مقامرة إسرائيل في لبنان أهدافها قد تتوسع بالتدريج

26 سبتمبر 2024
آثار غارة إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت، 24 سبتمبر 2024 (حسين بيضون)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- إسرائيل ترفض فتح جبهة ثانية مع حزب الله، رغم اقتراح المؤسسة العسكرية توجيه ضربة استباقية، ونتنياهو يرفض بسبب عدم جاهزية الجيش لخوض جبهتين.
- الحكومة الإسرائيلية تسعى لاتفاق تبادل أسرى مع حماس ووقف إطلاق النار، مع توجيه الجهود نحو جبهة الشمال والاستعداد لحرب مع حزب الله.
- إسرائيل توسع الحرب إلى لبنان بعد ضربات قوية لحزب الله، وتدعمها الأحزاب الصهيونية والإدارة الأميركية، رغم تحذيرات مراكز الأبحاث من تكلفة الحرب.

منذ الإخفاق الكبير في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وفتح حزب الله جبهة الإسناد في جنوب لبنان، لم تعلن إسرائيل ولا مرة أنها لا تريد حرباً مع حزب الله، بل أصرّت على الادعاء بأنها لا تسعى إلى فتح جبهة ثانية واسعة بالتوازي مع جبهة غزة. أوضحت المؤسسة العسكرية، التي اقترحت توجيه ضربة استباقية في 11 أكتوبر الماضي رفضها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، أن الجيش غير مهيأ لخوض جبهتين بالتوازي، وأن المجهود الحربي يجب أن يتركز في تحقيق أهداف الحرب في غزة، وبعد ذلك التوجّه إلى جبهة الشمال (مع لبنان). المؤسسة العسكرية بدأت منذ عدة أشهر الضغط على الحكومة وعلى نتنياهو خصوصاً، للتوجه إلى اتفاق لتبادل الأسرى والمخطوفين مع حركة حماس ووقف مؤقت لإطلاق النار، وتوجيه المجهود العسكري نحو جبهة الشمال والاستعداد لحرب مع حزب الله.

الحكومة الإسرائيلية والمؤسسة العسكرية كررتا المقولة بأن إسرائيل ستعمل على إعادة سكان البلدات الحدودية في الشمال إلى منازلهم، إما باتفاق أو بأدوات أخرى. مع العلم أن سكان تلك البلدات خرجوا بقرار من الحكومة خشية من تكرار سيناريو السابع من أكتوبر على نطاق أوسع في الحدود الشمالية، وليس نتيجة لقصف حزب الله لأهداف مدنية في تلك البلدات. على ما يبدو فإن هذه المعايير تغيرت في الأسابيع الأخيرة. فبعد أن بات واضحاً لإسرائيل أنها لن تتمكن من فرض اتفاق لتبادل الأسرى والمخطوفين على مقاسها مع حركة حماس، وأنها لم تنجح في تحقيق أهداف حرب الإبادة على غزة، ووصلت حرب الإبادة إلى طريق مسدود، وتراجع حجم العمليات العسكرية في غزة، بالتوازي مع تزايد الضغوط من أهالي الأسرى والمخطوفين داخل إسرائيل، تقوم إسرائيل بالهروب إلى الأمام وتوسع حرب الإبادة إلى لبنان. هذا يشي بأن إسرائيل لا تملك أي حلول دبلوماسية أو سياسية، ولا تريد أصلاً أن تطرح أي حلول كهذه، وجل ما تعرفه هو استعمال القوة فقط. إسرائيل تدعي أنها تريد فك الارتباط بين جبهة الشمال وغزة، وأن تفرض شروطاً على حزب الله أقرب لشروط الاستسلام، وأن تستبيح جنوب لبنان وتحويله إلى شريط أمني يحمي المستوطنات في الشمال، ويعمل وفقاً لرغبات وشروط حكومة بنيامين نتنياهو.

إسرائيل تريد تحويل جنوب لبنان إلى شريط أمني يحمي المستوطنات في الشمال

إجماع في إسرائيل على الحرب

توسيع الحرب ضد لبنان جاء بعد سلسلة ضربات قوية وجّهتها إسرائيل لحزب الله في الأسبوع الأخير، منها تفجير أجهزة بيجر، في 17 سبتمبر/أيلول الحالي، وبعدها بيوم تفجير أجهزة الاتصال اللاسلكية، وبعدها اغتيال قيادات من حزب الله في الضاحية الجنوبية في 20 سبتمبر الحالي. ومنذ الاثنين الماضي بدأت إسرائيل بتنفيذ هجوم جوي على مناطق واسعة في جنوب لبنان والبقاع، خلّف دمارا هائلا وأعدادا كبيرة من الشهداء. إسرائيل تبدأ الحرب على لبنان في ظل وجود إجماع إسرائيلي واسع وداعم. غالبية استطلاعات الرأي العام في الأشهر الأخيرة أوضحت أن معظم المجتمع الإسرائيلي يدعم شن حرب على لبنان، الاختلاف الوحيد كان هل تبدأ الحرب بالتوازي مع حرب غزة أم بعد ذلك؟

كما تدعم كافة الأحزاب الصهيونية المشاركة في التحالف الحكومة والمعارضة الحرب على لبنان، بل إن قيادات في المعارضة هاجمت وطالبت الحكومة في الأسابيع الأخيرة بالمبادرة إلى فتح حرب على لبنان، منهم الوزير السابق في مجلس الحرب بني غانتس، الذي خرج بفيديو مصور يطالب فيه بالهجوم على لبنان، وكذلك عضو الكنيست أفيغدور ليبرمان، وأيضاً رئيس المعارضة يئير لبيد. جميع قيادات المعارضة قالت إنها ستدعم قرار الحكومة بفتح حرب على حزب الله. كما توسع إسرائيل الحرب من دون أي اعتراض جدي من الإدارة الأميركية ولا انتقادات. هذا الدعم الواسع يأتي على الرغم من تحذيرات مراكز الأبحاث العسكرية، ومن قيادات عسكرية سابقة، بأن أي حرب مع حزب الله ستكون باهظة الثمن، وأنه لا يمكن ضمان نتائجها وتحقيق أهداف الحرب، ورغم الادعاءات بأن الجيش الإسرائيلي يعاني من نقص في القوى البشرية والمعدات والذخائر.

إسرائيل قامت بهجمات جوية واسعة جداً على مواقع حزب الله، حسب ادعائها، وضربت آلاف الأهداف، وتقول إنها مستمرة إلى أن يتراجع حزب الله عن دعمه لغزة وفك الربط بين الجبهتين، وقبول الحزب حلاً يقضي بانسحاب قواته لغاية نهر الليطاني، مما يتيح عودة سكان الشمال إلى بلداتهم. إلا أنه من الواضح أن أهداف إسرائيل قد تكون أوسع من ذلك بكثير، من دون الإعلان عن ذلك، وأن إسرائيل تخوض حربا متدحرجة ستتوسع باستمرار، ويمكن أن تصل إلى حرب مفتوحة. إسرائيل ترمي منذ بداية حرب الإبادة على غزة للانتقام لضرب مكانة إسرائيل وتراجع حالتها الاستراتيجية وترميم قدرة الردع، وتعرف أن ذلك لن يتحقق من دون تغيير الحالة الاستراتيجية على الحدود الشمالية، وتغيير قواعد اللعبة هناك.

لا يمكن إلغاء فرضية أن أهداف الحرب في لبنان أوسع مما أعلن عنه

نتنياهو وقيادات المؤسسة العسكرية صرحوا مراراً أن هدفهم تغيير واقع دولة إسرائيل. ويعتبرون أن انسحاب قوات حزب الله إلى نهر الليطاني هو شرط ضروري، لكنه غير كافٍ. إسرائيل تريد قضم قدرات حزب الله العسكرية بشكل جدي، وتريد ضرب قدراته الصاروخية والبشرية. إسرائيل تعرف أن القضاء على قدرات حزب الله هو هدف غير واقعي ويتطلب أثماناً باهظة جداً، لذلك تقوم بذلك على مراحل وبجرعات يمكن أن تتحكم بها. إسرائيل بادرت إلى اغتيال قيادات بارزة في حزب الله بدون أن يؤدي ذلك إلى حرب واسعة، بينما كانت خطوات كهذه تؤدي في السابق إلى أيام قتال شديدة في أقل تقدير. وعملت في الأيام الأخيرة على إلحاق ضرر بالغ بقدرات حزب الله الصاروخية من دون أن يؤدي ذلك إلى حرب واسعة. إسرائيل تضرب وتهدد أن أي رد واسع من قبل حزب الله سيؤدي إلى ضربات اقوى وأعمق. إسرائيل تريد أن تقنع حزب الله وآخرين بأنها فعلاً تتصرف بجنون وأن لا حدود لما يمكن أن تقوم به. بذلك يمكن القول إن ما كان يسمى بالردع المتبادل صار يقتصر على ردع إسرائيل عن توجيه ضربات عنيفة لضاحية بيروت الجنوبية، وردع حزب الله عن استهداف المركز الإسرائيلي بما في ذلك مدينة حيفا. لكن هل سيستمر هذا الوضع إذا اقتنعت إسرائيل بأنها نجحت فعلاً بضرب القدرات الصاروخية بعيدة المدى لحزب الله، وهل ستبقى الضاحية الجنوبية في مأمن من الدمار أمام شهية الانتقام الإسرائيلية؟

هل هي مقامرة محسوبة؟

تدعي حكومة بنيامين نتنياهو أن أهدافها من توسيع الحرب على لبنان واضحة وتقتصر على إعادة سكان الشمال النازحين إلى مستوطناتهم نتيجة لقرار حكومي، وفك الارتباط بين حزب الله وغزة. لكن هل تستطيع أن تتحكم في وتيرة وسير الحرب؟ بالإمكان التشكيك في ذلك. أولاً لأن شهية إسرائيل يمكن أن تزيد مع سير العمليات العسكرية، ويمكن أن تتوسع الأهداف تباعاً. كماً لا يمكن إلغاء فرضية أن أهداف الحرب أصلاً أوسع مما أعلن عنه، كما حصل في الماضي في حرب لبنان الأولى (اجتياح بيروت 1982) حين أقرت الحكومة اقتراح وزير الأمن الأسبق آرييل شارون باجتياح لبنان بعمق 40 كيلومتراً، بهدف ضرب قوات حركة فتح هناك، بينما كان هدف شارون من البداية الوصول إلى بيروت واحتلالها. كما لا يمكن أن نتكهن كيف سيكون رد فعل حزب الله وما هي قدراته الحقيقية وأداؤه على أرض المعركة، على الرغم من الضربات الموجعة التي وجهتها إسرائيل له في الأسابيع الأخيرة. وهل ستتحمل الجبهة الداخلية في إسرائيل أثمان الحرب إذا توسعت فعلاً وطاولت المستوطنات الإسرائيلية، وكيف سيكون أداء الجيش الإسرائيلي المنهك من حرب الإبادة على غزة، في حال كان هناك اجتياح بري إسرائيلي؟

على الرغم من الدعم الكبير في المجتمع الإسرائيلي للحرب على لبنان، ومن إجماع الأحزاب الصهيونية، ومن دعم الإدارة الأميركية، والحماس الفائض في المؤسسة العسكرية للحرب، كل هذا لا يلغي كونها مقامرة كبيرة بادرت إليها إسرائيل بهدف تغيير الحالة الاستراتيجية والأمنية لإسرائيل، بعد الإخفاق الكبير في السابع من أكتوبر الماضي. إلا أنه في هذه الحالة، من سيدفع ثمن هذه المقامرة ليس فقط مواطني إسرائيل، بل وبالأساس سكان لبنان من كل المناطق.

المساهمون