباً ما يواجهون أحكاماً بالسجن.

وعلى عكس الموجات السابقة من الهجرة التي شملت بالأساس مجموعات التاميل المضطهدة خلال الحرب الأهلية في البلاد، فإنّ العديد من المهاجرين الآن من مجتمع الأغلبية السنهالية. "كل سريلانكي يعتقد أنه إذا سنحت لك الفرصة، فعليك أن تغادر"، يقول لاكشان دياس، أحد المحامين الذين يمثلون المهاجرين، واصفاً الحال بأنّه "يأس شامل".

الصورة
لا تزال الاحتجاجات التي عمت سريلانكا منذ أشهر، تخيم بظلالها على البلد الآسيوي (Getty)

رغم كل هذه التعقيدات، فإنّ البعض كما كان الحال مع الزوجين، ينجحون في العبور إلى المياه الأسترالية، مستعينين بالظلام لتجاوز دوريات المراقبة، لكن الرحلة ليست سهلة أبداً. بالنسبة للزوجين، فإنّ البحر في أول ليلتين قبالة الساحل الجنوبي لسريلانكا كان قاسياً، مما اضطر 41 راكباً على متن القارب الذي يبلغ ارتفاعه 30 قدماً، لمواجهة الغثيان والجوع بينما كانت الأمواج تضرب القارب المهترئ. في الليل، ينامون في الهواء الطلق للهروب من رائحة القيء في الداخل. وفي النهار، تحترق بشرتهم بسبب أشعة الشمس القاسية والمياه المالحة التي تضرب سطح القارب.

بحلول 9 يونيو/حزيران، كان القارب الذي يعاني من أزمة وقود قد اقترب من كوكوس، وهي جزيرة مرجانية أسترالية قبالة الساحل الجنوبي لإندونيسيا. لم يمض وقت طويل قبل أن يتم اعتراضه من قبل خفر السواحل الأسترالي. كما يقول مينو، فقد اضطروا للبقاء حوالي أسبوع على متن سفن خفر السواحل الأسترالية، قبل أن ينزلوا إلى اليابسة، ويتم إشعارهم بأنهم سيعودون مضطرين إلى سريلانكا.

ترك اعتقال نيروش الأسرة دون أي مصدر دخل. تزوره مينو مرتين في الأسبوع، حيث تستقل الحافلة لمدة ساعة إلى السجن في نيجومبو، مع طعام مطبوخ في المنزل ليشاركه مع السجناء الآخرين. وسوى الطعام، يتشارك الزوجان الآن الآمال بلم شمل العائلة وخيبة الأمل من الوضع الاقتصادي المأساوي الذي لم يستطيعا الفرار منه. ومع إلغاء جوازي سفرهما لمدة خمس سنوات، فإن طموحهما بالهروب من هذا الوضع المتدهور يبقى متأرجحًا.