استمع إلى الملخص
- التحديات السياسية والميدانية تشمل الحاجة إلى قرار سياسي إسرائيلي، ورفض حماس تقديم كشف بأسماء الأسرى الأحياء، مما يعقد المفاوضات، مع مخاوف من انهيارها بسبب التطورات العسكرية.
- العوامل الدولية والإقليمية تؤثر على المفاوضات، حيث يسعى المجتمع الدولي لإنهاء الحرب، لكن التحديات تتطلب تنازلات متبادلة، قد تكون أكبر من الجانب الفلسطيني.
شهدت الأسابيع الماضية حراكاً متصاعداً قام به الوسطاء
حماس قالت إن الاحتلال وضع قضايا وشروطاً جديدة
يتابع الفلسطينيون باهتمام بالغ المفاوضات أملاً في الوصول إلى صفقة
عاد التراشق الإعلامي وتبادل الاتهامات من جديد بين حركة حماس والاحتلال الإسرائيلي بشأن مفاوضات غزة وصفقة تبادل الأسرى وإنهاء حرب الإبادة المتواصلة على القطاع للعام الثاني على التوالي، بشأن المسؤولية عن تعطيل الوصول إلى اتفاق. وشهدت الأسابيع الماضية حراكاً متصاعداً قام به الوسطاء القطريون والمصريون بحضور أميركي فاعل للوصول إلى اتفاق وصفقة تضع حدّاً للحرب التي أوشكت على دخول شهرها السادس عشر على التوالي.
تفاؤل ثم تشاؤم في مفاوضات غزة
وسيطرت خلال تلك الفترة حالة من التفاؤل، حيث ظهرت في تصريحات لحركة حماس التي قالت في بيان أصدرته بتاريخ 17 ديسمبر/كانون الأول الحالي، إن التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة وتبادل الأسرى ممكن "إذا توقف الاحتلال عن وضع شروط جديدة". في المقابل، فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تحدث في جلسة استماع له أمام الكنيست الإسرائيلي في 23 ديسمبر، عن وجود تقدم في مفاوضات الصفقة وإمكانية الوصول إلى اتفاق. في الوقت نفسه، فإن الوسطاء، وتحديداً الطرف الأميركي، كانوا يتحدثون باستمرار على لسان ممثلي الإدارة الأميركية عن وجود تقدم ملموس وحقيقي.
ساري عرابي: نتنياهو يرى أن المزيد من المرونة من طرف المقاومة يستدعي المزيد من الضغط العسكري وليس الوصول إلى صفقة
غير أن التراجع الأولي في المشهد، بدأ الأربعاء الماضي في 25 ديسمبر، حين أصدرت حركة حماس بياناً، قالت فيه إن مفاوضات وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى تسير في الدوحة بالوساطة القطرية والمصرية بشكل جدّي، وقد أبدت الحركة المسؤولية والمرونة، غير أن الاحتلال وضع قضايا وشروطاً جديدة تتعلق بالانسحاب ووقف إطلاق النار والأسرى وعودة النازحين، ما أجّل التوصل إلى الاتفاق الذي كان متاحاً".
وردّ نتنياهو في اليوم التالي باتهام الحركة بتعطيل الوصول إلى اتفاق وعرقلة ذلك بوضع شروط جديدة والتراجع عن التفاهمات التي جرت عبر الوسطاء المصريين والقطريين والطرف الأميركي، ليعود من جديد شبح التشاؤم بتأجيل الوصول إلى صفقة قبل وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض من جديد في 20 يناير/كانون الثاني المقبل. كذلك، نفى مكتب نتنياهو، مساء أول من أمس السبت، تقريراً عن احتمالية إبرام "صفقة محدودة" في بادرة حسن نيّة قبل تنصيب ترامب، وذلك بعدما كانت القناة 12 الإسرائيلية قد ذكرت أن إسرائيل و"حماس" مهتمتان بالوصول إلى "اتفاق محدود تزامناً مع تنصيب ترامب".
مع الإشارة إلى أن رئيس مجلس الوزراء، وزير الخارجية القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، بحث في الدوحة السبت، مع وفد من "حماس" برئاسة خليل الحية، آخر مستجدات مفاوضات وقف إطلاق النار في قطاع غزة، و"سبل دفعها إلى الإمام، بما يضمن الوصول إلى اتفاق واضح وشامل يضع حداً للحرب المستمرة في القطاع"، وفق وكالة الأنباء القطرية "قنا".
ويتابع الفلسطينيون باهتمام بالغ مفاوضات التبادل، أملاً في الوصول إلى صفقة تنهي الحرب وتسمح لنحو مليوني نازح بالعودة إلى مناطق سكنهم التي تعرضت لتدمير شبه كامل، ولا سيما في مناطق مدينة غزة وشمال القطاع ومدينة رفح. وتسيطر حالة من القلق والخشية لدى الفلسطينيين من انهيار مفاوضات التبادل وسط التطورات الميدانية الأخيرة التي شهدت إخلاء مستشفى كمال عدوان في بيت لاهيا شماليّ القطاع، وتوغلاً برياً في مدينة بيت حانون من قبل قوات الاحتلال في امتداد للعملية العسكرية المتواصلة للشهر الرابع على التوالي، شماليّ غزة. وتعززت هذه الحالة بعد التصريحات التي أدلى بها القيادي في حركة حماس، أسامة حمدان، برفض الاحتلال للاقتراحات التي قدمتها الحركة بشأن الانسحاب الكامل من القطاع والوصول إلى صفقة تبادل شاملة. وتضع "حماس" منذ بداية الحرب عدة شروط، أبرزها وقف إطلاق النار بشكل كامل، وعودة النازحين والانسحاب الإسرائيلي الشامل والوصول إلى صفقة "مشرفة".
ترفض حماس إعطاء كشف بأسماء الأسرى الأحياء لأسباب فنية متعلقة بالتواصل مع المجموعات الآسرة وتفادي أي محاولة غدر إسرائيلية
قرار سياسي مفقود في تل أبيب
يقول الكاتب والباحث في الشأن السياسي ساري عرابي، إن سبب العودة إلى التراشق في مفاوضات غزة بعد تقدم نسبي وتفاوض جدية، هو ما قاله الإسرائيليون أنفسهم إن القضية تحتاج قراراً سياسياً إسرائيلياً. ويضيف عرابي في حديث لـ"العربي الجديد"، أن نتنياهو يرفض أن يعطي القرار بالمضيّ في هذه الصفقة وفق البنود التي جرت بلورتها والاتفاق عليها بين مختلف الأطراف، بما في ذلك مع الوفد الأمني الإسرائيلي، وليس أدل على ذلك أن نتنياهو نفسه في الآونة الأخيرة اتهم بعض أعضاء الوفد بأنهم أقرب إلى "حماس" منهم إلى الاحتلال.
ويشير الباحث في الشأن السياسي إلى أن المشكلة في الاحتلال الذي يعتقد أن بإمكانه أن يشتري في مفاوضات غزة المزيد من الوقت، وأن يقتل بشكل أكبر ويدمر بشكل أعنف وينتزع إنجازات ويكرسها من خلال شراء الوقت. ويضيف أن نتنياهو يرى أن المزيد من المرونة من طرف المقاومة الفلسطينية يستدعي المزيد من الضغط العسكري وليس الوصول إلى صفقة كما حصل في يوليو/تموز الماضي، حينما قبلت "حماس" العرض المقدم ورفضه نتنياهو، ورأى أن استمرار الضغط العسكري سيدفع الحركة إلى تقديم المزيد من التنازلات.
ويعرب عرابي عن اعتقاده بأن ملف مفاوضات غزة أشبه بالحلقة الدائرية "الجهنمية"، فكلما أبدت قيادة المقاومة تنازلات استغل ذلك نتنياهو للمزيد من الضغط العسكري بذريعة أن الضغط هو الذي يدفعها إلى تقديم المزيد من التنازلات. في المقابل، يرى أن حركة حماس ليست متعنتة بموضوع الأسرى وأسمائهم على وجه التحديد، وكل ما يهمها وقف الحرب ووجود ضمانات حقيقية لوقف الحرب ووقف سياسات الإبادة الجماعية على الفلسطينيين داخل قطاع غزة. ويضيف أنه على الرغم من حالة التراشق القائمة حالياً، فإن فرص الوصول إلى اتفاق تبقى قائمة، ولا سيما أن المناخ الدولي يبحث عن ذلك بالذات مع انتهاء الحرب في لبنان ووصول ترامب إلى البيت الأبيض والضغط الداخلي للقبول بصفقة شاملة تنهي الحرب وتستعيد جميع الأسرى من غزة.
ناجي شراب: يجب التفريق بين الهدنة وانتهاء الحرب
وبحسب التقديرات الإسرائيلية، فإن هناك 100 أسير إسرائيلي لدى حركة حماس، منهم نحو 60 أسيراً على قيد الحياة، حيث تطالب إسرائيل المقاومة بتقديم كشف مسبق بأسمائهم قبل استكمال المفاوضات، وهو ما ترفضه الأخيرة لأسباب فنية متعلقة بالتواصل مع المجموعات الآسرة وتفادي أي محاولة غدر إسرائيلية.
من جانبه، يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر في غزة، ناجي شراب، لـ"العربي الجديد"، إن مفاوضات غزة لم تنته بعد، حتى وإن مرت في ظروف تعطلت فيها، حيث يرى الطرف الإسرائيلي نفسه في ظروف تفاوضية يمكن أن تحقق له أكبر قدر من المكاسب. ويضيف أنه يجب التفريق بين الهدنة وانتهاء الحرب، فالهدنة قد تكون تبادل أسرى ووقفاً للعمليات العسكرية فترة من الزمن، أما انتهاء الحرب فهو في المنظور الإسرائيلي غزة بلا "حماس" ودون مقاومة وأسلحة وأذرع عسكرية.
ويوضح أستاذ العلوم السياسية أن تحقيق هذا الأمر يتطلب ثمناً سياسياً كبيراً للغاية، بالإضافة إلى بعد آخر يراه نتنياهو، هو وصول ترامب إلى الحكم الذي يريد التركيز على القضايا الداخلية، غير أن الاحتلال الإسرائيلي يُعتبر قضية داخلية بالنسبة إلى الأميركيين، وهو ما حصل في الوعود الانتخابية التي أدلى بها ترامب خلال الدعاية الانتخابية. ويلفت إلى أن ترامب يريد انتهاء هذه الحرب بما يحقق للاحتلال الإسرائيلي أهدافه، ولا سيما في ما يتعلق بالتوسع في الضفة الغربية، لكن مع غلق ملف غزة الذي سيؤدي بحال غلقه بالطريقة الإسرائيلية إلى غلق كامل ملف القضية الفلسطينية. ووفقاً لشراب، فإن الحرب ستقف، والمفاوضات ستصل إلى نهايتها، غير أن هناك متغيرات خارجية تلعب دوراً في المشهد حالياً، ولا سيما وصول ترامب والمشهد في سورية وملف الحرب الروسية ـ الأوكرانية، التي ستدفع إلى تقديم تنازلات متبادلة، وإن كانت ستكون بشكل أكبر في الطرف الفلسطيني، لكنها لن تصل إلى حد الاستسلام.