استمع إلى الملخص
- **تباين الآراء حول مفاوضات سويسرا:** رحبت قوات الدعم السريع وتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية بالدعوة، بينما لم يصدر الجيش السوداني موقفًا. يرى بعض المحللين أن الدعوة تمثل خطوة جادة من الولايات المتحدة لتحقيق اختراق في جبهة وقف الحرب.
- **التحديات والفرص في المفاوضات:** قد تنجح المفاوضات إذا تم إشراك جميع الأطراف المتقاتلة. يشدد البعض على عدم الاعتراف بمليشيا الدعم السريع كطرف موازٍ للدولة، بينما يرى آخرون أن الوساطة الأميركية قد تضغط لتحقيق وقف شامل لإطلاق النار، رغم التحديات الكبيرة.
مثلت الدعوة الأميركية إلى مفاوضات سويسرا بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، ضوءاً آخر في نفق الحرب الدموية التي يعاني ويلاتها المدنيون منذ أكثر من عام وثلاثة أشهر. ودعا وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الثلاثاء، كلا من الجيش ومليشيا الدعم السريع للمشاركة في محادثات لوقف إطلاق النار تبدأ في 14 أغسطس/آب في سويسرا، على أن تتشارك السعودية وسويسرا في استضافة جولات التفاوض التي تناقش وقف القتال وتمكين وصول المساعدات الإنسانية إلى جميع المحتاجين. فيما ستشارك كل من مصر والإمارات والاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة في المفاوضات بصفة مراقب.
ومنذ اندلاع الحرب في السودان بين الجيش وقوات الدعم، العام الماضي، تدخل عدد من الدول والمنظمات الدولية للتوسط بين الطرفين لإنهاء الحرب. أبرز تلك المحاولات بدأت بعد أسابيع من اندلاع القتال حيث توسطت كل من السعودية والولايات المتحدة وأفلحتا في جمع الطرفين في منبر تفاوضي بمدينة جدة حقق تقدما في البداية بتوقيع عدد من الوثائق لهدن مؤقتة واتفاق لحماية المدنيين وتسهيل عبور المساعدات الإنسانية، لكن المفاوضات تعثرت منذ نهاية العام وفشل الطرفان في العودة لطاولة التفاوض مرة أخرى، مثلما أخفقت الهيئة الأفريقية الحكومية للتنمية "إيكاد" في عقد لقاء بين قائد الجيش الجنرال عبد الفتاح البرهان وقائد الدعم السريع الجنرال محمد حمدان دقلو، كما فشلت محاولات عدة للاتحاد الأفريقي في تقريب وجهات النظر، بينما نجحت مفاوضات سرية في يناير/كانون الثاني الماضي بالعاصمة البحرينية المنامة، في إحداث اختراق من خلال توقيع الطرفين على اتفاق بالأحرف الأولى سرعان ما تجمد عقب انكشاف أمره. والأسبوع الماضي أخفقت مفاوضات برعاية الأمم المتحدة جرت في سويسرا في الوصول لاتفاق إنساني.
وزادت كل تلك الإخفاقات من إحباطات مناهضي الحرب خصوصا المتضررين بمن فيهم ملايين النازحيين واللاجئين بدول الجوار. وتسببت حرب السودان منذ اندلاعها في مقتل ما يزيد عن 15 ألف مدني، ونزوح ولجوء ما يقارب عشرة آلاف شخص، وتدمير واسع في البنى التحتية والخدمات الصحية والتعليمية، كما يهدد استمرارها ما يزيد عن عشرين مليون سوداني بالمجاعة ونقص الغذاء الحاد، طبقا لمنظمات دولية.
تفاؤل وتشاؤم حيال مفاوضات سويسرا
وبين الترحيب والترحيب الحذر والمشروط، والرفض، تباينت الآراء والمواقف ودرجات التفاؤل والتشاؤم في أوساط القوى السياسية والمراقبين حول الدعوة الأميركية الأخيرة إلى مفاوضات سويسرا. وفيما قبلت قوات الدعم السريع، وسارعت بالترحيب بالدعوة، لا يزال الجيش السوداني صامتا عن الإدلاء بأي موقف حتى صبيحة الخميس.
تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية، رحبت أيضا بالدعوة الأميركية إلى مفاوضات سويسرا، وتطلعت لتحقيق المباحثات غايتها بوقف عاجل لإطلاق النار وطريق يجنب البلاد شبح الانهيار الشامل. وقال القيادي بالتنسيقية والعضو السابق بمجلس السيادة محمد الفكي سليمان لـ"العربي الجديد"، إن المبادرة الأميركية تأتي بعد عدة جولات تفاوض أصبحت فيها القضايا محددة وواضحة. وأضاف أن الوضع الانساني في السودان يقرع ناقوسا في آذان العالم إذ إن عدد النازحين واللاجئين في السودان يمثل 70% من عددهم في العالم بأكمله. وأشار سليمان إلى أن انزلاق بلد بهذه الأهمية نحو التفكك الذي أصبح قريبا جدا يهدد أمن الإقليم بأكمله، حسب تقديره.
وأضاف سليمان أن المبادرة لا تقرأ من تحرك الرؤساء الأفارقة ومنظمات أفريقية عديدة في جولات دبلوماسية في المحيط الأفريقي والعربي "كلها تمهد لأن تكون هذه المحادثات مختلفة عن سابقاتها".
من جهته، يرى أستاذ العلوم السياسية بعدد من الجامعات السودانية، بروفيسور منزول عسل، أن الدعوة الأميركية هذه المرة هى الخطوة الأكثر جدية للولايات المتحدة في التعاطي مع الحرب السودانية منذ اندلاعها العام الماضي.
وأوضح عسل لـ"العربي الجديد"، أن النظر للمبادرة الأميركية يجب أن يكون من زاويتين، الأولى هي حرص الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة على تحقيق نجاح على الصعيد الخارجي قبل خوض الانتخابات الرئاسية المقبلة، مبينا أن السودان يمثل واحداً من المنصات الخارجية التي تستهدفها الإدارة الأميركية لإحداث اختراق في جبهة وقف الحرب، أما الزاوية الثانية، كما يقول البروفيسور، فتتمثل بخطورة استمرار الحرب السودانية على دول الجوار، وحلفاء أميركا في المنطقة، منبها إلى أن زيارة وزير الدولة القطري للشؤون الخارجية سلطان بن سعد المريخي إلى السودان، أمس الأربعاء، ليست ببعيدة عن موضوع الدعوة الأميركية إلى مفاوضات سويسرا. وأشار عسل إلى أن استجابة الدعم السريع للدعوة أحرجت الحكومة السودانية، معتبراً أن تأخر رد الأخيرة "لن يكون في صالحها".
وأضاف أستاذ العلوم السياسية أن جولة المفاوضات المرتقبة تمتلك أسباباً عديدة للنجاح أهمها الرعاية والوساطة الأميركيتان، لا سيما إذا صدقت المعلومات عن ترؤس بلينكن للوساطة بنفسه، وكذلك وجود أطراف دولية أخرى بصفة مراقب. ورجح أن التفاوض لن يكون سهلاً "لأن الموضوعات معقدة جدا، وكلما استطالت الحرب ازداد التعقيد وتصلبت مواقف الأطراف".
من جانبه، أشار القيادي بالكتلة الديمقراطية، مبارك أردول، إلى أهمية قبول الدعوة المقدمة من الخارجية الأميركية للتفاوض في جنيف، حول المسارين الأمني والإنساني فقط. ورأى أن تلبية الدعوة فرصة لا ينبغي تضييعها تحت أي مبررات، "لأن الأجندة المطلوبة في مسار التفاوض الأمني واضحة ومعروفة".
وأضاف في منشور له على "فيسبوك"، أن الوصول لوقف إطلاق نار شامل يتطلب إشراك جميع الأطراف المتقاتلة في الميدان "لأن الحرب حاليا ليست بين الجيش والدعم السريع وحدهما، فهنالك حركات أيضا تخوض الحرب من نواحي متعددة". وقال: "ينبغي على الوسيط الأميركي أن يوصل جميع هذه البنادق لطاولة التفاوض، وفي مرحلة ما يحتاج أن يوائمها مع اتفاقية جوبا أيضا الموقعة بين الحكومة وحركات مسلحة". وشدد أردول على أن إسكات جميع البنادق وللأبد في منبر تفاوضي سيؤسس لإجراءات سياسية جديدة ومختلفة عن سابقاتها.
من جانبه، قال محمد أبو زيد كروم، رئيس حزب منبر السلام العادل، إن مفاوضات سويسرا المقبلة ستنجح في حدود ما ترغب به أميركا. وأضاف أن واشنطن لم تضغط من قبل في اتجاه تنفيذ اتفاق جدة، وعادت بعد عام وأشهر لتبني موقف "من الواضح أنه جاد لمعالجة أزمة السودان، ربما لكي يدخل الديمقراطيون للانتخابات دون حمولة أزمة السودان".
وذكر كروم لـ"العربي الجديد"، أن أي جهود مبنية على اتفاق منبر جدة مرحب بها دون أن تفرز اعترافا دولياً بمليشيا الدعم السريع طرفا موازيا للدولة والجيش، ودون فتح منابر دولية جديدة، خاصة وأن المليشيا لا تزال تمارس انتهاكاتها بشكل يومي ومتزايد وتدفع في اتجاه زيادة معاناة المواطنين، وفق قوله. واعتبر أن الولايات المتحدة تستطيع الضغط على دولة الإمارات لكى تضغط هي على المليشيا لأن "أيادي المعركة وقرارها المعركة من الخارج". وأوضح أن "الجيش التزم بمقررات جدة.. ولبى دعوة لقاء جيبوتي.. وحاليا موقفه قوي ومسنود شعبيا وله المشروعية الكاملة في الدفاع عن البلاد".
إلى ذلك، قال فتح الرحمن فضيل، رئيس حزب بناة المستقبل، إن أي دعوة لإيقاف الحرب من الواجب أن تكون محل ترحيب، مشيرا إلى أن محادثات جنيف لا يمكن مقارنتها إلا بمنبر جدة، "حيث لا قيمة لمنبري القاهرة وأديس أبابا، لأن منبر جدة هو المنبر الوحيد الذي يتميز بالجدية وكانت لديه فرص أكثر للنجاح كونه استمد قوته من قوة الوسطاء"، مبديا استغرابه في حديث لـ"العربي الجديد"، من الدعوة الأميركية رغم وجود منبر جدة، ما قد يشكل إحراجا للسعودية. وحث الجيش على التمسك بمنبر جدة بما فيه من اتفاقيات لصالحه وصالح الدولة السودانية، وتوقع أن تكون مفاوضات سويسرا لصالح الدعم السريع، "حيث يتم تصفير العداد التفاوضي لتبدأ الأطراف من جديد".