من المقرر أن تبدأ بعد أيام مرحلة انتخابات التصفية الحزبية بين المرشحين للرئاسة والتي تستمر لعدة أشهر، إذ يفتتحها الجمهوريون في 15 الجاري ويتبعهم الديمقراطيون في 23 منه، فيما يتوجه الأميركيون بعد 300 يوم إلى صناديق الاقتراع لاختيار رئيسهم.
وتأتي هذه الانتخابات محكومة بظروف تجعلها "مسألة اختبار وليس فقط عملية اختيار"، ومن المرجح إن لم يكن شبه المؤكد أن التصفية محسومة لمصلحة بايدن وترامب. ومثل هذه المنافسة تستحضر انتخابات 2020 وأحداثها المعروفة وأخطرها اقتحام مبنى الكونغرس في 6 يناير/ كانون الثاني 2021.
على خلفية ذلك، هناك خشية كبيرة من أن تكون هذه الانتخابات مشروع أزمة مكررة بنسخة أكبر وأخطر، سواء فاز ترامب أم فشل، إذ لو عاد إلى البيت الأبيض فإن رئاسته ستكون موزعة بين "الانتقام" من خصومه كما توعد علناً، وبين ممارسة الحكم كـ"ديكتاتور على الأقل في اليوم الأول" (القابل ضمناً للتمديد)، كما قال أخيرا، ولو خسر فإنه لا بد وأن يكرر سيناريو 2020 ويرفض التسليم بالنتائج مع توظيف أوسع وأخطر لثقافة العنف المتنامية في أميركا.
في الحالتين، هناك اختبار صعب ونوع من التحدي الذي ينطوي على مضاعفات بعيدة المدى، خاصة وأن الانقسام السياسي عميق وفي ظل معاناة الديمقراطية الأميركية من "التآكل" الذي يفاقمه "ضمور الثقة" العامة بالمؤسسات وعلى رأسها الكونغرس. وفي مثل هذه الأجواء تنتعش الاستباحات بما فيها التي على شاكلة غزوة الكونغرس قبل ثلاث سنوات والتي ما زالت الخشية قائمة من احتمال تكرارها أو القيام بما يشابهها.
ولا تنعكس هذه المخاوف في المداولات الليبرالية في الإعلام ومراكز الأبحاث، بل أيضا في صفوف المؤرخين والأكاديميين مثل دوغلاس برينكلي أستاذ التاريخ في جامعة رايس، وتيموثي سنايدر في جامعة يال، ولورانس ترايب أستاذ القانون الدستوري في جامعة هارفارد، فضلا عن تحذيرات الجهات الأمنية مثل "أف بي آي" من تزايد التطرف السياسي في أوساط اليمين المتأثر بخطاب الرئيس ترامب الذي لجأ إلى تصعيده في الآونة الأخيرة مع بدء تداخل حملته الانتخابية مع مشكلاته القانونية في المحاكم.
ورغم التحذيرات من شبح "الفاشية" ومن إشادة ترامب بيوم 6 يناير 2021 باعتباره ممارسة "وطنية"، إلا أن رصيد الرئيس السابق لم يتأثر حتى الآن وما زال في طليعة المرشحين الجمهوريين وبفارق واسع ومتقدما على بايدن بحوالي 4 نقاط.
ووفق مختلف الاستطلاعات، فإن ترامب سيفوز بالرئاسة لو جرت الانتخابات الآن، فيما تتوفر للرئيس بايدن أهم إن لم تكن كل الشروط المحلية لتأييده بما في ذلك البطالة وكذلك التضخم في أدنى الحدود وأيضا أسعار الطاقة في الوقت الحالي، مع ذلك تعذر عليه الإقلاع منذ مطلع الصيف الماضي وما زال، وكأن هناك استعصاء في وضعه يجري ربطه إجمالا بأدائه وبتقدمه غير المسبوق في السن وبما يتعذر تسويقه.
ويثير الوضع الحالي لبايدن قلق المعنيين في حزبه، إذ إن عدم تزحزح وضعه يعزز احتمالات فوز ترامب كبديل أمر واقع، مع ما يترتب على ذلك من تغييرات وانقلابات في التوجهات والسياسات، يقول المتخوفون إنها ستغير وجه ودور وأوضاع أميركا لسنوات إن لم يكن إلى غير رجعة، مع أن السوابق لا تدعم مثل هذه القراءة.
وفي هذا السياق، لم يضمن تقدم هيلاري كلينتون المبكر في انتخابات 2016، فوزها على ترامب الذي حسم المعركة لمصلحته في الأسابيع الأخيرة، لكن المعطيات في الوقت الحاضر مختلفة. بايدن مضت على رئاسته 3 سنوات كانت مردوداتها المحلية جيدة ومقبولة في أقلها، ومن المفترض أن تجعل طريقه سالكة إلى التجديد، خاصة ضد منافس لا تذكر إنجازاته إن وجدت.
ومن هنا يأتي سبب التهيب لاحتمالات المعركة ولشبح عودة ترامب وما يرافقها من قرع جرس الإنذار بقدوم الفاشية التي يتزايد التحذير عن زحفها إلى الساحة الأميركية، حسب الأستاذ في جامعة يال، جاسن ستانلي في كتابه عن "كيفية تسلل الفاشية".
وفيما يلفت بعض قارئي الخرائط الانتخابية إلى عدم الاستعجال والتروي قبل الحديث عن الانسداد في حملة الرئيس، ذهب البعض إلى حد التكهن "بانسحاب بايدن من المعركة في مارس المقبل أو بعده بقليل لدواعٍ صحية"، كما يقول مايكل كمبالاست، المخطط الاستراتيجي في أكبر مصرف أميركي (جي بي مورغن – تشاس).
وليس معروفا ما إذا كان كمبالاست يشي بمعلومة أو يتبرع بتحليل أو ينشر إشاعة على قاعدة اليأس من معركة الرئيس، لكن موقع الرجل ملفت ويبقى الثابت في الأمر أن المعركة انفتحت وكل السياسات تبقى وحتى يوم الاستحقاق محكومة بحساباتها.