مفاوضات فيينا: التفاؤل باتفاق لم يدم ساعات وعودة التشكيك بالنيّات

14 مايو 2022
دفعة مؤقتة منحتها زيارة مورا لمفاوضات فيينا قبل أن يسود الشك (Getty)
+ الخط -

بعدما بدا أنّ زيارة نائب مسؤول السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي إنريكي مورا طهران أعادت تحريك المياه الراكدة في مفاوضات فيينا بشأن الاتفاق النووي، بدأت ترد تصريحات إيرانية وأخرى أوروبية وأميركية تؤكد استمرار الخلافات ورمي كل طرف الكرة في ملعب الآخر والتشكيك بنيّاته. 

وبعد تصريحات "إيجابية" لوزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبداللهيان ومسؤول السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، والخارجية الألمانية، خرجت تصريحات أخرى من العاصمتين طهران وواشنطن باعتبارهما الطرفين الرئيسيين بمفاوضات فيينا، تؤكد أنّ الطريق ليس سالكاً بعد أمام المفاوضين للوصول إلى اتفاق، وأنّ الخلافات الأساسية ما زالت باقية.  

وفي الإطار، كرر أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني المكلّف بإدارة المفاوضات، علي شمخاني، مساء الجمعة، موقف بلاده القديم الحديث بشأن مفاوضات فيينا، قائلاً إنها "وصلت إلى مرحلة تفتح عقدتها فقط من خلال التزام الطرف المخطئ بالحلول المنطقية والأساسية لإيران". 

وأضاف شمخاني، في تغريدة على "تويتر"، أنّ "أميركا بنكثها العهد وأوروبا بتقاعسها قد دمرتا فرصة الاستفادة من حسن نوايا إيران المجربة"، مشدداً على أنه "إذا كانت لديهم إرادة (للاتفاق النووي) فنحن مستعدون والاتفاق في متناول اليد". 

وعلى الضفة الأميركية، رمى البيت الأبيض، من جانبه، الكرة في الملعب الإيراني، حيث اتهمت المتحدثة باسمه جين ساكي، الجمعة، في آخر مؤتمر صحافي، إيران بأنها "أكبر عقبة أمام تقدم المفاوضات".  

وأضافت أنّ "على إيران أن تقرر ما إذا كانت تريد الاستمرار في هذه الظروف خارج الاتفاق النووي أو أنها مستعدة للتوقيع على اتفاق"، مؤكدة أنّ هذا الاتفاق يحقق مصالح جميع الأطراف. 

وفيما رفعت زيارة مورا لطهران وتصريحات مفوض السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، سقف التفاؤل بعد تشاؤم مستمر لشهرين خيّم على الوضع المرتبط بمفاوضات فيينا، قالت الخارجية الأميركية، الجمعة، إنها تقدر جهود الاتحاد الأوروبي لإحياء محادثات بشأن إنقاذ الاتفاق النووي الإيراني الموقع في 2015، لكنها قالت إنه لم يتم التوصل لاتفاق بعد وليس هناك يقين بإمكانية حدوث ذلك.

وقال متحدث باسم الخارجية طلب عدم ذكر اسمه، وفق ما أوردته "رويترز": "حتى هذه اللحظة، يظل التوصل لاتفاق أبعد ما يكون عن اليقين. تحتاج إيران لتقرر ما إذا كانت تصر على شروط خارجية، وما إذا كانت تريد إبرام اتفاق بسرعة، وهو أمر نعتقد أنه سيخدم مصلحة كل الأطراف. نحن وشركاؤنا مستعدون وكنا كذلك منذ فترة. الأمر الآن يعود لإيران".

إلى ذلك، نقل مراسل صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية، لورنس نورمن، في تغريدتين عن "دبلوماسي كبير" في الاتحاد الأوروبي، قوله: "ما زلنا نواجه عقبات صعبة في الطريق للتوصل إلى اتفاق، لكن الحوار الجيد والصريح والمطول مع الجانب الإيراني أظهر أنهم ملتزمون وطبعاً الأميركيين". 

وأضاف المصدر الأوروبي، في الوقت ذاته، أنه "لا تزال هناك طريقة للتغلب على المشاكل. وهذا ما سنعمل عليه".

روسيا لا تتوقع "حواراً مثمراً"

في الأثناء، كانت للمندوب الروسي في مفاوضات فيينا، ميخائيل أوليانوف، تغريدة ملفتة للنظر، حيث قال إنه "في ظل ظروف مختلفة ربما كان بإمكان روسيا أن تقدم مساعيها الحميدة للجانبين (الأميركي والإيراني) لوضع اللمسات الأخيرة على اتفاق بشأن خطة العمل الشاملة المشتركة. لكن الآن لا". 

ويأتي هذا التصريح الروسي في ظل اتهامات لموسكو بعرقلة التوصل لاتفاق لإحياء الاتفاق النووي، بعد التطورات الجديدة نتيجة الحرب في أوكرانيا والأزمة المتصاعدة بين الغرب وروسيا التي تنفي صحة تلك الاتهامات. 

وفي تغريدة أخرى لأوليانوف، في سجال مع مراسل "وول ستريت جورنال" لورنس نورمن، قال المندوب الروسي إنّه لا يمكن توقع "حوار مثمر" بشأن الاتفاق النووي مع الولايات المتحدة التي قال إنها دخلت في حرب ضد روسيا بالوكالة.

هذا وصدرت التصريحات الجديدة الإيرانية والأميركية والأوروبية، التي تشي بصعوبة التوصل إلى اتفاق، أقله في وقت سريع مع استمرار العقبات، بعد تصريحات إيجابية خرجت صباح الجمعة من الجانبين الإيراني والأوروبي. 

وكان وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان قد قال، في وقت سابق الجمعة، تعقيبا على زيارة مورا لطهران، خلال الأيام الثلاثة الأخيرة، إنّ هذه الزيارة شكّلت "فرصة جديدة للتركيز على مبادرات لحل المواضيع المتبقية" بالمفاوضات.

وأضاف أمير عبد اللهيان، في تغريدة له على "تويتر"، أنّ "الاتفاق الجيد والجدير بالثقة في متناول اليد إذا اتخذت أميركا قرارها السياسي والتزمت بتعهداتها"، فيما أكد أنّ "المشاورات مستمرة". 

وكانت تصريحات أمير عبداللهيان تعقيباً سريعاً على تصريحات "إيجابية" لوزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، الجمعة، تحدث فيها عن أنّ زيارة نائبه لطهران أعادت "فتح" المفاوضات بشأن إحياء الاتفاق النووي التي تشهد حالة من الجمود منذ فترة. وقال بوريل من فانغلز شمالي ألمانيا، حيث يشارك في اجتماع وزراء خارجية مجموعة السبع: "المفاوضات كانت متوقفة وأعيد فتحها". 

وأضاف بوريل أنّ مباحثات مورا في طهران أحرزت "تقدماً كافياً" لاستئناف مفاوضات فيينا، من دون الإعلان عن موعد، وفق وكالة رويترز. 

وفي سياق متصل، قالت متحدثة باسم وزارة الخارجية الألمانية، الجمعة، إنّ برلين تتوقع الانتهاء سريعاً من المحادثات النووية الإيرانية. 

وأوضحت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الألمانية، في إفادة صحافية دورية في برلين، أنّ "هناك اقتراحاً مطروحاً على الطاولة هو منصف جداً لجميع الأطراف". وأضافت: "بالطبع نتوقع أن تكف إيران عن المطالب التي تتجاوز خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي) وأن تنتهي المحادثات سريعاً"، وفق ما نقلته "رويترز". 

وزير الخارجية القطري يجري اتصالين ببوريل والمبعوث الأميركي الخاص لإيران

في الإطار ذاته، أجرى نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، الجمعة، اتصالاً هاتفياً بالمبعوث الأميركي الخاص لإيران روبرت مالي.

جرت خلال الاتصال، بحسب وكالة الأنباء القطرية "قنا"، مناقشة العلاقات الثنائية بين البلدين ومستجدات محادثات الاتفاق النووي، بالإضافة إلى عدد من الموضوعات ذات الاهتمام المشترك.

كما أجرى وزير الخارجية القطري، الجمعة، اتصالاً هاتفياً آخر ببوريل، جرت خلاله مناقشة العلاقات بين دولة قطر والاتحاد الأوروبي، إلى جانب مستجدات محادثات الاتفاق النووي وعدد من الموضوعات ذات الاهتمام المشترك، وفق "قنا".

وانطلقت مفاوضات فيينا النووية غير المباشرة بين طهران وواشنطن بواسطة أطراف الاتفاق النووي خلال إبريل/نيسان 2021، وجرت 8 جولات تفاوضية قبل أن تتوقف المفاوضات في 11 مارس/آذار الماضي، لكنها استمرت بشكل غير مباشر بين طهران وواشنطن في العواصم، عبر منسقها إنريكي مورا الذي تبادلَ الرسائل بين الطرفين، فضلاً عن نقل أطراف إقليمية أيضاً هذه الرسائل بينهما. لكن مساعي مورا وهذه الأطراف لم تتكلل بالنجاح بعد في إزالة العقبات الباقية لتوصل الطرفين إلى اتفاق. 

يُشار إلى أن موضوع رفع "الحرس الثوري" الإيراني من قائمة الإرهاب الأميركية يعتبر أهم قضية عالقة أمام مفاوضات فيينا للتوصل إلى اتفاق. وظلت طهران تكرر أن ذلك من خطوطها الحمراء، ولن تتنازل عنه، مع حديثها عن وجود قضايا عالقة أخرى. وفي الجانب الآخر، ظلت الولايات المتحدة الأميركية ترفض التجاوب مع هذا الطلب الإيراني، مؤكدة أنها ستبقي العقوبات على الحرس ومؤسساته. لكنها أبدت قبل أكثر من شهر استعدادا غير رسمي لرفع الحرس من قائمة "الإرهاب"، مع إبقاء "فيلق القدس" الذراع الخارجية للحرس على القائمة، فضلا عن بقاء شركات أخرى على قائمة العقوبات، وفق ما كشف عنه "العربي الجديد" نقلا عن مصادره المطلعة. 

وفي هذا السياق، قال بوريل، في مقابلة مع صحيفة "فايننشال تايمز"، قبيل توجه موار إلى إيران إنه بصدد طرح حل وسط بشأن تصنيف الحرس الثوري الإيراني منظمةً إرهابية.  

وشرح أن مبادرته تقترح رفع صفة "الإرهاب" عن الحرس الثوري، على أن يبقى هذا التصنيف لمركّبات أخرى من المنظمة التي لديها عدة أذرع أمنية وإمبراطورية استثمارات واسعة. 

المساهمون