ملاحظات على هجوم موسكو: دور "داعش" والخلل الأمني

23 مارس 2024
يشكل هجوم موسكو الإرهابي خرقاً أمنياً كبيراً في روسيا (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- هجوم إرهابي في موسكو ينفذه "داعش" في صالة حفلات موسيقية يسفر عن مقتل 143 شخصاً، مما يعكس خرقاً أمنياً كبيراً ويثير تساؤلات حول الدوافع والأهداف، بما في ذلك الصلات المحتملة بين المهاجمين وأوكرانيا.
- التكهنات تشير إلى إمكانية استغلال الحادث لحشد الدعم للحرب في أوكرانيا وتبرير تعبئة جديدة، مع وجود تساؤلات حول تورط الأجهزة الروسية لتحقيق أهداف سياسية.
- الأدلة تلمح إلى تورط "داعش" مع العثور على جواز سفر طاجيكي واعتقال شخص من أنغوشيا، بينما تنفي الولايات المتحدة وأوكرانيا أي تورط أوكراني، مما قد يفتح الباب لتصعيد العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا.

يفتح هجوم موسكو الإرهابي في صالة للحفلات الموسيقية أمس الجمعة، المجال أمام تساؤلات كبيرة حول تداعياته، سواء في الداخل الروسي، أم في الحرب الروسية على أوكرانيا، خصوصاً مع مسارعة مسؤولين روس إلى القول إن المهاجمين كانت لديهم صلات ذات علاقة بالجانب الأوكراني.

هذا العمل الإرهابي، الذي وصل عدد ضحاياه إلى 143 قتيلاً حتى ظهر اليوم السبت، ونقلت وكالات إعلامية أن تنظيم "داعش" تبناه، هو الأكبر منذ تفجيرات مترو الأنفاق في موسكو في ربيع العام 2010. ويمكن تشبيهه، وفق مراقبين، بحجم الهجوم على مسرح أوست نورد في دوبروفكا جنوب شرق موسكو في أكتوبر/تشرين الأول 2002، الذي سقط 120 قتيلاً بغاز سام أطلقته القوات الأمنية الروسية لفك أسر الرهائن، لكنه يختلف من جهة أن الإرهابيين لم يعملوا على احتجاز رهائن هذه المرة، وهذا بدا واضحاً منذ الدقائق الأولى حين قاموا بإشعال حرائق ربما لإيقاع أكبر عدد ممكن من الضحايا، كما أنه ليس معروفاً أي مطلب آخر للمهاجمين غير القتل. 

خرق أمني

يشكل هذا العمل الإرهابي خرقاً أمنياً كبيراً في روسيا على مستوى الاستخبارات بالدرجة الأولى، ومن المتوقع أن يؤدي إلى تغييرات على مستوى قيادات الصف الثاني، وهي مقدمة قد تطاول رؤوساً كبيرة في هيئة الأمن الفيدرالي الروسي.

وهذا الاختراق الكبير يضعف الثقة بالأجهزة الأمنية وقدرتها على منع عمل إرهابي، والحديث قد يدور عن تراخٍ روسي في المجال الأمني بعد الانتخابات الرئاسية التي جرت قبل أيام، وهذا سيؤدي إلى محاسبات وإقالات، يبدو أن وقتها قد حان، خصوصاً أن الكثير من المسؤولين الأمنيين هم بأعمار كبيرة وتجاوز معظمهم الـ70 عاماً.

في المقابل، قد يطرح بعضهم فرضية أن الأجهزة الروسية وراء هذا العمل من أجل حشد الروس لاستمرار الحرب في أوكرانيا وتصعيدها، وتبرير إعلان تعبئة جزئية جديدة عبر تخويف الروس من أن الخطر الإرهابي تجاوز المناطق الحدودية ووصل إلى عمليات كبرى في موسكو والمدن الروسية. وهنا يجب الإشارة إلى حديث المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف قبل ساعات من الحادث التي قال فيها إن بلاده عملياً في حالة حرب مع الغرب في أوكرانيا. 

أثر تنظيم "داعش"

شهادات كثيرة ممن كانوا في القاعة ذكرت أن المهاجمين ملتحون، كما سرت أنباء في وسائل الإعلام الروسية منذ أمس الجمعة، أن أحد المعتقلين من جمهورية أنغوشيا شمال القوقاز.

ونقلت صحيفة "كوميرسانت" الروسية عن مصادر أنه عُثر على جواز سفر طاجيكي في السيارة التي يفترض أن الإرهابيين استخدموها، وهذا يفتح على احتمالين؛ الأول وهو ضعيف أن أوكرانيا قد استخدمت مواطني آسيا الوسطى وشمال القوقاز في تنفيذ الهجوم، والثاني أقوى أن تنظيم "داعش" الناشط في آسيا الوسطى خططت ونفذ العمل باستخدام مواطنين يستطيعون الدخول إلى روسيا من دون تأشيرات.

و"داعش فرع خرسان" (في أفغانستان) على عداوة مع روسيا التي ساندت حركة "طالبان"، ومعلوم أن "داعش" استهدف في بداية سبتمبر/أيلول الماضي السفارة الروسية في العاصمة الأفغانية كابول عبر انتحاري، وأدى العمل إلى مقتل موظفين في السفارة، وهو العمل الأبرز لـ"داعش" ضد هدف أجنبي بعد الانسحاب الأميركي من أفغانستان في أغسطس/آب 2021.

 

هل من دور لأوكرانيا؟

سارع جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، إلى القول في بيان اليوم السبت، إن المجرمين اعتزموا بعد الهجوم عبور الحدود بين روسيا وأوكرانيا، وكانت لديهم صلات ذات علاقة على الجانب الأوكراني، لكن في الواقع لا يشبه هذا الهجوم الحوادث السابقة التي اتُّهمت كييف بالوقوف خلفها، مثل مقتل داريا دوغينا في أغسطس/آب 2022 بتفخيخ سيارة، أو قتل المدون الروسي فلادلين تاتارسكي في إبريل/نيسان 2023 في مقهى بوضع عبوة ناسفة داخل تمثال قُدّم له، أو الهجمات الحدودية والضربات بالمسيّرات.

وأوكرانيا تدرك، بحسابات الربح والخسارة، أن العمل الإرهابي لا يصب في مصلحتها لأنه سوف يستدعي رداً روسياً قاسياً، في وقت يعاني فيه الجيش الأوكراني نقصاً حاداً في الذخيرة والعتاد والمضادات الجوية، وكذلك في الجنود المدربين.

ومسارعة الولايات المتحدة على لسان المتحدث باسم مجلس الأمن القومي جون كيربي إلى إعلان قاطع أنه لا توجد دلائل على تورط أوكرانيا، قد تعني وجود معلومات مؤكدة لدى الطرف الأميركي عن إمكانية تورط "داعش" أو جهات أخرى في الحادث، كما أن نفي كيربي مباشرة ضلوع أوكرانيا قد يدل على أن واشنطن لديها معلومات أكثر حول الهجوم، وهو ما قابلته المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا بالطلب من واشنطن تقاسم المعلومات أو الصمت والإدانة فقط.

يشار إلى أن السفارة الأميركية في موسكو كانت قد حذرت في بيان في 7 مارس/آذار الحالي من أن "متطرفين" قد ينفذون أعمالاً إرهابية في تجمعات عامة في روسيا. مصطلح "متطرفين" يستخدم عادة للمتطرفين الإسلاميين إذا لم يرفق بتوضيح "قوميين" مثلاً، كما أنه لو كانت لدى الولايات المتحدة معلومات عن عمل إرهابي أوكراني لكانت عالجت الموضوع مع القيادة الأوكرانية من دون ضجيج إعلامي، فالإرهاب لا يمكن أن يدعمه السياسيون في العلن، كما أنه سيكون مبرراً لمواصلة الجمهوريين في واشنطن تعطيل تقديم مساعدات لأوكرانيا خوفاً من تصعيد الحرب.

في المقابل، نقلت وكالة "تاس" الروسية اليوم السبت عن مصدر في الهيئات الأمنية المختصة، قوله إن الأمن الروسي تلقى معلومات من الجانب الأميركي حول تحضير هجوم إرهابي، لكنها كانت ذات طبيعة عامة بدون تفاصيل.

في الخلاصة، تبقى الاحتمالات مفتوحة على جميع الفرضيات السابقة، في انتظار التحقيق، وطبيعة الرد الروسي على أوكرانيا بالدرجة الأولى، والأرجح في جميع الاحتمالات أن تزيد روسيا وتيرة ضرباتها في أوكرانيا، لأن حسم هذا الملف سيؤدي إلى استقرار أكبر وتركيز الجهود على الأمن الداخلي. أما حملة التعاطف الدولية مع روسيا من الغرب بعد الهجوم فليست أكثر من "وقت مستقطع" ولا يمكن أن تؤدي إلى تغييرات كبيرة، فمن جهة الغرب سيواصل دعم أوكرانيا بكل ما لديه من قوة، في حين أن روسيا ستعمل على حسم الحرب بأسرع وقت ممكن لفرض وقائع لا يمكن تغييرها.