تعود للمشهد السياسي المتأزم في العراق، مجدداً، سيناريوهات إعادة الانتخابات، والتلويح بالشارع، والإبقاء على حكومة مصطفى الكاظمي الحالية، بعد إعلان زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، أمس الأول الأحد، تحوله لما وصفه بـ"المعارضة الوطنية"، لمدة 30 يوماً.
كما منح الصدر شركاءه في تحالف "السيادة"، والحزب الديمقراطي الكردستاني، الخيار بالذهاب مع القوى الأخرى لتشكيل الحكومة الجديدة، مهاجماً خصومه في قوى "الإطار التنسيقي"، من دون أن يسميهم بالتبعية للخارج و"التكالب"، لإفشال مشروع حكومة الأغلبية الوطنية.
اعتبر عضو بالتيار الصدري أن الذهاب إلى خيار حل البرلمان وإعادة الانتخابات سيناريو مقبول بالنسبة للصدر
وفي خطاب تصعيدي ضد "الإطار التنسيقي"، من دون تسميته، لوح الصدر، في خطاب متلفز إلى العراقيين من النجف وجّهه إلى "الثلث المعطل" من استخدامه ورقة الشارع، قائلاً إن "للمظلوم زأرة لن تكونوا في مأمن منها".
ويأتي خطاب الصدر بعد يوم من إعلانه التحول إلى "المعارضة الوطنية"، لمدة 30 يوماً، إضافة إلى قرار المحكمة الاتحادية العليا برفض قانون "الأمن الغذائي"، الذي قدمته حكومة مصطفى الكاظمي للبرلمان لغرض إقراره، والذي يهدف إلى تسيير الملفات المالية المهمة كبديل عن الموازنة التي تعطلت بفعل عدم تشكيل الحكومة الجديدة.
وكانت المحكمة قضت أن الحكومة الحالية هي حكومة تصريف أعمال، ولا يحق لها تقديم أي قوانين من هذا النوع، وهو ما اعتبر ضربة للتحالف الثلاثي الداعم لهذا القانون، خاصة أن الجهة الطاعنة بشرعية القانون هي قوى "الإطار التنسيقي".
هجوم الصدر على الثلث المعطل
وقال الصدر، في كلمته المتلفزة أمس الإثنين: "لم أستغرب قيد أنملة من الثلث المعطل وتعطيله لتشكيل حكومة الأغلبية، حيث إن المنتمين له لا وجود لهم بلا سلطة. لكن هل وصلت بهم الوقاحة إلى درجة تعطيلهم القوانين التي تنفع الشعب، وعينك عينك. فلا حكومة أغلبية جديدة قد تنفع الشعب، ولا حكومة حالية تستطيع خدمة الشعب ونفعه".
وأضاف: "والله، إنهم يستهدفون الشعب ويريدون تركيعه، والأعجب من ذلك مسايرة القضاء لأفعال الثلث المعطل المشينة من حيث يعلم أو لا يعلم. كما أن السلطة أعمت أعينهم عما يعانيه الشعب من فقر وخوف ونقص في الأموال والأنفس وتسلط المليشيات والتبعية ومخاوف التطبيع والأوبئة والفساد الذي ملأ أرض العراق بالسرقات والخطف والقتل، حتى صار ساسة العراق مثلاً يحتذى به بالفساد والرذيلة، إلا من ثلة قليلة اضمحل أثرها وما زال يضمحل".
للمظلوم زأرة لن تكونوا بمأمن منها
ووجه الصدر كلامه لقوى "الإطار التنسيقي"، الذي أطلق عليه اسم "الثلث المعطل"، بالقول إن "لم تتقوا الله فاتقوا غضبة الحليم والمظلوم، فللمظلوم زأرة لن تكونوا في مأمن منها، أم هل تظنون أن أفعالكم هذه ستجبرنا على التحالف معكم، كلا وألف كلا، ولن نعيد العراق لمربع المحاصصة والفساد والتوافق المقيت".
واعتبر أن "التوافق جثم على صدر العراق وشعبه سنوات طوالا قد حصد الأخضر واليابس كما يعبرون، وقد أضر، وبكل وضوح لكل ذي نظر. فيا ترى إلى متى يبقى البعير على التل، أعني إلى متى يبقى الفساد والتوافق سيد الموقف والشعب يغلي ويعاني وما من مغيث".
ويُدرك تحالف "الإطار التنسيقي"، المدعوم من طهران، صعوبة تشكيل حكومة لا يشترك بها التيار الصدري. ولا تزال حاضرة أحداث تحريك الصدر للشارع في بغداد وجنوب البلاد، ضد حكومتي نوري المالكي في 2011، وحيدر العبادي في 2016، ثم دعمه بالبداية لتظاهرات أكتوبر/ تشرين الأول 2019. ويجعل كل ذلك إعلانات الصدر بالتوجه إلى المعارضة، أو عرض تشكيل الحكومة بعيداً عن تياره، بمثابة طروحات غير واقعية.
علي الفتلاوي: الإطار التنسيقي يرفض تشكيل أي حكومة من دون التيار الصدري كونها لن تصمد
وسبق للصدر أن قدم مهلة مدتها 40 يوماً نهاية مارس/آذار الماضي، لتشكيل خصومه السياسيين في "الإطار التنسيقي" الحكومة بمنأى عنه، وهو ما لم يتحقق.
تمسك "السيادة" بالتحالف مع الصدر
ورفض تحالف "السيادة"، الذي يقدم نفسه ممثلاً سياسياً عن العرب السنة، والحزب الديمقراطي الحاكم في إقليم كردستان، بزعامة مسعود البارزاني، التخلي عن شراكتهم مع الصدر، مؤكدين استمرار تحالفهم "إنقاذ وطن".
وأعقب ذلك منح الصدر مهلة أخرى مدتها 15 يوماً للنواب المستقلين والمدنيين، بتشكيلهم كتلة موحدة داخل البرلمان، وتسمية مرشحهم لرئاسة الحكومة، بدعم منه. وهو ما لم يتحقق أيضاً بفعل التباين داخل صفوفهم بشأن التعامل مع المبادرة.
وجاءت مهلة الصدر الجديدة المتمثلة في 30 يوماً بعد ساعات من إعلان عدد من النواب المستقلين مبادرة جديدة لإنهاء الانسداد السياسي، مع رفض مبادرة زعيم التيار الصدري، التي منح خلالها فرصة تشكيل الحكومة للنواب المستقلين، شرط جمع 40 نائباً مستقلاً في كتلة واحدة.
وكان الصدر قال، في بيان نشره على حسابه الشخصي في موقع "تويتر" الأحد الماضي: "تشرفت أن يكون المنتمون لي أكبر كتلة برلمانية بتاريخ العراق، وتشرفت بأن أنجح في تشكيل أكبر كتلة عابرة للمحاصصة (الطائفية)، وتشرفت بأن أعتمد على نفسي وألا أكون تابعا لجهات خارجية".
وأعلن أنه نظراً "لازدياد التكالب عليّ من الداخل والخارج، وعلى فكرة حكومة الأغلبية الوطنية. لم ننجح في مسعانا هذا ولله الحمد"، مبينا أن الكتل المستقلة "لم تعِنّا على ذلك".
وتابع: "بقي لنا خيار لا بد أن نجربه، وهو التحول إلى المعارضة الوطنية لمدة لا تقل عن الثلاثين يوماً، فإن نجحت الأطراف والكتل البرلمانية، بما فيها من تشرفنا في التحالف معهم (القوى العربية السنية والكردية)، بتشكيل حكومة لرفع معاناة الشعب، فبها ونعمت، وإلا فلنا قرار آخر نعلنه في حينها".
ووفقاً لعضو بارز في التيار الصدري بمدينة النجف، تحدث عبر الهاتف لـ"العربي الجديد"، فإن المهلة الجديدة للصدر، جاءت "رد فعل على معاودة الضغوط الخارجية عليه".
وأضاف أن الصدر "لن يستقبل خلال هذه المهلة أي وساطة، ولن يعقد أي لقاء سياسي متعلق بالأزمة. لكن التيار الصدري سيواصل في البرلمان عمله بشكل طبيعي وفقاً لمنظور المعارضة والتصحيح".
وأكد أن "الصدر أبلغ شركاءه في تحالف السيادة، والحزب الديمقراطي الكردستاني، بأنهم أحرار في موقفهم السياسي، لكن التكتلين السياسيين أبلغا الصدر أنهما لا يفكران في إقامة أي تحالفات مع القوى السياسية الأخرى، دون مشاركة التيار الصدري في تلك التحالفات، ليكون هو الركن الأساس في عملية تشكيل الحكومة الجديدة".
إمكانية تحريك الشارع
وحول خيارات الصدر بعد انتهاء مهلة الثلاثين يوماً، قال المصدر إن "التحرك نحو القواعد الشعبية بالمدن، وتحريك الشارع ضد المشاريع المستوردة من الخارج التي يراد من خلالها تشكيل الحكومة الجديدة، واحدة من الأوراق المتوفرة حالياً".
واعتبر أن الذهاب إلى خيار حل البرلمان وإعادة الانتخابات النيابية مجدداً "سيناريو مقبول بالنسبة للسيد الصدر على تشكيل حكومة توافقية قائمة على المحاصصة الطائفية، وتُكرر عمليات الفساد ونهب المال العام".
مناورة من الصدر
وقال عضو تحالف "الإطار التنسيقي" علي الفتلاوي، لـ"العربي الجديد"، إن مهلة الصدر الجديدة عبارة عن "مناورة لا تختلف عن المهل السابقة التي أعلن عنها، ويحاول من خلالها تحميل القوى السياسية الأخرى مسؤولية تأخير عملية تشكيل الحكومة". واعتبر أن المهل المقدمة ليست دستورية، ولا تعني القوى والكتل السياسية الأخرى بشيء.
وبين الفتلاوي أن "الإطار التنسيقي يرفض أيضاً تشكيل أي حكومة دون التيار الصدري، كونها لن تصمد. وما زلنا نعمل على توحيد الطرفين الشيعيين في كتلة واحدة تحت قبة البرلمان، تكون هي المسؤولة عن عملية اختيار رئيس الوزراء وكامل عملية تشكيل الحكومة الجديدة".
واعتبر أنه "لا يمكن انتظار الصدر إلى ما لا نهاية، وأن إصرار الصدر على مشروعه سيدفع الكتل المتحالفة معه للذهاب نحو تشكيل الحكومة دون التيار الصدري".
من جانبه، قال عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني مهدي عبد الكريم، إنهم لا يفكرون بفض شراكتهم مع الصدر وتحالف "السيادة". وبين، في حديث مع "العربي الجديد"، أن تحالفهم (إنقاذ وطن) متماسك، ولم تنجح محاولات الأشهر الماضية في تفكيكه".
مهدي عبد الكريم: تشكيل أي حكومة بعيداً عن الاستحقاق الانتخابي سيكون مصيرها الفشل
واعتبر أن "تشكيل أي حكومة بعيداً عن الاستحقاق الانتخابي، سيكون مصيرها الفشل، ولن يطول عمرها عن السنة، فجمهور التيار الصدري قادر على إسقاطها، كما أسقط متظاهرو تشرين حكومة عادل عبد المهدي".
وكشف عن تحرك قريب من خلال الحزب الديمقراطي الكردستاني يهدف إلى "توحيد المواقف داخل البيت السياسي الشيعي، لإنهاء حالة الانسداد الحالية".
وحمّل عبد الكريم "المحكمة الاتحادية العليا وقوى الإطار التنسيقي، مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع السياسية في البلاد"، في إشارة إلى قرار المحكمة باشتراط انتخاب الرئيس بوجود 220 نائباً في البرلمان، على خلاف الدورات البرلمانية السابقة التي كانت توجب عقد الجلسة بأغلبية النصف زائداً واحدا.
سياسة المهل لا تنتج حلولاً
وحول مجمل تطورات المشهد العراقي، رأى الخبير بالشأن السياسي العراقي أحمد الشريفي، أن "سياسة المهل لا يمكن أن تنتج أي حل في الأفق، بل ربما تزيد المشهد تعقيداً بشكل أكبر وأخطر".
وبين الشريفي، لـ"العربي الجديد"، أن "كل الأطراف الداخلية، وحتى الخارجية، تدرك جيداً أن حل الأزمة يكون من خلال حل الخلافات بين طرفي البيت السياسي الشيعي (التيار الصدري والإطار التنسيقي)، وبخلاف ذلك صعب جداً حل هذه الأزمة، وهي سوف تستمر دون التقارب بين الطرفين".
وأضاف أن "إعلان الصدر توجهه نحو المعارضة بمثابة رسالة تهديد لبعض الأطراف السياسية للتخلي عن مواقفها السابقة بإفشال مشروع حكومة الأغلبية، الذي يصر عليه الصدر بقوة حتى هذه الساعة".