استمع إلى الملخص
- **استراتيجية الإمارات في القرن الأفريقي**: تسعى الإمارات لتعزيز نفوذها الإقليمي عبر الانتشار البحري في نقاط استراتيجية واستثمارها في الموانئ المصرية والصومالية، مع التركيز على الأقاليم ذات التوجهات الانفصالية مثل صوماليلاند وبونتلاند.
- **التوترات المصرية الإثيوبية**: تعمقت التوترات بعد تسليم مصر مساعدات عسكرية للصومال، مما أثار استياء إثيوبيا. زيارة وزيرة الدفاع الإثيوبية للإمارات أثارت تساؤلات حول نوايا إثيوبيا، خاصة في ظل علاقات الإمارات الجيدة مع مصر.
حلقة جديدة من حلقات مسلسل التنافس الإقليمي والدولي الواسع في منطقة القرن الأفريقي تمثلت في زيارة وزيرة الدفاع الإثيوبية عائشة محمد موسى، الخميس الماضي، إلى الإمارات، ولقائها وزير الدولة الإماراتي لشؤون الدفاع محمد بن مبارك بن فاضل المزروعي، لبحث "تعزيز التعاون العسكري والدفاعي بين البلدين". يأتي ذلك بعد أيام قليلة من تسليم مصر مساعدات عسكرية للصومال، في 28 أغسطس/ آب الماضي، هي الأولى منذ أكثر من أربعة عقود، بناء على بروتوكول تعاون عسكري بين القاهرة ومقديشو تم توقيعه في وقت سابق من شهر أغسطس. وهي خطوة رجّح مراقبون أن تؤدي إلى تعميق التوتر بين مصر والصومال من جانب، وإثيوبيا من الجانب الآخر.
واستقبل المزروعي بمكتبه، الخميس الماضي، وزيرة الدفاع الإثيوبية. وقالت وزارة الدفاع الإماراتية في بيان إنه جرى خلال اللقاء بحث علاقات التعاون المتميزة بين البلدين في مختلف المجالات العسكرية والدفاعية والمواضيع ذات الاهتمام المشترك وسبل تعزيزها وتنميتها بما يخدم المصالح المشتركة. وجاءت الخطوة الإثيوبية باتجاه الإمارات، والتي تعتبر حليفاً لمصر، في الوقت الذي صعّدت فيه القاهرة من سياساتها تجاه أديس أبابا، إذ وجّهت الأولى خطاباً إلى مجلس الأمن، بشأن أزمة سد النهضة، أكدت فيه أن حكومتها "مستعدة لممارسة حقها في الدفاع عن حقوق ومصالح الشعب المصري وحمايتها، وفقاً لميثاق الأمم المتحدة". وأوضحت في البيان، الأحد الماضي، أن ذلك جاء "بعد استنفاد كافة الوسائل السلمية، بما في ذلك اللجوء مراراً وتكراراً إلى مجلس الأمن، على أمل إقناع إثيوبيا بالكف عن سياساتها أحادية الجانب، وغير القانونية، وقبول أي من الحلول الوسطية القائمة التي توازن بين مصالح وحقوق جميع الأطراف".
استراتيجية الإمارات في القرن الأفريقي
في السياق قال الباحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة إسطنبول أيدن، الدكتور عمار فايد، لـ"العربي الجديد"، إن "الإمارات لديها مشروع استراتيجي واسع، يتمثل في الانتشار البحري في نقاط تمنحها نفوذاً إقليمياً يعوّض ضعفها البري نتيجة العامل الجغرافي والديمغرافي الذي يقيد وزنها قوةً إقليمية". وأوضح أنه "لذلك تركز الإمارات على القرن الأفريقي وعلى باب المندب وخليج عدن (جزر اليمن وجنوبه)، وتستثمر في هذه المنطقة أمنياً ولوجيستياً، عبر سلسلة من الموانئ، وتستكمل ذلك أخيراً بوجودها المتزايد في الموانئ المصرية في البحر الأحمر ثم المتوسط".
عمار فايد: الإمارات تركز على الأقاليم التي لديها توجهات انفصالية
وأضاف أنه "في هذه الاستراتيجية، فالصومال دولة أساسية، لكن الإمارات تركز على الأقاليم التي لديها توجهات انفصالية مثل صوماليلاند (ميناء بربرة في هذا الإقليم غير المعترف به دولياً) وبونتلاند (ميناء بوصاصو شمال شرقي الصومال)، وهو توجه مكرر في اليمن بالتحالف مع الانفصاليين في الجنوب". وأوضح فايد أن "إثيوبيا في هذه الاستراتيجية شريك، لأنها تاريخياً قوة مهيمنة في القرن الأفريقي ولديها جغرافيا لا يمكن تجاوزها، ولديها قوة بشرية ومصلحة حيوية في الحصول على منفذ بحري دائم لأسباب اقتصادية وعسكرية". ولفت إلى أن إثيوبيا "شريك مع صوماليلاند والإمارات في اتفاقية ميناء بربرة منذ بدء النقاش حولها عام 2016، إذ تمتلك موانئ دبي 51% من المشروع وصوماليلاند 30% وإثيوبيا 19%". وليس معروفاً بعد، وفق فايد، مصير هذه الشراكة في ضوء الاتفاق الموقع بين إثيوبيا وصوماليلاند، في يناير/ كانون الثاني الماضي، الذي يوفر لإثيوبيا منفذاً بحرياً عبر ميناء بربرة الصومالي، مقابل الاعتراف بصوماليلاند.
وتابع فايد "تقع إثيوبيا في قلب استراتيجية الأمن الغذائي الإماراتي وتعتمد عليها بصورة متزايدة في توفير الواردات الغذائية، خصوصاً بعد جائحة كورونا وظهور مشاكل سلاسل التوريد الغذائية، وعموماً تضاعف التبادل التجاري بين الدولتين أكثر من سبع مرات منذ عام 2000، إذ تجاوز 6 مليارات دولار في عام 2022، كما زار أبي أحمد الإمارات سبع مرات منذ توليه الحكم" في 2018. واعتبر فايد أن "مشكلة الإمارات حالياً أنها لن تكون قادرة على دعم مشروع الانفصال في صوماليلاند بصورة مباشرة، وستحرص على تجنب الصدام مع تركيا ومصر".
استياء مصري
بدوره، قال السفير السوداني السابق في الولايات المتحدة والخبير بالشؤون الأفريقية، الخصر هارون، لـ"العربي الجديد"، إنه "لو أن الزائر للإمارات كان دبلوماسياً كوزير الخارجية أو وكيلها أو مبعوثاً منها، لانصرف الظن إلى احتمال أن إثيوبيا ربما تريد من الإمارات بحكم علاقاتها الحسنة مع مصر، التوسط لتخفيف حدة التوتر بينها وبين مصر". وأضاف أن "مصر مستاءة من التصرفات الأحادية التي تتخذها إثيوبيا بخصوص مراحل تعبئة سد النهضة بالمخالفة لما نص عليه اتفاق المبادئ لعام 2015، من اتفاق الدول الثلاث مصر والسودان وإثيوبيا على مراحل الملء، وكذلك اتفاقها مع صوماليلاند بما يعد اعتداءً على سيادة الصومال". وأوضح أن "أرض الصومال (صوماليلاند) إقليم يعتبر حسب القانون الدولي جزءاً لا يتجزأ من جمهورية الصومال، ولذلك فإن إرسال وزيرة الدفاع الإثيوبية إلى الإمارات أمر مربك يثير العديد من الحساسيات".
هاشم علي: تريد إثيوبيا الاحتفاظ بمكانتها في المنطقة للخروج من عقدة الدولة المغلقة
من ناحيته قال الكاتب والباحث في شؤون القرن الأفريقي، هاشم علي، لـ"العربي الجديد"، إن "العلاقات بين إثيوبيا ومصر، لها خلفيات تاريخية وحضارية تجذب أطرافاً دولية لها جملة مصالح معقدة في المنطقة". وأضاف أنه "رغم أن ما يحدث الآن مرتبط بشؤون القرن الأفريقي إلا أن له حسابات لا تسقط منطقة الشرق الأوسط، ومن هنا يأتي وصف التنافس الإقليمي الذي تتسع دائرته".
وأشار إلى أن "إثيوبيا بحكم تاريخها القديم، تمثل دولة محورية، وبكثافتها السكانية وإمكاناتها الاقتصادية، تمثل منافساً لديه طموح يتعدى كونه دولة أفريقية، إذ ظلت ومنذ تاريخها المبكر، لها وزنها في تدافعات عديدة حتى مع دول كبرى كبريطانيا وإيطاليا". والآن وبحكم دورها في منطقة القرن الأفريقي ووزنها الاقتصادي والسكاني، وفق علي، تريد إثيوبيا "أن تحتفظ بهذه المكانة والتي تمثلت أخيراً في مشاركاتها المتعددة في منطقة القرن الأفريقي وأمنها، لأن الخروج من عقدة الدولة المغلقة أمر يفرضه واقعها ومستقبلها التنافسي".
ولفت إلى أن "ما تطالب به إثيوبيا في مسألة الماءين، وما أصدرت وزارة خارجيتها وثيقة بشأنه (استراتيجية مفصلة اعلنتها في نهاية فبراير/ شباط الماضي)، في مياه النيل ومياه البحر الأحمر، أمر أصبح بحسب إثيوبيا ضرورة ومخططاً استراتيجياً لمستقبلها، وحتى لوجودها كدولة". فضلاً عن كون إثيوبيا "دولة إقليمية كبرى بشرق أفريقيا ولاعباً أساسياً له دوره المنوط بأمن منطقة القرن الأفريقي التي تعتبر ذات أهمية بالنسبة للعالم وصراعات الدول الكبرى".