مقترحات فرنسا لإنهاء القتال في جنوب لبنان: موانع تحول دون التطبيق

13 فبراير 2024
وسّع الاحتلال رقعة استهدافاته من خارج قواعد الاشتباك (فرانس برس)
+ الخط -

يشتدّ الحراك الدبلوماسي لوقف المواجهات بين "حزب الله" والاحتلال

يرفض لبنان القبول بأي بند يمكن أن يضرّ بأهالي الجنوب

أي مفاوضات لترسيم الحدود لن تحصل قبل وقف كامل للنار في غزة

يشتدّ الحراك الدبلوماسي لوقف المواجهات الدائرة بين "حزب الله" والاحتلال الإسرائيلي على حدود لبنان الجنوبية مع فلسطين المحتلة، بالتزامن مع تصاعد وتيرة العمليات العسكرية من الطرفين، وتوسيع الاحتلال رقعة استهدافاته خارج قواعد الاشتباك، وتوجيهها إلى العمق اللبناني، خلال محاولاته اغتيال شخصيات ضمن "محور المقاومة".

وبرز في هذا الإطار مقترحٌ فرنسيٌّ حمله وزير خارجية فرنسا ستيفان سيجورنيه، إلى المسؤولين اللبنانيين خلال زيارته بيروت قبل أسبوع، يتوزع على ثلاث مراحل، نشرت تفاصيله وكالة "رويترز"، وسرَّبت بعض أجوائه أوساط فرنسية قبل أيام، ويدعو بالدرجة الأولى المقاتلين، بما في ذلك وحدة النخبة التابعة لـ"حزب الله" إلى الانسحاب لمسافة تبعد 10 كلم عن الحدود.

ويهدف الاقتراح الفرنسي إلى منع نشوب صراع "يهدد بالخروج عن نطاق السيطرة"، وفرض "وقف محتمل لإطلاق النار عندما تكون الظروف ملائمة"، ويتصوّر في نهاية المطاف إجراء مفاوضات حول ترسيم الحدود البرية المتنازع عليها بين لبنان وإسرائيل، إضافة إلى نشر ما يصل إلى 15 ألف جندي من الجيش اللبناني في المنطقة الحدودية، جنوبي لبنان.

ومن المقترحات أن تهدم الجماعات المسلحة اللبنانية جميع المباني والمنشآت القريبة من الحدود، وتسحب القوات المقاتلة، بما يشمل مقاتلي قوات الرضوان التابعة لـ"حزب الله"، وكذلك القدرات العسكرية مثل الأنظمة المضادة للدبابات إلى مسافة 10 كيلومترات على الأقل شمالي الحدود.

وفي الإطار، يقول مصدرٌ نيابيٌّ في "حزب الله" لـ"العربي الجديد" إنّ "كل الاقتراحات، سواء فرنسية أو أميركية، لا تعنينا اليوم، والمطلوب فقط وقف العدوان على غزة، والعدو لا يمكن أن يفرض شروطه لا على لبنان ولا على حزب الله".

ويشير المصدر إلى أن "الأنظار اليوم تتجه إلى غزة ومدينة رفح، حيث التصعيد الإسرائيلي واضحٌ، وهذه العمليات كلّها التي يقوم بها هي دليلٌ على خسارة العدو، وفشله في تحقيق أي من أهدافه المعلنة وغير المعلنة، وجبهة جنوب لبنان ستبقى مفتوحة للمساندة، ويد المقاومة على الزناد دائماً، وكل عملية موسعة من جانب العدو لبنانياً سيقابلها رد عسكري مناسب بأهداف موجعة".

لبنان يدرس المقترحات الفرنسية

من جهته، يقول مصدرٌ مقرّبٌ من رئيس البرلمان نبيه بري، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الاقتراحات الفرنسية ليست نهائية، والجانب اللبناني يدرسها، ولديه بعض الملاحظات عليها، خصوصاً أن العدو يجب أن يوقف اعتداءاته على الجنوب والسيادة اللبنانية، ويحصل لبنان على ضمانات بهذا الخصوص، كما أن لا مانع للبنان بنشر عدد أكبر من العسكريين على الحدود، وكان هناك مطالب بدعم المؤسسة العسكرية أيضاً للقيام بعملها، لكن كل العمليات التي يقوم بها هي بالتعاون والتنسيق مع قوات اليونيفيل، ولا يمكن للأخيرة أن تقوم بمهامها منفردة".

ويشير المصدر إلى أن "هناك نقاطاً لا يمكن البحث بها الآن قبل وقف العدوان الإسرائيلي على غزة، وهناك نقاط تحتاج إلى توضيح أكثر، إذ لا يمكن القبول بأي بند يمكن أن يضرّ بأهالي الجنوب وسكان القرى الحدودية وممتلكاتهم".

حلّ سياسي

وفي هذا السياق، يقول اللواء عبد الرحمن شحيتلي، الذي ترأس الوفد اللبناني في مفاوضات الخطّ الأزرق في الناقورة من عام 2007 حتى عام 2013، إن "الموضوع كلّه مرتبطٌ بالحلّ السياسي، الذي بوجوده تصبح كل الاتفاقيات عملية تنفيذية".

ويشير شحيتلي في حديثه مع "العربي الجديد" إلى أنه لا يمكن تقديم الحل العسكري على ذاك السياسي، ومن الصعب القيام بتدابير عسكرية في الجنوب اللبناني من دون حل سياسي، إذ إن حزب الله هو حالة منتشرة تعبّر عن رأي شريحة كبيرة من سكان أهل الجنوب، وحتى لو تراجع كيلومترات من الحدود، فإن عمليات الاحتكاك قد لا تتوقف، لأن ما يحصل جنوباً يصدر بقرار سياسي لا عسكري.

ويوضح هنا شحيتلي أنه "لا يمكن جلب قوّة عسكرية وتصنيف منطقة معينة في الجنوب بمنطقة عمليات، ويُطلب إليها نزع السلاح فيها، ومعاملتها بطريقة مختلفة عن باقي المناطق اللبنانية، ولا يمكن مداهمة أو تفتيش أي بيت من دون إذن قضائي، أو توقيف أي شخص لاعتراضه على سبيل المثال دورية أمنية من دون إذن المدعي العام، وبالتالي، يجب تطبيق القانون اللبناني بهذه الحالات، من هنا فإن أي تدابير أمنية تتخذ قبل الحل السياسي، تضعنا أمام مشهدية وضع العربة أمام الحصان".

تبعاً لذلك، يرى اللواء اللبناني أنه يجب أن يكون هناك اتفاق سياسي واضح بوقف الأعمال العدائية كما ينص القرار الدولي 1701، وبعده تستطيع القوات الأمنية المنتشرة، سواء كانت مؤلفة من 1500 عسكري أو 15000 عسكري، أن تقوم بعملها بسهولة، وبغطاء سياسي، وبصورة كاملة، لكن في المقابل، إذا لم يكن هناك حل سياسي، فحتى لو أرسلنا آلاف العسكريين إلى الجنوب، فستبقى عملية الأمن مهتزة، فهذه بالنهاية ليست قوات قمع لزيادة عددها، وبمجرد أن تدخل أي دورية للأمم المتحدة بهدف تفتيش منزل أو توقيف شخص من دون إذن، فإن الإشكالات تالياً ستبقى طالما لا اتفاق سياسياً.

ويشدد شحيتلي على أن "جنوب الليطاني يرتبط بالقرار السياسي، وهنا تطرح الأسئلة، هل هناك قرار سياسي بضبط هذه المنطقة أم لا، وهذا يرتبط أيضاً بالصراع مع إسرائيل، فهل لدى العدو نية حقيقية لوقف أعماله العدائية أم إنه يريد كسب الوقت لتعزيز إمكاناته قبل شنه عدواناً على لبنان، هل يريد إنهاء الصراع أم لا؟".

ويختم شحيتلي بالتأكيد أن كل الحلول التي تأتي من الخارج معلنة ومستوردة ولا تفيد لبنان، مشيراً إلى أنه على الدولة اللبنانية عقد اجتماعات سياسية وأمنية لا تقتصر على الحكومة فقط، تخرج منها بخطة لبنانية تُعرض على الفرنسيين والأميركيين وغيرهم، لدرسها ووضع ملاحظاتهم عليها، لا العكس كما يحصل اليوم، إذ من غير المقبول عرض مقترحات فرنسية على لبنان، ليضع ملاحظاته عليها، معتبراً أن هذه الطريقة أثبتت أنها غير مجدية.

"حزب الله" يملك مفتاح القرار

بدوره، يقول الخبير العسكري والاستراتيجي العميد المتقاعد ناجي ملاعب لـ"العربي الجديد" إن "العرض الفرنسي يتضمّن مطالب إسرائيلية، أهمّها إعادة السكان الذين نزحوا من شمال إسرائيل إلى الداخل، ويربط ذلك بإبعاد قوة الرضوان التابعة لحزب الله من المنطقة، كونه يُخشى من عمليات هذه القوّة المدرّبة في الداخل الإسرائيلي".

ويضيف ملاعب "الإسرائيلي لا يريد أن يكون هناك سلاح لا تستطيع القبة الحديدية التعامل معه، وهذا موضوعٌ عسكريٌّ بحت، إذ إن القبة الحديدية تتعامل مع الصاروخ المنحني، والحزب يستخدم صاروخ كورنيت، وهو صاروخ أفقي لا تصطاده القبة الحديدية، ويستعمله ضد الأبنية والآليات والتجمّعات والتحصينات، كما يستعمل ضمن أسلحته صاروخ بركان، وهو صاروخ بدائي، وصحيح أنه منحنٍ وليس أفقياً، إلا أن القبة لا تستطيع التعامل معه أيضاً لأنه قصير المسافة، علماً أنّ مفعوله قوي، ولهذه الأسباب، يريد العدو أن يسحب حزب الله قواته لمسافة تبعد 10 كلم عن الحدود".

من ناحية ثانية، يقول ملاعب إن "القرار يبقى لدى حزب الله بوقف الأعمال العسكرية، وهو يلزمه قرار شرعي إذ إن الحزب ليس فقط منظومة عسكرية بل ميثاقية، وهناك قرار شرعي بفتح الجبهة لمساندة غزة، والتعامل وفق الميدان، من هنا فإن وقف اطلاق النار يلزمه قرار شرعي من جانب الحزب، وهذا خارج إطار الحكومة اللبنانية".

كذلك، يلفت ملاعب إلى أنّ "حزب الله ليس لديه أي ثكنة، أو موقع عسكري، أو لباس عسكري، أو آلية عسكرية في المناطق الحدودية، أي لا وجود علنياً لحزب الله فيها، رغم أنه طبعاً موجود بالقرى الجنوبية، لكن لا يمكن الطلب منه سحب الأهالي، وهذا ما لا يمكن القبول به".

تبعاً لذلك، يشير ملاعب إلى أنّ "وقف إطلاق النار يتطلب تعهداً من حزب الله أو قراراً شرعياً من جانبه بضمانات يقودها حالياً شخصٌ موثوق به من قبل الفريقين، أي الوسيط الأميركي عاموس هوكشتاين، الذي أنجز الترسيم البحري، ومع أنه لم يكن منصفاً بحقنا في لبنان، بيد أن الحزب لم يعترض عليه، وبالتالي، فإن الموضوع ليس بيد الفرنسيين وإن قدّموا ورقة مكتوبة تحوي على مبادئ عامة".

ويلفت ملاعب أيضاً إلى أن "موقف لبنان الرسمي بات معروفاً، تبنى خلاله موقف حزب الله بأن البحث بأي مفاوضات لترسيم الحدود لن يكون قبل وقف كامل للنار في غزة، كما أن هوكشتاين الذي زار تل أبيب لم يحدّد بعد موعد زيارته إلى بيروت، ما يعني أنه غادر إسرائيل خالي الوفاض، خصوصاً لناحية استعادة لبنان لأراضيه المحتلة، بحيث لم يحصل من الإسرائيلي على ضمانة للبحث بهذا الموضوع، وهذه كلها موانع تحول دون إنجاز أي حلّ راهن، والاقتراحات الفرنسية ليست إلا بروفا لما يريده الأميركي".

المساهمون