قبيل 48 ساعة من الموعد المقرر لجلسة البرلمان العراقي لانتخاب رئيس الجمهورية، والتي يترتب عليها دستورياً تحديد الكتلة الكبرى في البرلمان، وبالتالي تكليف مرشحها بتشكيل الحكومة الجديدة، أعلن "التيار الصدري" بزعامة مقتدى الصدر، تعليق مفاوضات تشكيل الحكومة وعدم حضور جلسة البرلمان المقررة صباح غد الإثنين في بغداد.
تضارب المعلومات حول سبب قرار "التيار الصدري"
وتضاربت المعلومات بشأن هذا القرار المفاجئ. التفسير الأول، ربط القرار بضغوط إيرانية جديدة على القوى الكردية والسنية، وتحذيرها من المضي بتقوية طرف سياسي شيعي على آخر، وعزل "الإطار التنسيقي"، الذي يضم أبرز القوى الحليفة لإيران، ما دفع هذه القوى إلى مطالبة الصدر بمزيد من الوقت للتفاوض والاتفاق.
في المقابل، تحدثت تفسيرات أخرى عن محاولة الصدر تأجيل استحقاق انتخاب رئيس الجمهورية لحين حسم المحكمة الاتحادية طلباً تقدم به أعضاء في "الإطار التنسيقي"، يطعن بصحة ترشيح هوشيار زيباري لرئاسة الجمهورية، بسبب ملفات فساد خلال فترة وجوده في وزارة الداخلية بين عامي 2004 و2014.
ربط البعض القرار بضغوط إيرانية على القوى الكردية والسنية
وأكد رئيس الهيئة السياسية لـ"التيار الصدري"، حسين العذاري، في مؤتمر صحافي في بغداد، أمس السبت، تجميد المفاوضات مع جميع الكتل السياسية بخصوص تشكيل الحكومة الجديدة، ومقاطعة الكتلة الصدرية جلسة البرلمان غداً الإثنين، من دون إيضاح أي تفاصيل أخرى.
وفي حال عدم انعقاد جلسة الغد لانتخاب رئيس للجمهورية، فإنّ العراق سيكون أمام أول خرق دستوري في إطار الأزمة السياسية الحالية، إذ إن آخر مهلة لانتخاب رئيس جديد للبلاد تصادف غداً، بعد مضيّ 30 يوماً على أول جلسة للبرلمان الجديد.
في السياق، قال عضو في "التيار الصدري"، في حديث مع "العربي الجديد"، طالباً عدم الكشف عن اسمه، إنّ "ضغوطاً كبيرة على القوى السياسية الكردية والسنية دفعتها إلى مطالبة الصدر بمرونة أكثر في ما يتعلق بالأزمة مع قوى الإطار التنسيقي، خصوصاً بعد مخاطبة (رئيس تحالف قوى الدولة الوطنية)، عمار الحكيم، القوى السياسية الكردية والسنية أخيراً لتحمل مسؤوليتها تجاه الانشقاق الحالي داخل المكون السياسي الشيعي، والعمل على إنقاذ البلاد من براثن الفتنة".
وأوضح المتحدث نفسه أنّ "القوى السنية والكردية باتت تطرح ضرورة وجود الإطار التنسيقي مع التيار الصدري في حكومة واحدة، ورفضت تحمل اتهامات تقويتها طرفا شيعيا على آخر في الأزمة الحالية".
وتابع: "خطوة الصدر نحو مقاطعة الجلسة وكذلك المفاوضات، هي لإجبار القوى السياسية السنية والكردية على الالتزام بالاتفاقيات التي حصلت بين الأطراف الثلاثة، والتي كان تم على أساسها انتخاب محمد الحلبوسي رئيساً للبرلمان".
وختم بالقول إن "قرار الصدر الحالي ليس قطعياً، ومن الممكن التراجع عنه قبل عقد جلسة البرلمان غداً، إذا ما قدّمت القوى السنية والكردية ضمانات للصدر للمضي نحو حكومة الأغلبية، حتى من دون مشاركة الإطار التنسيقي، والتوقيع مع الكتلة الصدرية على تشكيل الكتلة الكبرى".
حلفاء الصدر يطرحون حكومة واحدة بينه وبين "الإطار التنسيقي"
خلافات بين الصدر والقوى السنية والكردية؟
من جهته، قال القيادي في تحالف "الفتح" المنضوي ضمن "الإطار التنسيقي"، علي الفتلاوي، لـ"العربي الجديد"، إنّ المعلومات المتوفرة لديه تشير إلى "وجود خلافات بين الصدر والأطراف المتحالف معها من الحزب الديمقراطي الكردستاني وتحالف السيادة (مكون من تحالفي تقدم وعزم)، قد يكون سبباً في هذا القرار".
وأضاف الفتلاوي أنّ "الإطار التنسيقي يعمل على التواصل مع التيار الصدري من أجل إكمال المفاوضات التي تهدف إلى تشكيل كتلة كبيرة بين الطرفين، وتشكيل حكومة توافقية تجمع الأطراف الشيعية كافة، من دون تهميش أي طرف مهم في المعادلة السياسية" في إشارة إلى زعيم ائتلاف "دولة القانون" رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي.
وتابع الفتلاوي أنّ "إصرار الصدر على موقف المقاطعة، ربما يدفع القوى السياسية السنية والكردية، للتحالف مع الإطار التنسيقي، بهدف تشكيل الحكومة الجديدة، فلا يمكن بقاء العملية السياسية متوقفة على مقاطعة التيار الصدري. وحتى جلسة البرلمان من الممكن عقدها وتمرير رئيس الجمهورية من دون الكتلة الصدرية".
بدوره، قال عضو ائتلاف "دولة القانون"، جاسم محمد جعفر، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "قرار الصدر جاء بعد حصول تأكيد سياسي سني وكردي على عدم المضي مع التيار الصدري بتشكيل حكومة من دون قوى الإطار التنسيقي، وبسبب وجود ثلث معطل لقوى الإطار ومن معه من حلفاء، بشأن جلسة انتخاب رئيس الجمهورية الجديد".
واعتبر جعفر أن "قرار التيار الصدري أكد عدم وجود قدرة حقيقية لتشكيل حكومة أغلبية من دون توحيد القوى السياسية الشيعية، ولهذا سنعمل على توحيد المواقف السياسية وإكمال التفاوض مع الكتلة الصدرية، لغرض الوصول لاتفاق قبل موعد الجلسة، حتى نمرر الرئيس الجديد بالتوافق ونمنع دخول العراق في فراغ دستوري".
لكنّ القيادي في "الحزب الديمقراطي الكردستاني"، مهدي عبد الكريم، نفى لـ"العربي الجديد"، وجود خلافات أو تراجع للأكراد والسنة عن دعم الصدر.
وقال: "لا توجد أي خلافات بين أطراف التحالف الثلاثي، كما أن قرار الصدر كان مفاجئاً لنا ولا نعلم أسبابه". وتابع: "نريد التواصل مع الصدر خلال الساعات المقبلة، لمعرفة سبب قراره المفاجئ هذا".
الفتلاوي: إصرار الصدر على موقف المقاطعة، ربما يدفع القوى السياسية السنية والكردية للتحالف مع الإطار التنسيقي
مقاطعة جلسة انتخاب رئيس الجمهورية والفراغ الدستوري
"القرار مفاجئ" هو التعبير نفسه الذي كرره أيضاً القيادي في تحالف "السيادة"، الداعم للصدر، مشعان الجبوري. إذ قال في تغريدة على "تويتر"، إنه "بعد قرار التيار المفاجئ بعدم مشاركة كتلته في جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، فإنه من المرجح أن كتلتي السيادة والديمقراطي الكردستاني، لن تحضرا الجلسة، وبذلك لن يتحقق النصاب لها وسندخل في مرحلة فراغ دستوري غير مسبوقة".
في المقابل، قال المحلل السياسي إياد العنبر، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "قرار الصدر يأتي بسبب عدم وجود اتفاق بين أطراف التحالف الثلاثي بشأن الخطوة المقبلة، بعد اختيار الرئيس، وهي تشكيل الحكومة واختيار رئيس للوزراء، عقب تسمية الكتلة الكبرى".
وأوضح أنّ "قرار الصدر يدل على عدم وجود اتفاق مع الطرفين السني والكردي حول المضي في حكومة الأغلبية من دون الإطار التنسيقي. كما أن هذا القرار ربما يكون جاء بسبب الضغوطات الخارجية التي تمارس على الصدر من أجل توحيد المواقف داخل البيت السياسي الشيعي".
وتابع العنبر أنّ "قرار الصدر، ليس قطعيا بكل تأكيد، وربما يتم التراجع عنه، إذا ما تم الاتفاق داخل التحالف الثلاثي على التوجه نحو حكومة الأغلبية، حتى وإن لم تشارك قوى الإطار التنسيقي في الحكومة المقبلة".