شنت الفصائل المسلحة التي تطلق على نفسها اسم "المقاومة الإسلامية في العراق" في الساعات الأخيرة، سلسلة هجمات استهدفت القوات الأميركية في العراق وسورية، متخذة في عدد من هجماتها منطقة ربيعة شمال غرب الموصل بمحافظة نينوى نقطة ارتكاز لها لقربها من الحدود.
ولم تنجح جهود الحكومة العراقية في احتواء التصعيد الحاصل بين الفصائل المسلحة المدعومة من إيران والقوات الأميركية، والذي اتسع خلال الأسابيع الماضية، بعد انهاء تلك الفصائل للهدنة إثر العدوان الإسرائيلي على غزة والدعم الأميركي للاحتلال، وفقا لبيانات صدرت عن تلك الفصائل.
واستهدف قصف صاروخي خلال الساعات الماضية قاعدة "حرير"، قرب مطار أربيل، كما استهدف هجوم آخر قاعدة "عين الأسد"، التي يتمركز فيها الجيش الأميركي بمحافظة الأنبار غربي العراق، وقاعدتين عسكريتين أميركيتين في سورية الأولى، في (خراب الجير)، والثانية في القرية الخضراء بمحافظة الحسكة السورية، فيما ردت القوات الأميركية باستهداف موقع للفصائل المسلحة في قضاء الدبس، ليلة أمس الأحد، في محافظة كركوك، ما أسفر عن مقتل 5 مسلحين من جماعة "حركة النجباء".
ونفذت "المقاومة الإسلامية في العراق"، هجومها على القاعدة الأميركية في (خراب الجير)، شرقي سورية، انطلاقا من منطقة ربيعة شمال غرب الموصل بمحافظة نينوى، فيما قالت مصادر أمنية لـ"العربي الجديد"، إن الهجوم نفذ عبر صهريج لنقل المياه، واستخدمت فيه 6 صواريخ.
منطقة ربيعة ممر إيراني آمن
وتمتد محافظة نينوى من الناحية الغربية على الحدود السورية، وترتبط المحافظة عبر مساحة صغيرة بتركيا من خلال قضاء تلعفر شمالا، وترتبط بإقليم كردستان عبر محافظتي دهوك وأربيل، كما ترتبط من الجنوب الشرقي بمحافظة كركوك والجنوب الغربي بمحافظة الأنبار، بينما ترتبط من الناحية الجنوبية بمحافظة صلاح الدين.
أما منطقة ربيعة، فهي إحدى النواحي التابعة لقضاء تلعفر، التابع إداريا لمحافظة نينوى، وتعد حلقة الوصل التي تربط نينوى بالأراضي السورية والتركية، كما ترتبط بإقليم كردستان في الجهة المقابلة لمدينة زاخو بمحافظة دهوك، فيما تمتد أيضا إلى قضاء سنجار الخاضع لسيطرة حزب العمال الكردستاني.
وأكد الباحث والخبير الاستراتيجي فراس إلياس، أن محافظة نينوى تمثل إحدى الركائز المهمة للفصائل المسلحة والتي يمكن أن تستخدم أراضيها في تصعيدها ضد القوات الأميركية، مبينا أن أحد أسباب استخدام الفصائل المسلحة لنينوى في تنفيذ الهجمات الصاروخية يرجع لضعف التواجد الأميركي في تلك المنطقة، وعدم وجود قواعد عسكرية للجيش الأميركي في نينوى بالرغم من جغرافية المحافظة الواسعة وارتباطها بالحدود السورية.
وقال إلياس في تصريح لـ"العربي الجديد": إن محافظة نينوى تمثل ركيزة استراتيجية بالنسبة للفصائل، وذلك لقربها من الحدود السورية، كما أنها تشهد انتشارا كثيفا للفصائل المسلحة، وهي خاصية تحاول من خلالها الفصائل استثمارها لتحقيق أكبر قدر من الضغط والاستنزاف للقوات الأميركية الموجودة في شرق سورية.
وأضاف أن منطقة ربيعة "تمثل جزءا من الممر الإيراني الآمن في شمال العراق والذي يربطها بالبحر الأبيض المتوسط عبر الأراضي السورية، كما أن الطبيعة الجغرافية المعقدة وسيطرة الفصائل على مجمل الشريط الجغرافي الممتد من سنجار ومنطقة ربيعة والحدود السورية، وضعف التواجد الأميركي في هذه المنطقة، وهي محفزات استراتيجية تستغلها الفصائل لشن الهجمات على القواعد الأميركية في شرق سورية".
وأشار الخبير الاستراتيجي إلى أن عمليات القصف التي تنفذها الفصائل تأتي في سياق داخلي وخارجي تحاول الفصائل تسويق نفسها من خلاله، فهي تحمل رسائل داخلية لتأكيد صدق شعاراتها بالمواجهة مع الولايات المتحدة، وخارجيا لتأكيد انخراطها غير المباشر بالحرب الدائرة في غزة.
الخبير العسكري العراقي والباحث في مركز "راسام"، للدراسات، حاتم الفلاحي لفت إلى أن مكانة نينوى وأهميتها دفعتا نحو تعزيز سيطرة الفصائل المسلحة القريبة من طهران عليها، وهو ما يفسر انتشار قطعات الحشد الشعبي في الجانب الغربي من الموصل لأن نينوى تقع ضمن طريق ممتد نحو البحر الأبيض المتوسط.
وقال الفلاحي في حديث لـ"العربي الجديد": إن "نينوى تعد منطقة استراتيجية مهمة للغاية بالنسبة لإيران وفصائلها، فهي المفتاح للدخول إلى إقليم كردستان بسبب الحدود المشتركة بين نينوى ومحافظتي دهوك وأربيل، فضلا عن ارتباط نينوى بمحافظة كركوك، إضافة إلى ارتباطها بالحدود السورية".
وأشار الفلاحي إلى أن الساحة العراقية لا يمكن فصلها عن الساحات الأخرى كلبنان وسورية واليمن والتي تدخل ضمن ما يُطلق عليه (محور المقاومة)"، مبينا أن "القصف المتبادل بين الفصائل والقوات الأميركية يأتي ضمن سياسية الفعل ورد الفعل، وسيستمر بهذا الشكل في المرحلة المقبلة ما دامت الضربات لم تتجاوز الخطوط الحمراء التي رسمتها واشنطن، وطالما أن الجانب الأميركي لا يريد الدخول في مواجهة مباشرة ومفتوحة في المنطقة في الوقت الحالي".
واعتبر أن "القصف الصاروخي الذي يستهدف القواعد الأميركية في العراق أو سورية لا قيمة استراتيجية له على الصعيد العملياتي فيما يخص معركة غزة، ولكنه يأتي ضمن المستوى التعبوي والتكتيكي فقط".
وفي التاسع من تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، تعرضت دورية مشتركة للقوات الأميركية وقوات مكافحة الإرهاب العراقية إلى تفجير بعبوة ناسفة قرب منطقة سد الموصل، وأعلنت فيما بعد الفصائل المسلحة المسؤولية عن التفجير.
الناشط الموصلي سيف الحمدان أكد أن استخدام أراضي نينوى كمنطلق لتنفيذ الهجمات ضد المقرات الأميركية في المنطقة من شأنه أن يجر المحافظة المنكوبة بسبب الحرب الأخيرة على "داعش" إلى دائرة الصراع والحرب من جديد.
وقال الحمدان في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "الجو العام في محافظة نينوى يرفض زج الموصل وعموم مناطق نينوى في صراع عسكر جديد"، مشددا على أن الرأي السائد في نينوى يدعو لضرورة الالتزام بسلطة الدولة والقانون وعدم جر المحافظة إلى صراعات خارجية ودولية.
كما أكد على أن الأغلبية في نينوى تميل لسلطة الدولة وحصر السلاح بيدها وعدم السماح بالمظاهر الموجودة حاليا والتي من شأنها أن تعرض العراق ونينوى لضربات عسكرية أميركية وعقوبات اقتصادية شديدة، يدفع ثمنها العامة من أبناء الشعب العراقي.
ومنذ اندلاع الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة، شنت فصائل عراقية مسلحة قريبة من إيران سلسلة من الهجمات على القواعد العسكرية التي تتواجد بها قوات أميركية في سورية والعراق، وبحسب الفصائل فإن تلك الهجمات تأتي ردا على القصف والعدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة.